تسارع الحكومات الأجنبية لإجلاء رعاياها من السودان، إثر الاشتباكات العنيفة المستمرة منذ أكثر من أسبوع، لكن السودانيين الذين لا يملكون مكاناً آخر للفرار إليه يقولون إنهم يشعرون بأنهم تُركوا بمفردهم، ويخشون أن يؤدي إجلاء الأجانب إلى احتدام القتال وإراقة المزيد من الدماء في البلاد.
ودفع القتال الدامي بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية عدداً من الحكومات إلى إجلاء مواطنيها جواً وبحراً وبراً، لكن مع إغلاق السفارات أبوابها ومغادرة الدبلوماسيين وموظفي الأمم المتحدة في طائرات وحافلات خاصة، يقول العديد من السودانيين إنهم تُركوا بمفردهم ليدبروا أمورهم بأنفسهم.
"لماذا يتخلى عنا العالم وقت الحرب؟
بدورها، تساءلت سمية ياسين (27 عاماً) في مكالمة هاتفية من الخرطوم: "لماذا يتخلى عنا العالم وقت الحرب؟"، متهمة القوى الأجنبية بأنها "لا تكترث إلا لمصالحها".
في العاصمة الخرطوم، قال رجل عرف نفسه باسم "أحمد" إن المدنيين قد يدفعون ثمناً باهظاً في بلد يبلغ عدد سكانه 46 مليوناً ويمتلك تاريخاً طويلاً من الحروب الأهلية الدموية.
وقال أمس الإثنين، 24 أبريل/نيسان، بينما كان يقف أمام أشخاص يستقلون حافلة تغادر الخرطوم: "يخشى الشعب السوداني من احتمال وجود ممارسات غير أخلاقية في الحرب ضد المدنيين واستخدام المدنيين كدروع بشرية"، وفق رويترز، مضيفاً: "هذه مخاوفنا بعد إجلاء الأجانب".
وأدى الصراع على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مقتل المئات منذ 15 أبريل/نيسان الحالي، وتحويل مناطق سكنية إلى ساحات حرب.
ومساء الإثنين، توسطت الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة بين الفصيلين المتناحرين. فيما قالت ألمانيا وفرنسا، الثلاثاء، إن كلاً منهما أجلت أكثر من 500 من الأجانب، بينما بدأت بريطانيا عملية كبيرة لإجلاء مواطنيها.
وامتدت موجة العنف إلى الأجانب أنفسهم؛ إذ تعرضت بعض السفارات لهجمات وجرى إطلاق النار على موكب دبلوماسي أمريكي، وأُصيب جندي فرنسي خلال مهمة إجلاء، وقُتل مساعد الملحق الإداري في السفارة المصرية بالخرطوم، بينما كان يقود سيارته في طريقه إلى السفارة.
معاناة متفاقمة
وتدفق عشرات الآلاف من السودان إلى مصر وتشاد وجنوب السودان، لكن بالنسبة للأشخاص العاديين، فإن تكلفة خروجهم من البلاد ستكون باهظة.
في السياق، قال رجل في الخرطوم عرف نفسه باسم "كرم" بينما كان ينتظر بالقرب من محطة للحافلات إن أجرة الحافلة إلى مصر ارتفعت ستة أمثال تقريباً إلى نحو 340 دولاراً، مضيفاً: "الأجرة تتغير كل يوم وتزيد".
وأشارت الأمم المتحدة إلى وجود نقص حاد في الغذاء والمياه النظيفة والأدوية والوقود.
كما تضررت معظم المستشفيات أو أُغلقت بسبب القتال الذي أجبر الناس على البقاء في منازلهم وأدى إلى انتشار أعمال النهب. في حين أُنشئت مجموعات ومواقع إلكترونية وتطبيقات لتوفير المساعدة الطبية والإمدادات الأساسية.
ولقي خمسة من عمال الإغاثة حتفهم على الأقل منذ بدء القتال، وعلقت المنظمة الدولية للهجرة وبرنامج الأغذية العالمي عملهما بعد سقوط موظفين لهما في السودان، مما يمثل ضربة لثلث السودانيين الذين كانوا يعتمدون على المساعدات قبل بدء القتال.
ووصل، الإثنين، مئات الدبلوماسيين وعمال الإغاثة إلى بورتسودان على البحر الأحمر بعد رحلة برية استغرقت 35 ساعة من الخرطوم.
فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنه سمح بنقل بعض موظفي المنظمة الدولية من أماكنهم مؤقتاً، وكتب على تويتر يقول: "دعني أكُن واضحاً: الأمم المتحدة لن تترك (السودان). سنواصل القيام بعملنا داخل البلاد وخارجها".