وصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بكين، في زيارة تستمر يومين هي الأولى لوزير خارجية أمريكي منذ خمس سنوات، وسط فتور بالعلاقات الثنائية وآمال ضئيلة في تحقيق انفراجة فيما يتعلق بقائمة طويلة من الخلافات بين أكبر اقتصادين في العالم.
وبعد تأجيل الزيارة، في فبراير/ شباط، بسبب تحليق ما يشتبه بأنه منطاد تجسس صيني في المجال الجوي الأمريكي، أصبح بلينكن أكبر مسؤول حكومي أمريكي يزور الصين منذ تولى الرئيس جو بايدن منصبه، في يناير/كانون الثاني 2021.
وبينما كان بلينكن متوجهاً إلى الصين، قلل الرئيس الأمريكي جو بايدن من شأن واقعة المنطاد قائلاً "لا أعتقد أن القادة (الصينيين) كانوا يعرفون مكانه، أو ما كان في داخله، أو ما كان يجري". وأضاف أمام صحفيين السبت "أعتقد أن الأمر كان محرجاً" لبكين "أكثر منه متعمداً".
وأمل بايدن في أن يجتمع مجدداً مع الرئيس شي جينبينغ "في الأشهر المقبلة"، بهدف "الحديث حول اختلافاتنا المشروعة، لكن أيضاً حول المجالات التي يمكننا الاتفاق عليها". وكان الرئيسان قد عقدا اجتماعاً طويلاً وودياً، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي.
ومن المرجح أن يحضر الزعيمان قمة مجموعة العشرين المقبلة، في سبتمبر/أيلول، في نيودلهي. وشي مدعو إلى سان فرانسيسكو، في نوفمبر/تشرين الثاني، عندما تستضيف الولايات المتحدة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
"تحدي القرن"
متحدثاً في واشنطن قبل مغادرته، أراد بلينكن أن يكون متفائلاً إلى حد ما. وقال إن هذه الزيارة التي تستغرق يومين يجب أن "تفتح خطوط اتصال مباشرة حتى يتمكن بَلدَانا من إدارة علاقتنا بمسؤولية، بما في ذلك من خلال معالجة بعض التحديات والتصورات السيئة، ومن أجل تجنب الحسابات الخاطئة".
وأضاف أن "المنافسة الشديدة تتطلب دبلوماسية مستمرة لضمان عدم تحوّلها لمواجهة أو نزاع"، لأن "العالم يتوقع تعاون الولايات المتحدة والصين".
وكان بلينكن يتحدث في مؤتمر صحفي إلى جانب نظيره السنغافوري فيفيان بالاكريشنان. ووصف الأخير العلاقة الصينية الأمريكية بأنها "تحدي القرن"، قائلاً "بقية العالم ستراقبكم، نأمل وأعتقد أنكم ستكونون قادرين على إدارة خلافاتكم".
تايوان ملف شائك
وتمثل تايوان أكثر ملف شائك بين القوتين. ونفذت بكين مناورات عسكرية تاريخية حول الجزيرة، في أغسطس/آب، رداً على زيارة لتايوان أجرتها رئيسة مجلس النواب الأمريكية آنذاك نانسي بيلوسي في إطار جولة آسيوية.
وقبل زيارة بلينكن قال المتحدث باسم الخارجية الصينية، وانغ ون بين، إن الولايات المتحدة يجب أن "تحترم المخاوف الجوهرية لدى الصين"، وأن تتعاون مع بكين.
كما أضاف: "يجب على الولايات المتحدة التخلي عن وهم التعامل مع الصين من موقع قوّة، يجب على الصين والولايات المتحدة تطوير علاقات على أساس الاحترام المتبادل والمساواة، واحترام خلافاتهما".
"إعادة إطلاق حوار"
زيارة بلينكن هي الأولى لوزير خارجية أمريكي إلى الصين منذ زيارة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أجراها سلفه مايك بومبيو، الذي انتهج لاحقاً استراتيجية مواجهة مع بكين في السنوات الأخيرة من رئاسة دونالد ترامب.
ومذاك حافظت إدارة بايدن على هذا الخط المتشدد، وذهبت أبعد من ذلك في بعض المجالات، بما في ذلك من خلال فرض ضوابط على الصادرات بهدف الحد من شراء بكين وتصنيعها رقائق متطورة "مستخدمة في تطبيقات عسكرية".
لكن الإدارة الأمريكية تريد التعاون مع الصين في قضايا رئيسية مثل المناخ. وتأتي زيارة بلينكن أيضاً في وقت يشهد جزء من الصين موجة حارة مع تسجيل درجة حرارة قياسية جديدة في منتصف يونيو/حزيران.
بالنسبة إلى داني راسل، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الأمريكية فإن لكل طرف مصلحة في هذه الزيارة: فالصين تأمل في تجنب قيود أمريكية جديدة على التكنولوجيا وأي دعم جديد لتايوان. أما الولايات المتحدة فترغب من جهتها في منع أي حادث يحتمل أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية.
وقال راسل إن "زيارة بلينكن القصيرة لن تحل أياً من المشاكل الكبيرة في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وليس بالضرورة المشاكل الصغيرة أيضاً. كما أنها لن تمنع أياً من الجانبين من متابعة أجندتهما التنافسية".
كما أوضح "لكن زيارته يمكن أن تعيد إحياء الحوار المباشر الذي تشتد الحاجة إليه، وتبعث إشارة إلى أن البلدين ينتقلان من خطاب الغضب أمام وسائل الإعلام إلى محادثات أكثر رصانة خلف أبواب مغلقة".