قيّدت مصر وصول اللاجئين السودانيين إليها بعدما فرضت تأشيرة دخول عليهم، إذ كشف مصدر أمني لـ"عربي بوست" أن الهدف مواجهة أنشطة غير قانونية بعد ضبطهم خلايا لتزوير التأشيرات، فضلاً عن أن هناك معلومات لدى الأجهزة الأمنية بحصول كثير من الأشخاص على الجنسية السودانية في عهد الرئيس السابق عمر البشير قد يتسربون داخل مصر.
وأضاف المصدر الأمني رفيع المستوى أنه كان من الضروري وضع تنظيم لعملية دخولهم. أما بالنسبة لقانون اللجوء، فمن المزمع إقراره في غضون 6 أشهر، ومن المتوقع أن يضاعف عملية التقييد وسيتم ربطها بدفع عوائد دولارية.
تلك الإجراءات تزامنت مع ضغوطات شديدة تمارسها جهات مصرية (لم يسمها المصدر) على الاتحاد الأوروبي ومفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لتوجيه مساعدات إليها تمكنها من استقبال ملايين المهاجرين واللاجئين، ما يشير إلى أن القاهرة أدخلت تغييرات جذرية على سياستها التي دشنتها منذ سنوات وهدفت لاستقبال أكبر عدد من اللاجئين ومنحهم كثيراً من الحقوق التي يتمتع بها المصريون.
أكدت مصر مجدداً أهمية تضافر الجهود الدولية لإيجاد حلول مستدامة لقضايا اللجوء من خلال منظور شامل يراعي التكامل بين البعدين الإنساني والتنموي. وجددت الخارجية المصرية في بيانها التأكيد على أن مصر "تواصل فتح أبوابها لتوفير ملاذ آمن لأولئك الذين اضطرتهم الظروف لمغادرة بلادهم، وتتعامل معهم من منظور إنساني يكفل لهم العيش بكرامة على أراضيها".
تململ شعبي وسلوك عدواني
وقال مصدر أمني مطلع على صلة بملف اللاجئين لـ"عربي بوست"، إن الأجهزة حذرت القيادات العليا بعدما رصدت مجموعة من العوامل السلبية التي تهدد تماسك الأمن الداخلي، في مقدمتها التململ الشعبي بسبب مضاعفة أسعار السلع والخدمات والعقارات في المناطق التي يوجد فيها اللاجئون بكثافة.
وأشار إلى أن قطاعات من المواطنين أضحوا على قناعة بأن الدولة تستفيد من اللاجئين عبر إدخال العملة الصعبة الشحيحة إلى البلاد، لكنها تتركهم يواجهون مصيرهم في مواجهة أعباء الحياة الصعبة.
وكشف المصدر أن العامل الآخر يتعلق برصد حالة من الاحتقان لدى الملايين من اللاجئين الذين جاؤوا إلى مصر ولم يتمكنوا من تسجيل أنفسهم كلاجئين في المفوضية الأممية، وهؤلاء مع ازدياد الضغط على مكتب القاهرة أظهروا سلوكاً عدائياً ضد الدولة المصرية، ومن المتوقع أن يأخذ هذا السلوك في التزايد مع عدم قدرتهم على توفير أساسيات الحياة.
ووفقاً للمصدر ذاته فإن المشكلة الأكبر تتعلق بوصول أعداد كبيرة من السودانيين دون أوراق ثبوتية في أيام الحرب الأولى، وهناك مخاوف من توظيف هؤلاء لإثارة العنف والفوضى، خاصة أن القاهرة تتداخل في الأزمة السودانية، وهناك قناعة من جانب المؤيدين لقوات الدعم السريع أنها تدعم المؤسسة العسكرية.
وكشف المصدر عن توالي الضغوط على المعابر المصرية خلال الشهر الأول من اندلاع الصراع المسلح في السودان بشكل وجدت الأجهزة الأمنية خلاله صعوبات عديدة في حظر دخول أي أشخاص ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم جنائية قبل قبوله كلاجئ لديها، وهو ما تطلب إصدار قرارات تقييد الدخول حتى تتمكن الجهات الأمنية من اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية تضمن عدم تأثر الأمن القومي سلباً بتوافد النازحين.
جزء من الفاتورة
وكشف مصدر أمني آخر عن أن الفترة المقبلة ستشهد ترحيل عدد من اللاجئين الذين تورطوا في أعمال عنف أو قضايا جنائية أو سياسية في بلادهم، لافتاً إلى أن التقديرات الرسمية تشير إلى تورط بعض اللاجئين في جرائم جنائية، وتزايد المخاوف بشأن أن تنعكس توجهاتهم وأيديولوجياتهم السياسية على الجرائم ذات الطابع الإرهابي، لكنه ربط بين تفعيل قانون اللجوء الذي أقرته الحكومة ومازال بحاجة لموافقة البرلمان عليه وبين اتخاذ تلك الإجراءات.
ووافقت الحكومة المصرية مؤخراً على مشروع قانون بإصدار قانون لجوء الأجانب، نص على أن يلتزم اللاجئون وطالبو اللجوء بتوفيق أوضاعهم طبقاً لأحكام هذا القانون خلال سنة من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية، ويجوز لرئيس الوزراء بعد موافقة مجلس الوزراء، تمديد المدة المشار إليها لمدة مماثلة، ويصدر رئيس مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية لهذا القانون خلال 6 أشهر من تاريخ العمل به.
كما نص مشروع القانون على أن تنشأ لجنة تسمى "اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين"، تكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتبع رئيس مجلس الوزراء، ويكون مقرها الرئيسي محافظة القاهرة، وتكون هي الجهة المهيمنة على كافة شؤون اللاجئين بما في ذلك المعلومات والبيانات الإحصائية الخاصة بأعداد اللاجئين.
وأوضح حقوقي مصري قريب من الحكومة المصرية، أن الإجراءات المصرية تنظيمية في الأساس، وليس هناك مانع من استقبال لاجئين جدد شريطة أن يكون ذلك وفقاً لمعايير تضعها الحكومة وتجعلها أكثر قدرة على جمع معلومات بشأن الموجودين على أراضيها، وتسعى للانتقال لأن تفرق بين من لجؤوا إليها بسبب ظروف قهرية فرضتها الصراعات المسلحة وبين المهاجرين الذين يجب أن يدفعوا ثمن إقامتهم.
ولفت إلى أن القانون الذي أقرته الحكومة المصرية أخيراً لم يتطرق إلى مسألة فرض الرسوم، لكنه يبقى مطروحاً في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعانيها وحاجتها إلى توفير سيولة دولارية تمكنها من توفير الغذاء والخدمات، والأكثر من ذلك أن الحكومة مقتنعة بأنها صرفت مئات المليارات من الدولارات على مشروعات قومية يستفيد منها المهاجرون إليها، وتهدف لأن يتحملوا جزءاً من الفاتورة.
خطوات محددة لإعادة صياغة الموقف من اللاجئين
ووفقاً للمصدر ذاته، قيدت مصر أولاً دخول السودانيين، ثم ذهبت باتجاه إقرار قانون ينظم عملية اللجوء بشكل كامل. ومن المقرر أن تنشأ لجنة تقدم أدلة موثقة بما تقدمه للاجئين حتى تحصل على دعم خارجي مقابل ما تقوم به، لأنها تدرك أن الهيئات المانحة الدولية، سواء فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي أو منظمة شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تجد أن الملف بيد جهات حكومية عديدة، وفي بعض الأحيان يكون هناك تناقض في الأرقام الرسمية، وهو ما يعرقل مسألة الدعم.
ومن المقرر أن تشكل اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين خلال 3 أشهر من تاريخ العمل بالقانون الجديد، وتعد اللجنة تقريراً بنتائج أعمالها كل 3 أشهر، يعرض على رئيس الحكومة المصرية ويكون للجنة أمانة فنية، يصدر قرار بتحديد اختصاصاتها ونظام العمل بها وتعيين رئيسها ومدة رئاسته لها واختصاصاته.
وقدرت المنظمة الدولية للهجرة في أغسطس/آب الماضي أعداد المهاجرين الدوليين الذين يعيشون في مصر بـ9 ملايين شخص من 133 دولة، يتصدرهم السودانيون بـ4 ملايين مهاجر، والسوريون بـ1.5 مليون، واليمنيون والليبيون بمليون مهاجر لكل منهما، وهو الرقم الذي تزايد مع استقبال 250 ألف سوداني منذ اندلاع الحرب.
ووفقاً لاتفاقية اللاجئين عام 1951، يُعرَّف اللاجئون بأنهم الأشخاص الذين أُجبروا على مغادرة بلدهم وغير قادرين أو غير راغبين في العودة خوفاً من الاضطهاد على أساس العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى جماعة اجتماعية معينة، أو رأي سياسي.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد في تصريحات له، أن مصر تستضيف 9 ملايين لاجئ على أراضيها، دون أي مزايدة للحصول على دعم، مؤكداً أنهم يعيشون في مصر كمواطنين لحين تحسن ظروف بلادهم.
ضغط غير مباشر
وبحسب مصدر حقوقي قريب من مفوضية شؤون اللاجئين، فإن القاهرة لم تقنع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بأنها تتحمل كلفة استضافة ملايين اللاجئين لأن الأرقام المسجلة لدى مفوضية اللاجئين لم تتجاوز 300 ألف لاجئ، وترى أنه من المنطقي أن الأعداد الموجودة على الأراضي المصرية فيما يتعلق باللاجئين وليس المهاجرين أقل كثيراً من الأرقام التي تسوّق لها الحكومة المصرية، وبالتالي فإن مصر هدفت للضغط على تلك الجهات بشكل غير مباشر بعد أن قيدت دخول السودانيين، وهو ما تسبب في أزمة كبيرة على الحدود.
ولفت إلى أن التقديرات المصرية تشير إلى طول أمد الصراع في السودان، ما يشير إلى احتمالية فرار ما يقرب من 3 ملايين سوداني آخرين إلى مصر خلال الأشهر المقبلة إذا ما قررت القاهرة فتح الحدود كما كان الوضع عند بداية الحرب، وأن الأرقام تشير إلى أن الدفعات كانت تضم في البداية ألفاً أو ألفي مواطن ووصلت إلى 15 ألف مواطن سوداني في الدفعة الواحدة، ما شكل خطراً تطلب تدخل القاهرة.
وأشار إلى أن تقارير مؤسسات حقوقية تشير إلى حقوق المصريين واللاجئين في الحصول على سكن بسعر منطقي يتماشى مع مستوى دخل المصريين يتناقص بصورة كبيرة، وقد يقود ذلك لأزمة سكن في المناطق الشعبية التي يتكدس فيها ملايين المصريين.
وتحاول القاهرة أن تبرهن على أنها بحاجة إلى رعاية وتوفير أماكن للسكن، ودعم منتظم، سواء أكان دعماً عينياً من الأغذية والملابس أم دعماً تنظيمياً له علاقة بوضعهم داخل البلد.
ويتفق العديد من الحقوقيين في مصر على أن استمرار مصر في لعب دور استقبال اللاجئين دون إجراءات تنظيمية ودعم دولي أضحى غير ممكن؛ لأنه يتطلب كلفة باهظة قد لا تستطيع الدولة المصرية تحملها في الوقت الحالي، وأن التعامل مع اللاجئين يحتاج إلى تمويلات ضخمة بحاجة لمشاركة جهات دولية مساعدة، وأن القاهرة ترسل إشارات على أن مواقفها الحالية من اللاجئين ستتغير بشكل كلي في المستقبل لأنها لن تتحمل وجودهم، ما يجعل الدول الأوروبية تعاني أيضاً مشكلات اقتصادية أمام مزيد من المهاجرين غير الشرعيين إليها.
وقبل أيام حذر وزير الخارجية المصري سامح شكري من تحول مصر إلى "دولة معبر لللاجئين إلى أوروبا حال تعثرت الأمور بعد أن أصبحت مقصداً لهم"، واعتبر شكري أن ذلك سيضغط على الاتحاد الأوروبي.
وشدد شكري في مؤتمر صحافي مشترك مع مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، على أن "الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول للقاهرة وتسعى لزيادة الاستثمارات الأوروبية"، مشيراً إلى أن "بلاده أكدت للاتحاد الأوروبي استضافتها لأعداد كبيرة من اللاجئين والحاجة إلى مزيد من التعاون والدعم حتى تستطيع مصر الاضطلاع بمسؤوليتها".
ويؤكد أحد أعضاء المجلس المصري للشؤون الخارجية، لـ"عربي بوست" أن مصر بحاجة إلى مساعدات مالية تصل إلى مئات الملايين من الدولارات بشكل مبدئي حتى تتمكن من التعامل مع التدفقات الهائلة من اللاجئين، وأن يكون ذلك من خلال التفاوض مع دول الاتحاد الأوروبي الأكثر تضرراً من المهاجرين غير الشرعيين، كما أن القاهرة تنشد دعماً لوجستياً عبر إمدادها بالأجهزة المتطورة لمراقبة الحدود وتنفيذ مزيد من التدريبات المشتركة مع حرس خفر السواحل الأوروبية.
وشدد على أن القاهرة لديها هواجس كبيرة بشأن تسلل عناصر متطرفة إليها تُسبب لها مشكلات أمنية بالداخل وتُعيدها إلى مربع العمليات الإرهابية والمواجهة المفتوحة مع التنظيمات المتطرفة، كما أنها في الوقت ذاته تخشى من عملية التغيير الديموغرافي على الحدود مع السودان والتي لديها معها مشكلة حدودية تتعلق بمنطقة حلايب وشلاتين؛ لأن الصراع المفتوح على مصرعيه هناك قد يمكّن أطرافاً معادية للأمن القومي المصري، وفي تلك الحالة ستكون هناك قنبلة موقوتة على الحدود.
وسبق أن حصلت مصر على مساعدات لمكافحة تحديات الهجرة، بقيمة 63.6 مليون يورو من صندوق الاتحاد الأوروبي للطوارئ الخاص بإفريقيا مطلع هذا العام، وفي أكتوبر الماضي وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقاً مع مصر تمخض عنه ضم مصر للمرحلة الأولى من برنامج إدارة الحدود بقيمة 80 مليون يورو، إلى جانب مساهمة الاتحاد الأوروبي لتمويل تطوير العمالة المصرية بما يدعم استيرادها بالطرق الشرعية للحد من الهجرة غير الشرعية.
وخلال الشهر الجاري قدرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إجمالي التمويل المطلوب لتمويل أنشطة اللاجئين في مصر اعتباراً من 10 مايو الماضي بـ151.4 مليون دولار تم توفير مبلغ 13.2 مليون دولار منه، وباقي المبلغ وقيمته 138.2 مليون "بنسبة 91%" يعتبر فجوة تمويلية.