تتجه موسكو إلى إقرار صلاحيات جديدة تسمح بمصادرة أصول شركات غربية وعرقلة خروجها من البلاد، وذلك في ظل مساعي الرئيس فلاديمير بوتين للرد على العقوبات الأمريكية والأوروبية، بحسب ما نقلته صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، الخميس 15 يونيو/حزيران 2023، عن أشخاص مطلعين.
المصادر المطلعة أوضحت أن الكرملين أمر سراً، الأسبوع الماضي، بسن تشريع يسمح بـ"الاستيلاء" على أصول شركات غربية بأسعار متدنية، وأنه ناقش تبني إجراءات أكثر حدة بهدف "تأميم" هذه الشركات بشكل كامل.
كما أضافت المصادر أن فريق الرئيس فلاديمير بوتين يرغب في أن يكون التهديد بتأميم الشركات الغربية جزءاً من سياسة "العصا والجزرة" بحيث تتم معاقبة الدول الغربية التي تصادر الأصول الروسية ومكافأة أولئك الذين يلتزمون بقواعد الكرملين.
وبحسب الصحفية فإن "مرسوم الكرملين السري"، الذي اطلعت عليه، سيمنح الدولة الروسية حق الأولوية في شراء أي أصول غربية معروضة للبيع "بخصم كبير" يمكّنها من تحقيق ربح في حال قررت بيعها مرة أخرى.
الصحيفة أضافت: "كما يتطلب الأمر الذي أصدره بوتين إلى مجلس وزرائه، والذي تم التوقيع عليه الأسبوع الماضي، أن يكون جميع مشتري الأصول الغربية روساً بشكل كامل واستبعاد جميع المساهمين الأجانب، مما يزيد من تعقيد أي إجراءات للخروج من البلاد".
وبموجب المعايير الحالية، التي تم الإعلان عنها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإنه يتعين على الشركات الغربية منح المشترين الروس خصماً لا يقل عن 50% من قيمة الأصل، وتقديم مساهمة "طوعية" تتراوح بين 5% – 10% من سعر الصفقة إلى ميزانية الدولة.
من جانبه، قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، لـ"فاينانشيال تايمز" إن المستثمرين والشركات الغربية "موضع ترحيب كبير" في روسيا، ولكنه أشار إلى أن هناك بعض الشركات التي توقفت بشكل كامل عن دفع الرواتب أو قررت ببساطة مغادرة البلاد بخسارة فادحة.
كما أضاف: "في حال لم تف الشركة بالتزاماتها، فإنها بالطبع ستدخل في فئة الشركات المشاغبة، وسنقوم بتوديع تلك الشركات، وما نفعله بأصولهم بعد ذلك هو أمر خاص بنا".
"صندوق باندورا"
ونقلت الصحيفة عن بعض الأشخاص المنخرطين في إجراءات خروج الشركات الغربية من روسيا قولهم إن خطوة الكرملين هذه "تفتح صندوق باندورا" (صندوق الشر المطلق الذي أخرج كل شرور البشرية للعالم وفقاً لإحدى الأساطير الإغريقية) الذي سيعزز حتماً سيطرة الدولة على الاقتصاد.
إذ يقول رجل أعمال بارز يمر بعملية بيع أصوله في روسيا، لم تكشف الصحيفة عن هويته: "أعتقد أن التأميم بات أمراً وشيكاً، والأمر مسألة وقت فقط، وذلك لأن الدولة ستحتاج إلى المال".
وأعرب رجل الأعمال، الذي قال إنه يخطط "للتسلل عبر النافذة" قبل بدء عملية التأميم، عن اعتقاده بأن الشركات التي تقدم السلع ستكون الأكثر تضرراً، حيث يبحث الكرملين عن مزيد من السبل للاستفادة من عائدات التصدير لضمها إلى الميزانية، ولكن شركات التكنولوجيا ستكون أقل تأثراً لأنه "يصعب إدارتها".
كانت دائرة بوتين المقربة قد ناقشت مسألة تأميم الشركات الغربية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، ولكنها حتى الآن لم تستخدم مثل هذه الصلاحيات إلا في حالات نادرة.
وفي أبريل/نيسان الماضي، استحوذت روسيا على الشركات المحلية التابعة لشركتي "Fortum" الفنلندية و"Uniper" الألمانية، رداً على ما وصفته بـ"المصادرة غير القانونية للأصول الروسية في الخارج".
مراقبة الأصول الروسية
كما لفتت "فاينانشيال تايمز" إلى أنه من أجل تقرير ما إذا كان سيتم توسيع مثل هذه الصلاحيات عبر الآلاف من الشركات الغربية الأخرى، سيراقب الكرملين ما سيحدث لأصول البنك المركزي الروسي المجمدة في الغرب والتي تبلغ حوالي 300 مليار يورو (324 مليار دولار).
ويشعر المسؤولون الاقتصاديون الروس بالقلق من فقدان الدور الحاسم الذي تواصل الشركات الغربية لعبه في العديد من قطاعات اقتصاد الدولة، ولكن في نفس الوقت، يحرص الكرملين على إيجاد مصادر جديدة للدخل من أجل الميزانية، وسط انخفاض إيرادات صادرات الطاقة، والإنفاق العسكري المرتفع، مما أدى إلى تزايد عجز الميزانية إلى 42 مليار دولار حتى الآن خلال هذا العام.
فيما قالت مصادر الصحيفة إن محافظة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، كانت من بين أقوى الأصوات التي ضغطت من أجل الحد من خروج الشركات الغربية، فضلاً عن تحذيرها من خطر التأميم.
ويشعر البنك المركزي بالقلق من أن خروج رأس المال الأجنبي يمكن أن يضعف الروبل ويحد من الخيارات أمام المستثمرين الروس، لكن المصادر أضافت أن وزير المالية، أنطون سيلوانوف، يؤيد خروج الشركات كوسيلة لجني المزيد من الإيرادات للميزانية.