أصيب المواطنون الروس بصدمة حين ظهر بث لفلاديمير بوتين يعلن فيه الأحكام العرفية وغزو القوات الأوكرانية للبلاد، خلال يونيو/حزيران 2023، قبل أن يتبين أن هذا الإعلان كان خدعة منفذة بتقنية التزييف العميق المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، بحسب ما كشفته صحيفة The Telegraph البريطانية، الأربعاء 13 يوليو/تموز 2023.
بحسب الصحيفة، فقد استخدم المتسللون خوارزميات الحاسوب لتكوين صورة تشبه بوتين، وزامنوا بين حركة شفتيه وصوته لنقل رسالة كاذبة.
وقد تزايدت الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية لروسيا خلال الأشهر الـ18 الأخيرة، فيما كان التسلل إلى وسائل الإعلام الحكومية الخاضعة للرقابة الصارمة في روسيا لبث أخبار كاذبة باستخدام صورة بوتين أمراً لا يمكن تصوره.
ضربات متتالية
إذ ذكرت وكالة ريا نوفوستي RIA Novosti الإخبارية الأسبوع الماضي، أن قراصنة تسللوا إلى أنظمة التذاكر الخاصة بهيئة السكك الحديدية في هجوم "ضخم".
وتوقف الموقع الإلكتروني وتطبيق الهاتف الخاص بشركة السكك الحديدية عن العمل، وأرجعت الشركة ذلك إلى "هجمات متعددة باستخدام ناقل وأدوات تتغير باستمرار"، مصدرها "جميع أنحاء العالم".
لم يكن هذا هو الحادث الإلكتروني الضخم الوحيد الذي يضرب روسيا في الأشهر الأخيرة. فقد انهار نظام المدفوعات البنكي بالبلاد لفترة وجيزة في يونيو/حزيران، ما أدى إلى تعطيل تدفقات الأموال بين مؤسساتها المالية.
وأعلنت مجموعة من المتسللين المرتبطين بأوكرانيا مسؤوليتهم عن قطع اتصالات بنك روسيا، وبالتالي منع البنك المركزي من الاتصال رقمياً بالعالم الخارجي.
وفي أبريل/نيسان، أدى هجوم آخر إلى تعطيل أنظمة تكنولوجيا المعلومات في دائرة الجمارك الفيدرالية، واُضطر المفتشون إلى الرجوع لاستخدام الورق والقلم.
ورغم أن هذه الهجمات قد تبدو صغيرة بمفردها، فهي تساهم في الانهيار المستمر للاقتصاد الروسي.
إذ تشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي OECD إلى أن اقتصاد بوتين الحربي سينكمش بنسبة 2.5% في أسوأ سيناريو هذا العام، وهو ما يعني خسارة نحو 56 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي.
وبدأت هذه الحرب الإلكترونية شبه الرسمية على روسيا في إحداث ضربات موجعة ظهرت جلياً في اعترافات وزراء بوتين بأن مواجهتها تزداد صعوبة عليهم.
إذ قال نائب وزير الرقمنة ألكسندر شويتوف، قبل أسبوعين: "الهجمات تزداد صعوبة بالفعل، خاصةً أنها تأتي في صورة الهجمات الموزعة لرفض الخدمة. والمتسللون يستغلون ثغرات صعبة إلى حد ما".
وأضاف شويتوف في محاولة عبثية لطمأنة المواطنين الروس: "لكننا صامدون، ونعمل بجد لنحافظ على أمننا".
على أن هذه التطمينات قد لا تلقى آذاناً مصغية. إذ وصفت تقارير إخبارية محلية دائرة الجمارك بأنها "مشلولة جزئياً" في أبريل/نيسان.
وقال متحدث باسم شركة الشحن Delko إنه في الأيام التي أعقبت الهجمات، تمكنت 44 مركبة فقط من المرور عبر نقاط التفتيش الجمركية عوضاً عن 200 سيارة، لأن المسؤولين يواجهون صعوبة بالغة في التعامل مع حجم المرور العادي.
وأول من قد يُتهم بشن هذه الهجمات هي أوكرانيا بطبيعة الحال، لكن روسيا بدأت مؤخراً في توجيه أصابع الاتهام إلى حلفاء فولوديمير زيلينسكي الغربيين.
إذ اتهمت روسيا أجهزة المخابرات الأمريكية في يونيو/حزيران، باختراق سيبراني ضخم أثّر على أجهزة الآيفون في البلاد.
وقالت وكالة الاستخبارات الروسية FSB، وهي نفسها ليست غريبة عن اختراق دول غربية، إن الولايات المتحدة كانت وراء "عمل استخباراتي" لاختراق هواتف الدبلوماسيين.
وقالت شركة آبل في ردها على هذه المزاعم: "لم نعمل يوماً مع أي حكومة لإدخال ثغرة خلفية في أي منتج من منتجات آبل، ولن نفعل ذلك أبداً".
وتحدث مؤسس شركة مكافحة الفيروسات التي تتخذ من روسيا مقراً لها "كاسبرسكي"، عن "برامج تجسس متطورة تقنياً جداً" عثر عليها مهندسون في هواتف "الإدارة العليا".
وقال يوجين كاسبرسكي في يونيو/حزيران: "نظن أن السبب الرئيسي لهذا الحادث هو طبيعة ملكية نظام iOS"، وهو برنامج آبل المستخدم في تشغيل جميع أجهزة الآيففون. وأضاف: "فاكتشاف هذه التهديدات وتحليلها صعب، بسبب احتكار آبل لأدوات البحث".
لكن المتحدث باسم الشركة لم يصل إلى حد توجيه أصابع الاتهام إلى الغرب.
وقال المتحدث: "لا يمكننا التكهن بالعلاقة بين أفراد أو مجموعات بعينها والهجمات الإلكترونية التي حدثت. وبصفتنا شركة أمن سيبراني، تتمثل مهمتنا في دراسة الفنيات وتحليل الهجمات".
وتحديد مرتكبي هذه الهجمات الإلكترونية صعب، ويزيده صعوبة عالم الهجمات الإلكترونية الغامض بطبيعته.
أياً كان من يقف وراء هذه الهجمات الرقمية المستمرة على روسيا، فالشيء الوحيد الذي لا لبس فيه أن روسيا، التي كانت تعتبر يوماً مصدراً أساسياً للهجمات الإلكترونية باتت هي أيضاً معرضة لها مثل الدول الغربية.