منحت الحكومة المصرية العاملين في مؤسسات الدولة إجازة عيد الأضحى هذا العام لمدة أسبوع كامل، وهو ما اعتاد المصريين استغلاله للخروج من ضغوط الحياة اليومية، لكن الوضع هذا العام يبدو مختلفاً.
فقد خيم على الأجواء في مصر ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية هذا الشهر في ظل حالة من الكساد التي سيطرت على سوق الملابس والأحذية وغيرها من مستلزمات العيد، إلى جانب تراجع الإقبال على شراء الأضاحي واللحوم، ونهاية بمحدودية خيارات السياحة الداخلية التي لم تعد في متناول الجميع.
لم يعد أمام سعيد عبد الرحمن، وهو موظف مصري خمسيني، خيارات كثيرة لقضاء إجازة عيد الأضحى هذا العام، مشيراً إلى أنه اعتاد السنوات الماضية قضاء الإجازة في أحد الفنادق أو المنتجعات التي تعج بها المدن الساحلية على البحر الأحمر تحديداً في الغردقة وشرم الشيخ.
لكن ذلك لم يعد ممكناً هذا العام بسبب ارتفاع أسعار الغرف الفندقية بشكل مبالغ فيه، ويمكن القول إنها تضاعفت بنسبة 300% مقارنة بالعام الماضي والعام الذي سبقه، بحسب سعيد.
لا يفكر المواطن المصري الذي يتقاضى راتباً لا يتجاوز ثمانية آلاف جنيه أي ما يعادل (260 دولاراً) سوى في شراء بضعة كيلوغرامات من اللحوم حتى يدخل بهجة العيد على أبنائه الأربعة، مشيراً إلى أن كلفة لحوم العيد فقط قد تستحوذ على ثلث راتبه الذي سيحاول الحفاظ عليه استعداداً لعام دراسي جديد مبكر من المتوقع أن تبدأه ابنته التي تلتحق العام المقبل بالصف الثالث الثانوي، ليبقى التفكير في أي ترفيه آخر خصماً من احتياجات رئيسية لا يمكن أن يتخلى عن أي منها.
إجازة عيد الأضحى.. ملغمة
بحسب المواطن ذاته، فإنه لم يفكر في خطوة شراء ملابس جديدة للعيد؛ لأن فترة "الأوكازيون" أو الخصومات السنوية لم تبدأ بعد، كما أنه يعوض أبناءه بالاشتراك في تمارين السباحة وكرة القدم كتعويض عن السفر لقضاء إجازة الصيف، مشيراً إلى أن راتبه قبل ثلاث سنوات فقط كان يساعده على توفير جزء منه للسفر إلى أي من المدن الساحلية، لكن الوضع يبقى صعباً هذا العام، وقد يفكر في وقت لاحق في الحصول على رحلة اليوم الواحد إلى أي من المدن أو المنتجعات القريبة من القاهرة.
يؤكد محمد محسن، وهو موظف مصري في الأربعينيات، أنه اعتاد بشكل سنوي أن يذهب إلى مدينة الغردقة على ساحل البحر الأحمر لقضاء أربعة ليالٍ في أحد الفنادق أو المنتجعات التي اعتادت أن تقدم تخفيضات للمصريين خلال إجازة الصيف، مشيراً إلى أنه مع انتهاء موجة كورونا وعودة السياحة الأجنبية مرة أخرى قامت الفنادق التي يمكن تصنيفها بأنها خمسة نجوم بزيادة الأسعار بشكل كبير تحديداً في فترات الأعياد التي تأتي بالتزامن مع موسم الصيف.
كان قرار محسن هو الاتجاه للبحث عن فنادق ثلاثة أو أربعة نجوم لكنه فوجئ هذا العام بأن أسعارها هي الأخرى تضاعفت بشكل جنوني، وأن قضاء ثلاثة أيام كان يستلزم في السابق توفيره ميزانية تصل إلى تسعة آلاف جنيه مع زوجته وأبنائه الثلاثة، لكن هذا العام فوجئ بأنه بحاجة إلى 25 ألف جنيه لقضاء نفس الوقت، وهو رقم لا يمكن أن يتحمّله.
وأشار إلى أن قيمة الزيادة خلال الخمس سنوات الماضية وصلت إلى 500% وأكثر، ولم يعد بإمكانه تخفيض جودة الفنادق أكثر من ذلك.
يفكر المواطن المصري في البحث عن بدائل أخرى عبر محافظات ساحلية زهيدة الثمن، لكن مشكلته الأساسية تتمثل في أن كلفة إجازة عيد الأضحى بحاجة إلى مصروفات إضافية مع ارتفاع أسعار اللحوم بنسبة وصلت إلى 100% وأكثر مقارنة بالعام الماضي، وكذلك ارتفاع أسعار وسائل النقل ومستلزمات السفر، قد يجد نفسه أمام "إجازة ملغمة" بمشكلات وأزمات مالية عديدة، وبالتالي فإن قراره الأسلم هو البقاء مكانه حتى يتمكن من توفير ثمن رحلة داخلية يمكن أن تكون مناسبة له ولأسرته.
تشير تقديرات سابقة لغرفة السياحة المصرية إلى أن الوجهة الأولى التي تستحوذ على رحلات السياحة الداخلية تتمثل في مدينة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط بنسبة تصل إلى 40%، تليها الإسكندرية بنحو 30%، وبعدها الوجهات الأخرى ومنها شرم الشيخ والغردقة. ولا توجد تقديرات حول معدلات السياحة الداخلية حتى الآن مع استمرار امتحانات شهادة الثانوية العامة لمنتصف الشهر المقبل.
الغلبة للسائح الأجنبي
وأشار أحد أعضاء جمعية مستثمرى السياحة بجنوب سيناء إلى أن زيادة معدلات السياحة الأجنبية تسهم في زيادة أسعار الغرف الفندقية، وأن الزيادات تتراوح هذا العام ما بين 50 و70% مقارنة بالعام الماضي، كما أن الزيادة متأثرة بتراجع قيمة العملة المحلية، في وقت تبحث فيه شركات السياحة عن السائح الأجنبي وليس المحلي الذي يوفر العملة الصعبة.
ذلك يعبر أيضاً عن اتجاه حكومي، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تصل نسبة الإشغالات خلال إجازة عيد الأضحى إلى نسبة تتراوح ما بين 94% إلى 100%، لكن الغلبة ستكون للسائح الأجنبي وليس المصري كما كان الوضع سابقاً.
ويلفت إلى أن بعض الفنادق زهيدة الثمن والتي لا يكون عليها إقبال كبير من الأجانب قامت بتخفيض الأسعار خلال فترة إجازة عيد الأضحى بحثاً عن جذب المواطنين المصريين، لكنها تواجه أزمة بسبب تراجع القدرة الشرائية بوجه عام والذي انعكس على سلوكيات المواطنين المصريين الذين اعتادوا ممارسة كثير من الرحلات الترفيهية التي توفرها الفنادق بمقابل مادي، ويبقى هدف المواطنين بالأساس المكوث في الفندق.
ويشير إلى أن فنادق المدن الساحلية على البحر المتوسط لا تلقى إقبالاً كبيراً من المواطنين تحديداً في محافظتي الإسكندرية ومرسى مطروح، ورغم أنها أيضاً ترفع شعار "كامل العدد" لكن يبقى ذلك خادعاً لأنها فنادق قليلة بالأساس مقارنة بحجم الغرف الفندقية الموجودة في المدن الساحلية على البحر الأحمر، مشيراً إلى أن تأجير الشقق أو ما يُعرف بالغرف الواحدة أو "الاستوديو" يبقى خياراً رائجاً للقطاع الأكبر من المواطنين الذين يبحثون عن وسيلة للترفيه دون أن يكبدهم ميزانية ضخمة.
الوافدون حظهم أوفر من المصريين في المنتجعات
وتوقع أن ترتفع أسعار الفنادق المصرية بنحو أكبر في حال أخذت السياحة الخارجية في النمو خلال الأشهر الماضية، وأن ذلك ستكون له انعكاساته السلبية على السياحة الداخلية التي ستأخذ أيضاً في التراجع بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع القدرات الشرائية، وأن الفنادق تلجأ وشركات السياحة تركز بشكل أكبر على المواطن المصري في حال كانت تعاني أزمة في السياحة الوافدة إليها من الخارج، وهناك مساعٍ للارتقاء بمستوى الخدمة التي تقدمها الفنادق حتى تكون جاهزة لاستقبال قاصدي المنتجعات المصرية من الخارج.
ويشدد إسماعيل عبد الرحمن، وهو أحد سماسرة الشقق السكنية في محافظة الإسكندرية، على أن رحلات السياحة الداخلية هذا العام من المتوقع أن تتزايد على نحو أكبر نحو المحافظة التي تعد موطناً لطبقات فقيرة، ورغم أن فئات عديدة هجرتها خلال الأعوام الماضية إلى فنادق الغردقة وشرم الشيخ لكن هناك توقعات بزيادة أعداد المصطافين إلى الإسكندرية هذا العام، وذلك سيكون متوقفاً على قدرة المواطنين على تحمّل زيادات الأسعار من عدمه.
ويضيف أنه نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وتراجع سعر العملة المحلية فإن القطاعات التي لها علاقة بالسياحة الداخلية ارتفعت أيضاً، بداية من قطاع النقل السياحي نتيجة ارتفاع أسعار السولار وارتفاع مستلزمات قطع غيار الحافلات وبنود الصيانة الدورية، ومن ثم في أسعار الخدمات المقدمة، ومروراً بأسعار الشقق التي تضاعفت أيضاً مع وصول مواطنين من جنسيات عربية إلى المحافظة الساحلية، ونهاية بباقي الخدمات المرتبطة بأسعار دخول الشواطئ وغيرها.
الركود طال محال الملابس
تأتي تلك المؤشرات في وقت استقرت فيه معدلات التضخم عن مستويات قياسية، إذ أعلن البنك المركزي المصري قبل أيام ارتفاع معدل التضخم الأساسي السنوي في مصر إلى 40.3% في مايو/أيار الماضي من 38.6% شهر أبريل/نيسان الماضي، كما أظهرت البيانات أن الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين سجل معدلاً شهرياً بلغ 2.9% في مايو/أيار 2023، مقابل معدل شهري بلغ 1.6% في الشهر ذاته من العام السابق، بمعدل شهري بلغ 1.7% في أبريل/نيسان 2023.
انعكاسات التضخم على إجازة عيد الأضحى لا تنعكس فقط على مقاصد السياحة الداخلية، بل إن أحد أعضاء شعبة الملابس الجاهزة بالغرفة التجارية المصرية أشار إلى أن الركود طال محال الملابس بما فيها الأسواق الشعبية، وأن كثيراً من المحال قامت بعمل تخفيضات لجذب المواطنين رغم أن موسم الأوكازيون الصيفي لم يبدأ بعد.
لكن المحال اضطرت لذلك مع تراجع الإقبال الذي وصل نسبته إلى ما يقارب 60% في حين كان التعويل على زيادة معدلات المبيعات قبل بدء إجازة عيد الأضحى.
ويؤكد أن كثيراً من مصانع الملابس عمدت على تقليل الكميات المنتجة والتي كان في الطبيعي أن تتضاعف قبل الأعياد والمناسبات وبداية فصل الصيف، وأن تراجع القدرة الشرائية جعل كثيراً من المصانع تتجه نحو تنويع إنتاجها حتى تتمكن من تحقيق أي أرباح، بخاصة وأنه مع زيادة أسعار مستلزمات الإنتاج وانعكاسه على أسعار الملابس تراجع إقبال المواطنين بشكل كبير، ويبقى التعويل على الملابس المستعملة التي تأتي مهربة من الخارج.
وشدد على أن ارتفاع أسعار الغذاء كانت له انعكاساته السلبية على اتجاهات المواطنين نحو شراء ملابس العيد بخاصة وأن المصريين يوصفون هذا العيد بأنه "عيد اللحمة" أي تتجه فيه الأموال نحو شراء اللحوم والأضاحي وليس شراء الملابس الجديدة، لافتاً إلى أن مبيعات عيد الفطر الماضي أكثر كثيراً مما عليه حالة الأسواق الآن، وأن كثيراً من المواطنين بانتظار فترة الأوكازيون التي يقومون فيها بشراء ملابس يمكن استخدامها السنوات المقبلة بأسعار زهيدة.
معدلات بيع اللحوم تراجعت بنسبة 70%
لكن بالرغم من ذلك فإن صاحب أحد محال الجزارة في محافظة القاهرة يشكو أيضاً من قلة إقبال المواطنين على الشراء هذا العام أيضاً، مشيراً إلى أن معدلات بيع اللحوم والخراف والأبقار تراجعت بنسبة تصل إلى 70%، وأن تراجع معدلات تربية المواشي في مصر انعكس مباشرة على معدلات بيع اللحوم، وأن الاتجاه يبقى بشكل أكبر نحو اللحوم المستوردة سواء الطازجة أو المجمدة التي توفرها الحكومة بأسعار قليلة، لكن في النهاية يبقى التأثير الأكبر على صناعة تربية المواشي وبيعها.
ويشير إلى أن تراجع الإقبال من المواطنين على الشراء وتوفير الحكومة كميات كبيرة من اللحوم المجمدة تسبب في تراجع أسعار اللحوم خلال الأيام الأخيرة قبل إجازة عيد الأضحى، لافتاً إلى أن سعر الكيلو يتراوح ما بين 300 إلى 350 جنيهاً بعد أن وصلت إلى 400 جنيه، كما أن القائم البقرى تراجع سعره ليصل إلى 140 جنيهاً بعد أن كان 170 جنيهاً، والجاموسي إلى 125 جنيها بعد أن وصل إلى 150 جنيهاً.
وفقاً لتقارير وزارة التموين والتجارة الداخلية، فإن مصر تستورد ما بين 40 و50% من اللحوم، وهو ما يقارب مليوناً و200 طن من اللحوم سنوياً، والنسبة المتبقية من اللحوم البلدية، وأوضحت دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن استهلاك المصريين من اللحوم قل بنسبة 93.9%، كما انخفض استهلاكهم من الطيور بنسبة 93.1%.
ولا تنفصل كل هذه المؤشرات عن معدلات نمو النشاط الاقتصادي التي تشير إلى أن المعدل النشاط الحقيقي سجل 3.9% خلال الربع الرابع من عام 2022 مقارنة بمعدل نمو بلغ 4.4% خلال الربع الثالث من العام ذاته، وأشارت إلى أن النصف الأول من العام المالي 2022-2023 سجل معدل نمو بلغ 4.2%.
وتشير معظم المؤشرات الأولية إلى تباطؤ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من عام 2023، وأنه من المتوقع أن يتباطأ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2022-2023 مقارنة بالعام المالي السابق له، على أن يتعافى بعد ذلك.