يختار عدد متزايد من المصريين الشباب المضيّ في طريق الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، مخاطرين بحياتهم في عرض البحر المتوسط الذي سبق وأن ابتلع آلاف المهاجرين، ويجد هؤلاء المصريون أنفسهم مضطرين للمخاطرة جراء معاناتهم من أزمة اقتصادية وآفاق مستقبلية قاتمة تشهدها بلدهم.
في سيناريو بات متكرراً، تستقل مجموعات الشباب الراغبين في الهجرة أحد قوارب الصيد لمحاولة الوصول إلى السواحل الأوروبية، وفي شهر يونيو/حزيران 2023، غرق العشرات كانوا على متن قارب صيد قبالة سواحل اليونان.
كان قارب الصيد القديم ينقل عدداً كبيراً من المهاجرين، بعدما أبحر من ليبيا، وانقلب القارب وقضى 82 شخصاً على الأقل وفُقد المئات، في واحد من أكبر حوادث غرق مراكب الهجرة إلى أوروبا.
والد أحد المصريين الذين كانوا على متن القارب، قال في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية: "آخر مرة تحدثت فيها مع ابني كانت مساء السابع من يونيو/حزيران 2023 حينها قال لي إنهم سيبحرون" بعد يومين.
أضاف الرجل الذي رفض الكشف عن اسمه: "أنا لا أعرف سوى أنه كان على متن قارب متجه إلى إيطاليا كما يفعل العديد من أصدقائه في القرية"، في إشارة إلى نجله البالغ من العمر 14 عاماً، وقال بأسى: "لم نتوصل إلى شيء حتى الآن ولم يتواصل أحد معنا منذ 15 يوماً".
كانت المنظمة غير الحكومية، منصة اللاجئين في مصر Refugees Platform in Egypt، قد أشارت إلى أن من بين المفقودين في غرق المركب الذي كان متوجهاً لأوروبا، 13 مفقوداً من قرية النعامنة هذه في محافظة الشرقية في دلتا النيل، جميعهم من الذكور وتراوح أعمارهم بين 13 و35 عاماً بينهم تسعة أطفال دون سن الثامنة عشر.
تفيد السلطات بأن 43 مصرياً نجوا من غرق المركب، إلا أن المنصة تلقت عشرات المكالمات من عائلات الضحايا بشأن أي معلومات حولهم، وقال نور خليل المدير التنفيذي للمنصة إن أكثر من 40 عائلة من قريتين بمحافظة الشرقية طلبت المساعدة.
تُشير بيانات الأمم المتحدة إلى أنه تم إنقاذ أكثر من 100 من ركاب القارب من مياه البحر، مشيرةً إلى أن المركب كان مكتظاً بـ400 إلى 750 راكباً بينهم أطفال ونساء.
يؤكد خليل في تصريحه للوكالة الفرنسية أنه "ليست لدينا أرقام محددة للمصريين الذين كانوا على متن القارب والسلطات لم تكشف عن عدد المصريين المفقودين".
كان الإعلامي المصري عمرو أديب أعلن عبر برنامجه على فضائية "إم بي سي مصر"، أن 200 مصري تقريباً كانوا على متن الزورق، لكن حتى الآن لا يزال الأب يجهل مصير نجله، وقال إن "كل ما فعلته هو الذهاب إلى (جمعية) الهلال الأحمر وقدمت لهم بياناته وأجريت تحليل الحمض النووي لتقديم العينة لوزارة الخارجية".
هجرة الأطفال المصريين لأوروبا
من جانبها، أكدت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) في تقرير صدر في 16 حزيران/يونيو 2023، أنه "منذ بداية العام الحالي وحتى الآن، لا يزال وسط البحر المتوسط هو الطريق الأكثر نشاطاً إلى الاتحاد الأوروبي".
أوضحت الوكالة أن "أكثر من 50 ألف عملية رصد (لمهاجرين غير نظاميين) أبلغت عنها سلطات وطنية"، إلا أن بعض الراغبين بالهجرة ينجحون في الوصول إلى وجهتهم.
في العام الماضي مثّل المصريون واحداً من كل خمسة مهاجرين وافدين إلى إيطاليا بهذه الطريقة، بحسب بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء، والتي أوضحت أن ثلث من وصل إلى إيطاليا في عام 2022 من أطفال بمفردهم أو منفصلين عن ذويهم، كانوا مصريين.
أرجعت الوكالة أسباب بحث المصريين عن الهجرة إلى "العوامل الاقتصادية والبحث عن عمل"، خصوصاً في ظل أزمة اقتصادية تعاني منها مصر بسبب نقص النقد الأجنبي وارتفاع معدل التضخم.
كذلك لفتت إلى أن "من المحتمل أيضاً أن يكون وضع حقوق الإنسان في البلاد عاملاً مؤثراً للعديد من المهاجرين المصريين الراغبين في السفر إلى الاتحاد الأوروبي"، مشيرة إلى قلق المنظمات الحقوقية "بشأن القيود المفروضة على حرية التعبير، وسوء أوضاع السجون، وحالات الاختفاء القسري".
في المقابل تؤكد مصر أنها تقف في الصفوف الأمامية لمكافحة الهجرة غير النظامية إلى الشواطئ الأوروبية، لكنها تحتاج إلى التمويل للاستمرار في القيام بهذه المهمة.
وأطلقت مصر استراتيجية 2016- 2026 لـ"تجفيف منابع الهجرة غير الشرعية"، حسب هيئة الاستعلامات المصرية، ومنذ عام 2016 لم يبحر أي مركب على متنه مهاجرون غير نظاميين من السواحل المصرية.
كانت المفوضية الأوروبية قد أعلنت في أغسطس/آب 2022 عن تمويل قدره 80 مليون يورو لمصر من أجل "إدارة الحدود"، خصوصاً عمليات "البحث والإنقاذ ومراقبة الحدود البرية والبحرية".
يرى خليل أن "عسكرة الحدود ليست حلاً"، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن هو "انتقال المعضلة (إلى مكان آخر)، المصريون الآن يعبرون إلى ليبيا"، لبدء رحلتهم من الساحل الليبي.
كانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد أعربت في 12 يونيو/حزيران 2023، عبر بيان عن "قلقها إزاء الاعتقال التعسفي الجماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء، حيث اعتقلت السلطات الليبية آلاف الرجال والنساء والأطفال من الشوارع ومن منازلهم أو في أعقاب مداهمات لما يزعم أنها مخيمات ومستودعات للمُتجِرين".
في هذا الصدد أشار خليل إلى تشديد "العقوبات المفروضة على المهربين وما يمتلكه خفر السواحل من أسلحة"، وعدم تمكن المراقبين الحقوقيين من الوصول إلى هذه المناطق، ورأى أن رحلات الهجرة ستستمر "ما دام الجيل الجديد غير قادر على التعبير عن رأيه أو فتح آفاق اقتصادية في مصر".