أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جدلاً، بعدما أجبر قصر الإليزيه الرئاسي، موقع مجلة "بوليتيكو" الأمريكية على حذف تصريحات أدلى بها ماكرون للمجلة حول تايوان، و"الاستقلال الأوروبي" عن أمريكا، وذلك بعدما أثارت تصريحاته غضباً، وعرضته لانتقادات واسعة في أوروبا.
كان ماكرون قد أدلى بالتصريحات التي أثارت غضباً في مقابلة على متن طائرته بعد زيارة دولة للصين استمرت 3 أيام، وتحدث الرئيس الفرنسي لموقع مجلة "بوليتيكو"، وصحيفة Les Echos الفرنسية.
وفقاً لمجلة "بوليتيكو" فإن قصر الإليزيه فحص تصريحات ماكرون قبل النشر، والذي كان شرطاً للموافقة على إجراء المقابلة، وأصر قصر الرئاسة الفرنسي على إزالة السطور التي تحدث فيها ماكرون "بمزيد من الصراحة" عن تايوان والاستقلال الاستراتيجي لأوروبا.
نُشرت تصريحات ماكرون يوم الأحد، 9 أبريل/نيسان 2023، وقال فيها إنَّ أوروبا يجب أن تكون القوة الثالثة في النظام العالمي، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة والصين، ورأى أن أوروبا ليس لديها مصلحة في زيادة حدة الأزمة بشأن تايوان، وأنها يجب أن تنتهج استراتيجية مستقلة عن كل من واشنطن وبكين.
كذلك رأى ماكرون أن على أوروبا ألا تسرّع وتيرة هذا الصراع، بل أن تأخذ الوقت الكافي لبناء موقعها كقطب ثالث بين الصين والولايات المتحدة، ونقلت "بوليتيكو" عنه قوله: "أسوأ شيء هو الاعتقاد بأننا، نحن الأوروبيين، يجب أن نصبح أتباعاً في هذه المسألة، وأن نتكيف مع الإيقاع الأمريكي أو رد الفعل الصيني المبالغ فيه".
كما نقلت "بوليتيكو" والصحيفة الفرنسية عن ماكرون قوله إنه يتعين على أوروبا تمويل قطاعها الدفاعي بشكل أفضل، وتطوير الطاقة النووية والمتجددة وتقليل الاعتماد على الدولار للحد من اتكالها على الولايات المتحدة.
وضعت "بوليتيكو" أسفل تصريحات ماكرون ملاحظة، أشارت فيها إلى أن قصر الإليزيه كان قد طلب أن يتم فحص وتدقيق ما قاله ماكرون، وأكدت المجلة الأمريكية أن الإليزيه حذف بعض أجزاء المقابلة التي تحدث فيها ماكرون عن تايون والاستقلال الاستراتيجي لأوروبا.
إميلي روهالا، مديرة مكتب بروكسل في صحيفة "واشنطن بوست"، قالت إنها تشعر بالفضول الشديد لمعرفة ما قاله الرئيس الفرنسي عن تايوان، والذي قرر فريقه إزالته من التصريحات.
وواجه ماكرون انتقادات أوروبية وأمريكية بسبب تصريحاته، وقال نوربرت روتجين، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الألماني، إن ماكرون "استطاع تحويل زيارته للصين إلى انقلاب في العلاقات العامة لصالح شي (رئيس الصين)، وإلى كارثة في السياسة الخارجية بالنسبة لأوروبا"، معتبراً أن ماكرون "يعزل نفسه بشكل متزايد في أوروبا".
بدورها، نقلت صحيفة The Guardian عن أحد أعضاء البرلمان الأوروبي- لم تذكر اسمه- قوله إن ماكرون لم يتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، وأضاف: "ماكرون يقول: يجب على أوروبا، ونحن الأوروبيين، لكنه يتحدث باسم فرنسا، ولا يمكنه حقاً التحدث باسم أوروبا".
من جانبه، وفي منشور حول مقابلة "بوليتيكو" كتب السيناتور الجمهوري الأمريكي، ماركو روبيو، أنَّ ماكرون قال أشياء "أسوأ" قبل تعديلات الإليزيه.
بدوره، اعتبر إيفو دالدر، سفير أمريكا السابق لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن تصريحات ماكرون تصب في مصلحة الرئيس الصيني شي جين بينغ، "وهو فصل أوروبا عن الولايات المتحدة، وبالتالي تقويض أكبر ميزة لواشنطن، وهي تحالفاتها وشركاتها في جميع أنحاء العالم"، بحسب ما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال".
عقب ردود الأفعال، قال باسكال كونفافرو، المتحدث باسم السفارة الفرنسية في الولايات المتحدة، إن تعليقات ماكرون فُسرت بشكل مبالغ فيه، وكتب على تويتر "الولايات المتحدة حليفتنا التي نتشارك معها قيمنا".
يُعيد هذا الخلاف إلى الأذهان الخلافات السابقة، عندما أعلن ماكرون في عام 2019 أنَّ حلف الناتو يعاني من "موت دماغي"، أو عندما أثار غضب حلفاء أوروبا الوسطى والشرقية، العام الماضي، بقوله إنَّ روسيا ستحتاج إلى ضمانات أمنية عندما يحين الوقت للتفاوض على تسوية سلمية مع أوكرانيا.