الجندي الروسي الذي “توسّل” لمسيرة أوكرانية يروي قصته.. انتحر صديقاه وهكذا خطر بباله الاستسلام

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/15 الساعة 07:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/15 الساعة 07:39 بتوقيت غرينتش
الجندي الروسي الأسير رسلان أنيتين / لقطة فيديو

روى الجندي الروسي الأسير رسلان أنيتين، قصته بعد أكثر من شهر من استسلامه لطائرة مسيّرة أوكرانية، حيث اشتهر آنذاك بظهوره في فيديو انتشر على نطاق واسع وهو يتوسل للطائرة التي أرشدته إلى تسليم نفسه دون مقاومة.

في 9 مايو/أيار 2023 كان أنيتين محاصراً في خندق ضيق؛ حيث ظلت طائرات مسيّرة أوكرانية مسلحة تطارده لساعات، لكن حينما بدأت الشمس في الغروب برز الجندي الروسي بعدما شعر بالعطش والإرهاق، وصار يحدّق بكاميرا طائرة "درون" تحلق فوقه متوسلاً لها لإيقاف القصف.

على بعد أميال قليلة فقط، ظهر وجه أنيتين على شاشة مركز قيادة اللواء الميكانيكي 92 الأوكراني، بالقرب من باخموت، حيث كانت المعارك تدار بشراسة، وفق ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال".

العقيد الأوكراني، بافلو فيدوسينكو، كان على الطرف المقابل، وبعد التشاور مع زملائه من الضباط أرسلوا أمراً عبر الراديو للذين يتحكمون بالطائرة لمحاولة "القبض عليه حياً".

رحلة التجنيد

لم يتوقع أنيتين (30 عاماً) بعد أن أصبح طبيباً بيطرياً، أن ينتهي به المطاف وسط الحرب، لكن منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، تشير إلى أنه كان "داعماً للحرب"، بما في ذلك منشورات مصحوبة بصورة العلم الروسي وتعليقات مثل "فلنعاقب الفاشيين".

كما أن وشماً على يده كتب عليه "Za-VDV"، في إشارة للقوات الجوية الروسية، قال أنيتين إن الوشم كان تذكاراً لخدمته العسكرية الإلزامية منذ عقد من الزمن.

وقال أنيتين للصحيفة إنه "يفترض بأفراد الجيش من المحترفين فقط القتال في أوكرانيا"، مشيراً إلى أنه "شعر أنه لن يشارك في الحرب على الإطلاق"، ولكن ذلك تغير في سبتمبر/أيلول الماضي عندما بدأت موسكو بحشد المدنيين، حيث أبلغ حينها بحزم أمتعته للذهاب إلى الحرب أو سيواجه السجن.

حتى ذلك الوقت، كان أنيتين يدير متجراً لبيع الخمور في إدريتسا، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها 5000 نسمة بالقرب من الحدود مع لاتفيا.

بعد انتهاء مناوبته في أحد أيام الأحد، قال إنه تلقى مكالمة من مكتب التجنيد المحلي الخاص به، حيث قال له المسؤولون هناك إنهم يبحثون في الأسماء أبجدياً، وأخبره أحدهم أن يعود إلى المنزل ليحزم أمتعته تلبية للتجنيد في صباح اليوم التالي أو يواجه عقوبة السجن للتهرب. 

غادر أنيتين المنزل قبل فجر اليوم التالي، وبكت زوجته عندما أخبرها أنه سيرحل، فودّعها في الليلة السابقة ولم يوقظها أو يوقظ طفلته البالغة من العمر 3 سنوات قبل مغادرته. 

نُقل مع ثلاثة قرويين آخرين بالحافلة إلى مدينة أكبر، حيث حُشد الكثير من الرجال لدرجة أن المسؤولين تخطوا الفحوصات الطبية، ثم مُنح مع رفاقه بنادق من الحقبة السوفييتية والزي الرسمي، وفي غضون أسابيع من التدريب أُرسلوا للمشاركة في دعم حماية الحدود، وبعد أشهر قليلة أرسلوا للقتال في معارك باخموت.

وقال أنيتين لوول ستريت جورنال: "لقد أدركنا أنهم أرادوا إلقاءنا في مفرمة اللحم".

صديقاه انتحرا

في حديثه عن قصة استسلامه أمام طائرة "درون" الأوكرانية في باخموت، قال إن القادة اختاروه مع اثنين من المجنّدين الآخرين، وطُلب منهم التقدم إلى الخنادق الأقرب للخطوط الأوكرانية والاحتماء هناك، في حين حملوا 4 وجبات طعام و6 زجاجات مياه.

يقول أنيتين إنه في صباح اليوم التالي وجّههم مقاتل من مجموعة فاغنر إلى أقرب خندق، ليتعرضوا على الفور لقذائف الهاون التي استمرت نحو 40 دقيقة، بينما كان مقاتل فاغنر يحذرهم: "إذا لم تنفذوا الأوامر ستُطلَق النار عليكم، وإذا حاولتم التراجع ستُطلَق النار عليكم". 

خلال القصف العنيف نحوهم، فر أنيتين مع الآخرين لخندق آخر، لكن هجمات الطائرات المسيّرة الأوكرانية لم تهدأ، ما تسبب بإصابة المجندين الروس الثلاثة، وبينما رجّح الاثنان الآخران الانتحار بعد إصابتهما، خطرت ببال أنيتين فكرة الاستسلام.

مع غروب شمس يوم 9 مايو/أيار الماضي، كان التعب والعطش يفوقان قدرة أنيتين الذي برز أمام طائرة الدرون الأوكرانية وتوسل لهما صعوداً وهبوطاً بجسده قرب الخندق، طالباً إنهاء القصف ومساعدته في الاستسلام.

وقال إنه لم تكن لديه خطة واضحة، لكنه اعتقد أنها "تستحق المحاولة". 

مشهد الاستسلام

في المقابل، كان الأوكرانيون الذين يوجهون المسيّرات يراقبون حركات أنيتين ولغة جسده، حيث كان يحرك رأسه للأعلى والأسفل للإشارة إلى "نعم"، ولليسار واليمين للإشارة إلى "لا"، وأومأ للطائرة بأن تضيء مرة للإشارة إلى "نعم" ومرتين للإشارة إلى "لا".

لم يكن أنيتين يعرف ما إذا كان سيتم فهمه. قال إنه عندما بدأت الطائرة من دون طيار في الابتعاد ، شعر بالارتياح وقرر أن يتبعها.

وأرسلت طائرة مسيرة تحمل رسالة إلى أنيتين على عبوة طعام كتب عليها: "استسلم.. اتبع الطائرة المسيرة"، حيث قام بالسير وراءها، وتوقف فقط عندما كان يتم تبديل بطاريات الدرون وإعادتها، وتوقف مرة ليشرب الماء من زجاجة ملقاة على الأرض ويدخّن سيجارة. 

وبعدما خرج من الخندق تعرض لوابل من الطلقات المدفعية الروسية التي بدت كأنها كانت تستهدفه، بحسب تعبير الصحيفة، ليستمر في السير حتى وصل إلى منطقة وجود الجنود الأوكرانيين، وجثا على ركبتيه وخلع خوذته وسترته الواقية، كي لا يشعرهم بالتهديد، حيث قاموا بتقييده واصطحابه بعيداً. 

وذكرت الصحيفة أن حادثة أنيتين تشير إلى أن المعنويات بين صفوف القوات الروسية بدأت بالتراجع، حتى قبل شن كييف هجومها المضاد لاستعادة الأراضي التي سيطر عليها الروس. 

وذكرت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين أوكرانيين، أن خطاً ساخناً، خصصه الأوكرانيون للجنود الروس الذين يودون الاستسلام، تلقّى أكثر من 17 ألف استفسار منذ سبتمبر/أيلول الماضي. 

وأشارت إلى أن المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تظهر مجنّدين وهم يطالبون بمزيد من المعدات، بينما تشكو زوجاتهم من سوء تحضيرهم ووضعهم تحت القصف الكثيف في الخطوط الأمامية، رغم الوعود التي أطلقتها موسكو بوضعهم في الصفوف الخلفية.

تحميل المزيد