قالت صحيفة The Times البريطانية، في تقرير نشرته الجمعة، 30 يونيو/حزيران 2023، إن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (ويُعرَف اختصاراً بالعبرية "الشاباك" أو "الشين بيت") يُطوِّر برمجية تجسس جديدة على الإنترنت لمحاربة ما أسماه "الإرهاب المحلي"، وهي التقنية التي أسماها رئيس الجهاز "قبة حديدية سيبرانية".
إذ قال رونين بار، مدير جهاز الشين بيت، وهو المكافئ لجهاز الأمن الداخلي البريطاني (MI5) ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI)، ، إنَّ الذكاء الاصطناعي ساعد الجهاز في تحديد "عدد كبير من التهديدات".
إسرائيل تستخدم الذكاء الاصطناعي في استهداف الفلسطينيين
يعتقد بار أنَّ هذه التقنية يمكن أن تكون حاسمة في إنقاذ الأرواح مثل منظومة القبة الحديدية للدفاع الجوي، والتي حمت إسرائيل من آلاف الصواريخ منذ استخدامها في 2011.
وقال في مؤتمر "أسبوع الإنترنت"، الذي استضافته جامعة تل أبيب: "إنَّنا موجودون في أعماق الشبكة، ونرى جيداً ما يجري فيها: التجسس، والإرهاب، والتحريض، والتأثير الخارجي. والشبكة ليست مجالاً آمناً لأعدائنا، تماماً مثلما هو الحال مع أوكار الإرهابيين في جنين والأنفاق الإرهابية في غزة. والقبة الحديدية التي يُطوِّرها الشين بيت في الفضاء السيبراني تخطو بالفعل خطواتها الأولى".
كذلك قال رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شين بيت) رونين بار، إن من بين الإجراءات التي اتخذها الشاباك إنشاء منصة للذكاء الاصطناعي التوليدي خاصة به، على غرار تقنيتي تشات جي.بي.تي أو بارد. وأضاف "جرى دمج تقنية الذكاء الاصطناعي بشكل طبيعي في آلة الاعتراض الخاصة بالجهاز… باستخدام الذكاء الاصطناعي، اكتشفنا عدداً كبيراً من التهديدات".
أردف قائلاً إن الذكاء الاصطناعي ساعد في تسهيل عمل الجهاز من خلال الإبلاغ عن العيوب في بيانات المراقبة وفرز معلومات مخابرات "لا نهاية لها"، مضيفاً أن التكنولوجيا كان لها دور ثانوي أيضاً في صنع القرار، وكانت "أشبه برفيق على الطاولة أو مساعد الطيار".
واعترافاً بالدور الرئيسي للتقنية سريعة الانتشار في المجال العام، حث بار على التعاون بين شركات التكنولوجيا الفائقة والأجهزة الحكومية، مثل جهازه "لضمان أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى التطور وليس إلى الثورة".
تفكير إسرائيل في تطوير سياسات الذكاء الاصطناعي
مع استمرار تفكير إسرائيل في سياسات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، دعا بار إلى أن تشمل اللوائح المتوقعة مراجعة القوانين المتعلقة بالجهاز، بالإضافة إلى إعادة تعريف الوثائق السرية.
وتُعتبر إسرائيل إحدى الدول الرائدة في العالم في مجال الذكاء الاصطناعي بفضل ازدهار صناعات الحوسبة والروبوتات التي تعتمد على الموهوبين الذين يصقلون مهاراتهم في الجيش المتقدم تقنياً.
فخلال الفترة بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان 2023، قُتِلَ 19 إسرائيلياً في هجمات فلسطينية، بينهم 7 أشخاص قُتِلوا في عملية إطلاق نار في القدس في يناير/كانون الثاني 2023، وأُصيب عشرات آخرون.
برمجيات تجسس إسرائيلية
في سياق متصل، فقد أصبحت إسرائيل سيئة السمعة بعدما اشتهرت ببرمجيات التجسس الرائدة، بما في ذلك برمجية "بيغاسوس" التي يمكن تنصيبها سراً على الهواتف واستخراج البيانات الثمينة. كانت البرمجية مُصمَّمة لاعتراض التهديدات الإرهابية، ووُجِدَت مُنصَّبة على هواتف مئات المدنيين، بما في ذلك أعضاء برلمانات ونشطاء حقوق إنسان وصحفيين على مستوى العالم، من جانب نظم ديكتاتورية مثل أذربيجان ورواندا والسعودية.
قال رونين سولومون، وهو محلل استخباراتي مستقل في إسرائيل، إنَّ الذكاء الاصطناعي سيُسرِّع عملية جمع المعلومات بصورة هائلة. وأضاف: "إذا أردتم أن تجمعوا كل هذه البيانات عن طريق العنصر البشري، سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً، فإحدى الإدارات تقوم بالتنصّت، وأخرى تجري التحليلات الكتابية. لكن الآن مع الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تتحدث كل الإدارات نفس اللغة المشفرة والحاسوب يعلم كيف يحصل على كل المعلومات من قواعد البيانات الضخمة ويربطها بالأهداف المشتبه بها، وإنشاء أنماط وتنبيهات".
تحذير من قيود الذكاء الاصطناعي
مع أنَّ الذكاء الاصطناعي يمكنه العمل بصورة جيدة مع المؤشرات الحيوية مثل تقنية التعرُّف على الوجه والمواقع الجغرافية ومراقبة صور الأقمار الاصطناعية، كما هو الحال عند مراقبة التغيُّرات التي تحدث في موقع نووي محتمل، يُحذِّر الخبراء من قيوده.
حيث قال قيادي في الاستخبارات الإسرائيلية لصحيفة The Times البريطانية: "أدَّت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بلا شك إلى ثورة في مجالات حياتنا المختلفة، بما في ذلك مجال مكافحة الإرهاب، لكن من الضروري أن نعترف بأنَّ الذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من التقدُّمات فيه، لا يزال يواجه قيوداً حين يتعلَّق الأمر بالتعامل مع الإرهابيين الذين يعملون بصورة مستقلة، ولا ينتمون لأي تنظيم إرهابي".
وقال إنَّه على عكس المجموعات التي غالباً ما تترك بصمات رقمية وتُظهِر أنماطاً يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي رصدها، فإنَّ "الذئاب المنفردة" يمكن أن تتحرك عفوياً دون أي تواصل مسبق. وقد تكون تحركاتهم مدفوعة بمظالم شخصية، أو أيديولوجيات متطرفة، أو مشكلات في الصحة النفسية، الأمر الذي يجعل من الصعب على الذكاء الاصطناعي التنبؤ بهجماتهم أو منعها.
أضاف المصدر: "دون تفاعلات أو تواصلات على الإنترنت مع الشبكات التي تخضع للمراقبة، ستعاني خوارزميات الذكاء الاصطناعي لجمع المعلومات المهمة وإنتاج تقييمات دقيقة للتهديدات في الحال". وأردف بالقول إنَّ المحللين البشريين يمكنهم تفسير الإشارات الدقيقة والتغيُّرات السلوكية والمعلومات السياقية التي قد لا تكون واضحة من خلال خوارزميات الذكاء الاصطناعي. وحذَّر أيضاً من أنَّ الخلايا الإرهابية ربما تطور إجراءات مضادة، بما في ذلك العودة إلى الاتصالات بسيطة التقنية، ما يجعل مهمة خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد ومراقبة أنشطتهم بفعالية أصعب.
وستكون القواعد التنظيمية أيضاً عنصراً رئيسياً. فلأنَّ الذكاء الاصطناعي يمكنه تقليد شخص من خلال صوته أو صورته، ومن خلال التلاعب بالبيانات، فإنَّ هناك مخاطر واضحة لتطبيقه ومجموعة كبيرة من الانتهاكات المحتملة. ودعا بار إلى أن تتضمَّن القواعد التنظيمية مراجعة للقوانين المتعلقة بالشين بيت وكذلك إعادة تعريف للسرية الرسمية.