كشفت مصادر لـ"عربي بوست" تفاصيل عن محاولة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إقالة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان وسط تصاعد الخلافات بينهما، لا سيما بما يتعلق بالموازنة العامة، فما الذي يدور في الكواليس؟
بعد الكثير من المناقشات والاجتماعات، قدمت حكومة محمد شياع السوداني، في نهاية شهر مارس/آذار، قانون الموازنة العامة لعام 2023، ولكن إلى الآن لم تنجح الحكومة في الحصول على تصويت نواب البرلمان على مشروع قانون الموازنة، بل زادت الخلافات والانقسامات حول مسألة إقرارها.
موازنة 3 سنوات
قدمت الحكومة مشروع موازنة لثلاث سنوات، وحددت الإنفاق السنوي بنسبة 199 تريليون دينار عراقي (أي ما يعادل 153 مليار دولار أمريكي)، ونسبة عجز تصل إلى 49.3 تريليون عراقي (49.3 مليار دولار امريكي)، للسنوات الثلاث المقبلة.
لكنّ الكثيرين من داخل البرلمان الذي يُسيطر عليه حلفاء السوداني من الإطار التنسيقي الشيعي، رأوا أن أرقام الإنفاق العام والعجز قياسية مقارنة بمشاريع الموازنات العامة السابقة، كما أن أهم نقطة انتقدها حلفاء السوداني السياسيون، هي مسألة أن تقدم مشروع قانون موازنة عام لثلاث سنوات، وليس لعام واحد فقط كما هو المعتاد.
في هذا الصدد، يقول قيادي من الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "قدم السوداني مشروع قانون موازنة هو الأضخم من حيث أرقام الإنفاق والعجز في تاريخ العراق، وهذا أمر مقلق للغاية، خاصة مع عدم ثبات أسعار النفط، كما أن إصراره على أن تكون الموازنة لمدة 3 سنوات أقلق الإطار التنسيقي بشكل كبير".
يضيف المصدر ذاته في حديثه لـ"عربي بوست": "هناك مخاوف داخل الإطار التنسيقي الشيعي من أن إصرار السوداني على أن تكون الموازنة لمدة 3 سنوات هو رغبة منه في السيطرة على الحكومة وإقصاء شركائه، من أجل تنفيذ خططه غير المعلنة، لو تمت الموافقة البرلمانية على موازنة لمدة 3 سنوات، حينها سيتحرر السوداني من ضغط القوى السياسية المتحالفة معه أو المعارضة له، وسيكون له اليد العليا في تنفيذ سياسات الحكومة بمفرده".
أكد قيادي ثانٍ من الإطار التنسيقي الشيعي المخاوفَ ذاتها، قائلاً لـ"عربي بوست": "الموافقة للسوداني على موازنة 3 سنوات أمر مقلق للغاية، كما أن عدم الموافقة سيُثير الاضطرابات داخل تحالف إدارة الدولة، ويرى قادة الإطار التنسيقي أن منح السوداني موافقة على الموازنة يعني تحرره من ضغط البرلمان، وتنفيذ رغبته في تعديل وزاري دون رغبة الإطار".
جدير بالذكر أن محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، الذي تولى منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بدعم كبير من الإطار التنسيقي الشيعي، دخل في خلافات شديدة مع حلفائه السياسيين من أجل رغبته في إحداث تغيير وزاري لبعض الوزراء المحسوبين على الإطار التنسيقي الشيعي، لكن إلى الآن يرفض الإطار فكرة التغيير الوزاري، ما يزيد من الفجوة بين رئيس الحكومة وحلفائه.
يقول المصدر السياسي الثاني في الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست": "المسألة تعُد أزمة كبيرة للإطار التنسيقي وتهدد استقرار الحكومة، لا يمكن الموافقة على الموازنة لمدة 3 سنوات ولا يمكن الرفض أيضاً وإثارة الخلافات".
كما أكد المصدر ذاته أن "الخلافات ما زالت مستمرة بين السوداني والإطار التنسيقي"، لكنه أشار إلى رغبة الإطار التنسيقي في احتواء الخلاف، قائلاً: "ما زال مشروع الموازنة مطروحاً على طاولة مناقشات البرلمان واللجنة المالية، على أمل الوصول إلى حل وسط قبل نهاية الشهر الجاري مايو/أيار 2023".
من المفترض أن مشروع قانون الموازنة المُقدم من حكومة السوداني يغطي السنوات الثلاث 2023، 2024، 2025، في حين أن العراق لم يقر موازنة العام الماضي 2022، وسط المحاولات المتعثرة لتشكيل الحكومة الجديدة، في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، ما يُزيد الرغبة في الإسراع من الانتهاء من وضع موازنة عامة للبلاد.
تدافع حكومة السوداني عن مشروع قانون موازنة الثلاث سنوات، مؤكدة أنها خطوة كبيرة نحو سنوات من الاستقرار، وفي ذلك الصدد، يقول مسؤول حكومي عراقي مقرب من رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن "مشروع قانون موازنة الثلاث سنوات سيعالج الكثير من المشكلات الاقتصادية للعراق، وسيمنح البلاد الكثير من الاستقرار والأمن، كما أن الحكومة حاولت بأقصى جهدها أن تعالج في مشروع قانون الموازنة الخلافات بين إقليم كردستان والحكومة المركزية".
وأضاف أيضاً أن "العراق مر بمرحلة صعبة، ولم يكن لديه موازنة لمدة عام وأكثر، ما أحدث أزمة في القطاع الخاص وأوقف الإنفاق على مشاريع التنمية وتطوير البنية التحتية، لذلك فإن ضمان موازنة لمدة 3 سنوات، سيعمل على تهدئة هذه الأزمات، بالإضافة إلى أن مشروع الموازنة المُقدم يعالج التحديات والأزمات بين حكومتَي بغداد وأربيل".
كانت الخلافات السابقة بين حكومة إقليم كردستان وحكومة بغداد فيما يخص صادرات النفط الخاصة بالإقليم، أدت إلى حصول حكومة إقليم كردستان على أقل من حصتها المحددة في قانون الموازنة الفيدرالية العامة، ما أدى إلى عجز هائل في موازنة الحكومة الكردية عن دفع رواتب القطاع العام واندلاع الاضطرابات في الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي شبه المستقل.
يقول المسؤول الحكومي المقرب من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إن مشروع قانون موازنة الثلاث سنوات قد عالج هذه الازمة مع حكومة إقليم كردستان، خاصة بعد الاتفاق النفطي المؤقت الأخير بين الجانبين.
يضيف المصدر لـ"عربي بوست" أنه "من ضمن التحديات في الموازنة لحل الأزمة بين بغداد وأربيل، كان التنفيذ الكامل للاتفاق النفطي المؤقت بين الطرفين، ما يضمن توفير رواتب العاملين بالقطاع العام، وتمت معالجة هذه النقطة في مشروع قانون الموازنة المقترح للبرلمان".
على الجانب الآخر، قال مسؤول كردي في وزارة المالية بحكومة إقليم كردستان، لـ"عربي بوست"، إن "المبالغ المخصصة لإقليم كردستان في مشروع قانون موازنة حكومة السوداني، إلى الآن غير مرضية بالنسبة لحكومة أربيل، نأمل في الأيام القادمة وقبل التصويت على مشروع الموازنة أن يتم التوصل إلى حل جيد، خاصة مع الخوف من أن يتم رفض اقتراحات زيادة موازنة الإقليم من بعض الأطراف".
الموازنة و"الورقة السنية"
مشروع قانون موازنة الثلاث سنوات المُقدم من حكومة السوداني لم يُغضب فقط حلفاءه في الإطار التنسيقي الشيعي، لكنه أغضب رئيس البرلمان زعيم تحالف "تقدم" السني في البرلمان، محمد الحلبوسي، بالإضافة إلى العلاقة المتوترة منذ فترة بين الحلبوسي والسوداني، بسبب عدم تنفيذ الأخير الاتفاق السياسي مع الحلبوسي قبل تشكيل الحكومة.
نائب برلماني مقرب من محمد الحلبوسي يقول لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه؛ نظراً لحساسية الموضوع: "يرفض الحلبوسي تمرير مشروع قانون موازنة لثلاث سنوات، ووصف الأمر بأنه موازنة سياسية وليست موازنة لحل أزمات البلاد الاقتصادية، السوداني يريد السيطرة على الحكومة وتقليص دور البرلمان".
على الجانب الآخر، يرى المسؤول الحكومي المقرب من السوداني، أن الحلبوسي يعرقل تمرير مشروع قانون الموازنة، لخلافه السياسي مع السوداني ومطالب بزيادة حصة الأقاليم السنية في الموازنة.
يضيف لـ"عربي بوست" أن "الحلبوسي ليست لديه مشكلة في مسألة أن تكون الموازنة لثلاث سنوات أو عام واحد، وهو فقط يريد أن يضمن الكثير من المكاسب من الموازنة لضمان استمرار شعبيته في المحافظات السنية".
كذلك فشلت الأطراف الشيعية والسنية المختلفة في حل الصراع السياسي بين الحلبوسي والسوداني، وجاءت مسألة موازنة الثلاث سنوات لتزيد الأمور تعقيداً، فيما يخص تمرير مشروع قانون الموازنة.
لكن مصدراً سياسياً من داخل الإطار التنسيقي الشيعي قال لـ"عربي بوست"، إن هناك نية لحل الخلاف حول نصيب المحافظات السنية في مشروع قانون الموازنة لضمان عدم عرقلة الحلبوسي للتصويت على مشروع القانون، تمهيداً لخطوة تالية فيما يخص مستقبل الحلبوسي السياسي.
"إقالة الحلبوسي"
بحسب المصدر السياسي في الإطار التنسيقي الشيعي، فإن هناك رغبة من عدد كبير من قادة الإطار بإقالة محمد الحلبوسي من منصبه رئيساً للبرلمان، بعد التصويت على مشروع قانون الموازنة العامة.
يقول المصدر السابق لـ"عربي بوست"، إن "الحلبوسي زاد من عناده، ولم يرضخ لمحاولات التسوية بينه وبين السوداني، كما أن الفتور الآخذ في التزايد بينه وبين نوري المالكي زاد من رغبة الكثيرين لإقالته من رئاسة البرلمان".
يتابع أن "الحلبوسي لم ينجح في حل هذه الخلافات، يريد الظهور بمظهر منقذ السنة العراقيين بأي ثمن، لذلك هناك آراء جدية وقوية داخل الإطار التنسيقي بضرورة إقالة محمد الحلبوسي من منصبه بمجرد إقرار قانون الموازنة، لكن الأمر لم يحسم بشكل كامل حتى الآن".
في المقابل، قال سياسي سُني مقرب من الحلبوسي، لـ"عربي بوست"، إن الأخير قد "اجتمع برئيس الوزراء السابق، وزعيم ائتلاف دولة القانون، وأحد أهم وأبرز قادة الإطار التنسيقي الشيعي نوري المالكي، في منزل الأخير، في محاولة لتفادي خطوة إقالته من البرلمان، ومحاولات بعض السياسيين السنة المنافسين له لإقصائه من الحياة السياسية".
يقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، إن "المالكي يدعم بعض السياسيين السنة المنافسين للحلبوسي، بغرض الإطاحة بالأخير، وهذا أمر شديد الخطورة لأن الحلبوسي يعرف جيداً مدى قدرة المالكي على فعل هذا الأمر، وهذا ما دفعه إلى محاولة حل الخلاف بينه وبين المالكي".
بحسب مصدر مقرب من نوري المالكي، فإن الأخير يرى أن الحلبوسي قد تجاوز جميع الخطوط الحمراء خاصة بعد دعوته لإنشاء إطار تنسيقي سني على غرار الإطار التنسيقي الشيعي، ومحاولاته للاستقواء بالعشائر السنية، وحشدهم لمقاومة قرارات حكومة السوداني، وهذا ما حرك محاولات لإقالة محمد الحلبوسي.
يقول النائب عن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي والمقرب منه لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "يرى المالكي أن الحلبوسي أصبح شريكاً غير جدير بالثقة، كما أن قادة الإطار التنسيقي يرون أنه إذا تم السماح للحلبوسي بالتمادي في أفعاله، فإنه ليس من المستغرب أن يقود حملة لانفصال المحافظات السنية عن الحكومة المركزية، وهذا أمر غير مرفوض تماماً بالنسبة للإطار".
بحسب المصدر ذاته، فإن التفكير في إقالة محمد الحلبوسي من منصبه ينظر إليه داخل الإطار الشيعي على أنه ضربة قوية له في الانتخابات المحلية المتوقع إجراؤها قريباً، ما يحد من نفوذه المتنامي وغير المنسجم مع شراكته مع الإطار التنسيقي الشيعي.
من ضمن الخطوات الأخرى التي يراها الحلبوسي وأنصاره مُدبرة من الإطار التنسيقي الشيعي للحد من نفوذه، هي انشقاق تحالف "عزم" بقيادة رجل الأعمال السني خميس الخنجر، عن تحالف السيادة، وهو تحالف تم تشكيله بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة، ويضم الحلبوسي والخنجر.
في هذا الصدد، يقول السياسي السني المقرب من الحلبوسي لـ"عربي بوست"، إن "الإطار التنسيقي يسعى إلى تشكيل تحالف سني بقيادة الخنجر وآخرين، ليكون بديلاً عن تحالف الحلبوسي، وسيتم دعمه في الانتخابات المحلية، في محاولة للحد من نفوذ الحلبوسي، وكل هذه الأمور دفعت الحلبوسي لمحاولة حل الخلاف مع المالكي، لكن إلى الآن لم يتوصل إلى حل معه".
بحسب المصادر السياسية من الإطار التنسيقي الشيعي، فإن مسألة إقالة محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان لم يتم حسمها حتى الآن، لكن الخلافات بين الإطار والحلبوسي من جهة، والخلافات بين السوداني والحلبوسي من جهة أخرى، لم يتم التوصل فيها إلى حلول مُرضية لجميع الأطراف.
محاولة السوداني تأجيل خلافه مع حلفائه
على صعيد آخر، فإن الخلاف بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والإطار التنسيقي الشيعي بشأن التغيير الوزاري الذي كنا قد تناولنا في تقرير سابق، يمر بمرحلة تهدئة مؤقتة.
كان الإطار التنسيقي الشيعي يرفض محاولات السوداني لإجراء تعديل وزاري، بينما صمم الأخير على موقفه، لكن مصادر سياسية مقربة من السوداني قالت لـ"عربي بوست"، إنه ينوي تأجيل التغيير الوزاري لفترة من الوقت، في محاولة لاحتواء الخلاف مع الإطار التنسيقي، وحتى تمر عملية التصويت على مشروع قانون الموازنة لثلاث سنوات.
في هذا الصدد، يقول مصدر سياسي مقرب من السوداني لـ"عربي بوست"، إن "السوداني لم يلغِ فكرة التغيير الوزاري بشكل كامل، لكنه قرر تأجيل الأمر بعد لقاء جمعه بنوري المالكي"، تجدر الإشارة إلى أن المالكي من أشد المعارضين لمسألة التعديل الوزاري.
يضيف المصدر ذاته قائلاً: "التأجيل جاء في محاولة من السوداني لتهدئة الخلافات التي تهدد استقرار الحكومة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية، التي ستزيد من الخلافات بالطبع والتوترات، لكن لا نية لدى السوداني في إلغاء التعديل الوزاري بشكل قاطع".
على الجانب الآخر، يقول قيادي في الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست": "أعتقد أن السوداني لم يلغِ الفكرة بشكل كامل، لكن مهمة تغيير بعض المناصب داخل الدولة وإقالة عدد كبير من المديرين المحسوبين على التيار الصدري قد عرقلت قليلاً محاولات التعديل الوزاري".
يشير المصدر أيضاً إلى أن "التغيير الوزاري يتطلب الكثير من الجهد، والموافقة حسب نظام المحاصصة، وهذا أمر مرهق في الوقت الحالي للحكومة التي تسعى للحصول على موافقة البرلمان على مشروع قانون الموازنة".
وكان الإطار التنسيقي الشيعي قد اتهم رئيسَ الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بأن سعيه للتغيير الوزاري جاء نتيجة ضغوط أمريكية لتغيير بعض الوزراء المحسوبين على الفصائل المسلحة الشيعية، وعلى رأسها عصائب أهل الحق، وهذا ما دفع الإطار لرفض محاولات التعديل الوزاري.
لكن المصدر المقرب من السوداني قال لـ"عربي بوست"، إن "هذا الكلام غير صحيح، ولا توجد أي ضغوط أمريكية ولا غيرها من أجل قيام السوداني بتغيير وزاري، وإن السوداني يريد فقط ضمان نجاح حكومته، وضمان استقلاليتها، مع التأكيد على صلاحيات رئيس الوزراء".