بعد رحلة طويلة في طرقات السياسة التركية وكواليسها، تواجه ميرال أكشنار رئيسة حزب الجيد، وأول امرأة في تركيا تتولى منصب وزير الداخلية في البلاد، انتقادات شديدة داخل أروقة حزبها، بسبب النتائج الانتخابية للحزب في انتخابات البرلمان الحالية.
فقد حصل الحزب على نسبة 9.7% من أصوات الناخبين الأتراك، لينخفض تمثيله البرلماني بمجلس الأمة التركي في دورته الثامنة والعشرين، إلى 43 نائباً بدلاً من 44 نائباً في انتخابات عام 2018 والدورة السابعة والعشرين للبرلمان التركي.
وفاقم خسارة حزب الجيد بزعامة أكشنار، أنها جاءت رغم مشاركته في تحالف الطاولة السداسية ودخوله في قائمة انتخابية مشتركة في 16 ولاية تركية، فيما كانت نسبته في انتخابات 2018 أفضل من النتائج الحالية رغم مشاركته فيها بعيداً عن أي تحالفات انتخابية.
وقبل يوم الاقتراع أعلنت أكشنار أن حزبها سيحصل على نسبة 20% من أصوات الناخبين الأتراك، وطالبت خلال تجمعاتها كافة الناخبين بالتصويت لـ"الحزب الجيد"؛ حتى تتمكن الطاولة السداسية من تغيير نظام الحكم الرئاسي في البلاد إلى النظام البرلماني.
كما طالبت أكشنار خلال الحملة الانتخابية لحزبها بضرورة أن تكون هي رئيسة الوزراء في النظام الجديد، مشيرة إلى أنها قامت بكل المهام في حياتها، ويبقى أمامها تولي منصب رئيسة الوزراء في تركيا بعد العودة إلى النظام البرلماني.
الاستقالات لا تتوقف
ومع الساعات الأولى لظهور نتائج الانتخابات البرلمانية، بدأت الاستقالات تضرب حزب الجيد، وكان على رأس المستقيلين مسؤول السياسات الاقتصادية في الحزب أوزجان قاضي أوغلو، الذي قدمته أكشنار خلال الحملة الانتخابية، على أنه سيكون المشرف على ملف الاقتصاد إلى جانب مرشح تحالف الأمة المعارض كمال كليجدار أوغلو في حال فوزه بالانتخابات.
وصرح أوزجان بأنه قرر تأجيل تقديم استقالته إلى ما بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية، وإعلان النتائج، التي قال عنها إنها كانت متوقعة في ظل الأداء السيئ للحزب خلال الفترة الماضية، خاصة خلال الحملة الانتخابية.
وكان أيتون تشيراي، كبير مستشاري رئيسة الحزب والبرلماني السابق عن الحزب في مدينة إزمير، قرر عدم الترشح في الانتخابات البرلمانية الحالية، بسبب خوفه من عدم تجاوز الحزب للعتبة الانتخابية لدخول البرلمان المقدرة بـ7%، مضيفاً في تغريدة عبر حسابه في تويتر، أن الأداء السيئ للحزب وقياداته هو سبب اتخاذه تلك الخطوة.
الخامس "الجيد"
وترى الكاتبة التركية نرجس دميركايا أن أكثر الخاسرين في هذه الانتخابات هو "الحزب الجيد"، الذي بات في المرتبة الخامسة بين الأحزاب التركية داخل البرلمان التركي رغم أن استطلاعات الرأي كانت ترشحه للحفاظ على حصته الانتخابية على الأقل إن لم يستطع زيادتها.
وتضيف دميركايا في حديثها إلى "عربي بوست"، أن الحزب خسر بشكل قد يفقده كثيراً من أنصاره في حال تزايد أعداد المستقيلين من قياداته خلال الفترة القادمة مثلما حدث مع مسؤول السياسات الاقتصادية في الحزب أوزجان قاضي أوغلو.
وترى الكاتبة التركية أن خسارة "الحزب الجيد" جاءت بكثير من الفائدة على حزب الحركة القومية الذي انفصلت عنه أكشنار عام 2015 قبل أن تؤسس حزب الجيد القومي في عام 2017 ويحقق مفاجأة في انتخابات 2018.
وتتابع دميركايا أنّ تحالف حزب الجيد مع تحالف الطاولة السداسية لم يأت عليه بمنافع سياسية بعد انسحاب العديد من أنصار الحزب إلى منافسه القومي "الحركة القومية"، الذي زاد من حصته الانتخابية على حساب حزب أكشنار.
مفاجأة "الحركة القومية"
وتضيف دميركايا في حديثها لـ"عربي بوست"، أن حزب الحركة القومية كان صاحب المفاجأة الحقيقية في تحالف "الشعب" الحاكم، ففي حين أن استطلاعات الرأي توقعت أن حصة الحزب في الانتخابات ستكون بين 5 و8% زاد "الحركة القومية" عدد أعضائه في البرلمان إلى 51 نائباً.
وتتابع الكاتبة التركية أنه رغم القائمة المشتركة بين تحالف أحزاب الطاولة السداسية ودخولهم في قائمة انتخابية مشتركة على قوائم حزب الشعب الجمهوري بما مجموعه 76 مرشحاً من أحزاب الجيد والمستقبل والسعادة والديمقراطية والتقدم والحزب الديمقراطي؛ فإن هذا لم يشفع لـ"الحزب الجيد" بالحفاظ على مكاسبه البرلمانية السابقة على الأقل في البرلمان القادم.
"الجيد" لم يعد جيداً
من جانبه يرى الكاتب التركي عبد القادر سيلفي أنّ تراجع حزب الجيد عن نسبته الانتخابية المعتادة سببه الخلافات التي وقعت بين قادة الطاولة السداسية، بعد الخلاف على ترشح كمال كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية عن تحالف المعارضة.
وأضاف سيلفي في مقاله بصحيفة حرييت التركية، أنه لولا التعديلات الدستورية التي كانت تعارضها زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار عام 2022 بخفض العتبة الانتخابية إلى 7%، ما كان حزبها سيتمكن من دخول البرلمان.
وبحسب الكاتب التركي، فإن انسحاب المرشح الرئاسي وزعيم حزب البلد محرم إنجه من السباق الرئاسي هو ما أنقذ ما تبقى من "الحزب الجيد"، مشدداً على أنه لولا التعديلات الدستورية التي تمت في أبريل/نيسان 2022 وانسحاب إنجه، كان من الممكن ألا نرى حزب الجيد في البرلمان القادم.