قالت صحيفة The Guardian البريطانية في تقرير نشرته الثلاثاء 16 مايو/أيار 2023 إن الحكومة الفرنسية ستدفع تعويضات إلى آلاف من الجزائريين الآخرين وعائلاتهم، الذين احتُجزوا داخل معسكرات اعتقال في فرنسا بعد حرب الاستقلال التي خاضها البلد الواقع في شمال إفريقيا.
أوضحت الصحيفة أن الحكومة استندت في خطوتها إلى تقرير للجنةٍ مستقلةٍ، ووافقت على زيادة عدد الحركيين وأقاربهم، المؤهلين للحصول على تعويضات بسبب إجبارهم على العيش في ظروف معيشية مزرية وقذرة قبل عدة عقود.
باريس تقرر تعويض آلاف الحركيين
في حين سبق أن جُنِّد ما يصل إلى 200 ألف جزائري للقتال بجوار القوات الفرنسية الاستعمارية بوصفهم "قوات مساعدة" في حرب الاستقلال التي استمرت بين عامي 1954 و1962.
من جانبها، تعهدت باريس بالاعتناء بهؤلاء في نهاية الصراع، لكنها تركتهم ليدافعوا عن أنفسهم بعد التوقيع على اتفاقية الاستقلال في 18 مارس/آذار 1962. وكثير من هؤلاء الأشخاص العالقين في الجزائر وُصموا بالخيانة وذُبحوا انتقاماً منهم لدعمهم المستعمرين السابقين في البلاد.
كذلك فقد احتُجز ما يصل إلى 42 ألف شخص من الحركيين، ونفس العدد تقريباً من أقاربهم، الذين فروا إلى فرنسا داخل معسكرات؛ مما أدى إلى وفاة عشرات الأطفال بين عامي 1962 و1975.
تعنت فرنسي في دعم الجزائريين الحركيين
رفضت الحكومة الفرنسية في البداية الاعتراف بحقهم في الإقامة، وأجبرتهم على البقاء في معسكرات مزرية.
فيما احتفلت فرنسا باليوم الوطني الفرنسي لتكريم الحركيين في 2001، ولكن لم يُعترف رسمياً بدور الدولة في التخلي عنهم، قبل أن يتخذ هذه الخطوة الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند في عام 2016.
قال هولاند في ذلك الوقت: "أُقرُّ بمسؤولية الحكومات الفرنسية في التخلي عن الحركيين، والمذابح التي تعرض لها من ظلوا في الجزائر، والظروف غير الإنسانية التي عاش فيها هؤلاء الذين نُقلوا إلى المعسكرات في فرنسا".
أما في عام 2021، فقد طلب الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون "العفو" نيابة عن فرنسا لتخليها عن الحركيين وعائلاتهم، وتركهم ليلاقوا مصيرهم بعد الاستقلال.
كذلك وفي فبراير/شباط 2022، اعترفت الحكومة الفرنسية بمسؤولية البلاد في "ظروف المعيشة والاستضافة المُهينة على أراضيها" و"الإقصاء والمعاناة والصدمات الدائمة" التي نتجت عن ذلك. ومررت فرنسا قانوناً تدفع بموجبه تعويضات إلى الأشخاص الذين عاشوا في 89 معسكر اعتقال، تبلغ 3000 يورو (حوالي 3263 دولاراً) لمن عاشوا سنة داخل هذه المعسكرات، بالإضافة إلى 1000 يورو إضافية (1088 دولاراً) عن كل سنة أخرى.
تعويضات للجزائريين الحركيين
في ذلك الوقت، أشارت التقديرات إلى أن حوالي 5000 من الحركيين كانوا مؤهلين للحصول على تعويضات إجمالية قدرها 310 ملايين يورو (حوالي 337 مليون دولار).
لكن تقريراً صدر عن اللجنة الوطنية المستقلة للاعتراف والتعويض عن التحيزات التي عانى منها الحركيون (CNIH)، حددت 45 موقعاً جديداً، تضمنت "معسكرات جيش، وعشوائيات، وأكواخ النقل العابر (الترانزيت)"، حيث أُجبر ما يصل إلى 14000 شخص من الحركيين وعائلاتهم على العيش فيها.
جاء قرار توسيع نطاق إمكانية حصول الحركيين وأقاربهم على تعويضات، بعد تقديم تقرير لجنة CNIH إلى رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، مساء الاثنين 15 مايو/أيار 2023.
من جانبها، قالت باتريسيا ميراليس، وزيرة الدولة لشؤون الذاكرة والمحاربين القدامى، إن القرار سيساعد في "التعويض عن مظالم جديدة، بما في ذلك المناطق التي لم يُعترف فيها حتى الآن بمعاناة الحركيين الذين يعيشون فيها".
جدير بالذكر أن السلوك الذي انتهجته فرنسا خلال حرب استقلال الجزائر وبعدها، ليس إلا تركة واحدة من تركات الاستعمار الفرنسي الذي لا يزال لم يُحل. يتضمن هذا التجارب النووية في منطقة بولينزيا الفرنسية، ودورها في الإبادة الجماعية في رواندا.