تمضي ألمانيا نحو التخلص بشكل نهائي من الطاقة النووية، يوم السبت المقبل 15 أبريل/نيسان 2023، إذ ستوقف آخر 3 مفاعلات في البلاد، معوّلة بذلك على إنجاح انتقالها البيئي من دون الاعتماد على الطاقة الذرية، وذلك تنفيذاً لخطة بدأت سلطات البلاد في تنفيذها منذ 12 عاماً.
على ضفاف نهر نيكار، وعلى مقربة من مدينة شتوتغارت في جنوب ألمانيا، سيصبح البخار الأبيض المنبعث من محطة بادن فورتمبيرغ للطاقة النووية قريباً مجرد ذكرى، والأمر نفسه سيسري على مجمعي "إيسار 2" بمنطقة بافاريا شرق البلاد، وإيمسلاند شمالاً، في الطرف الآخر من ألمانيا، قرب الحدود الهولندية.
تنفّذ ألمانيا قرار التخلص التدريجي من الطاقة النووية المتخذ عام 2002، والذي سرّعته المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل في عام 2011، بعد كارثة فوكوشيما في اليابان، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
ميركل قالت حينها إن كارثة فوكوشيما أظهرت أنه "حتى في بلد عالي التقنية مثل اليابان، لا يمكن السيطرة على المخاطر المرتبطة بالطاقة النووية بنسبة 100%".
أقنع هذا الإعلان الرأي العام في بلد تأججت فيه حركة قوية مناهضة للطاقة النووية في بادئ الأمر بفعل مخاوف من صراع مرتبط بالحرب الباردة، ثم إثر حوادث مثل التسرب النووي في محطة "تشيرنوبيل" بأوكرانيا.
وقبل أشهر قليلة من الموعد المبدئي لإغلاق المفاعلات الثلاثة الأخيرة، بدأت رياح الرأي العام تتحول، وقال يوشين وينكلر، رئيس بلدية نيكارفيستهايم، حيث تعيش محطة الطاقة التي تحمل الاسم نفسه ساعاتها الأخيرة، إنه "مع ارتفاع أسعار الطاقة، وموضوع المناخ المشتعل، علت بطبيعة الحال أصوات للمطالبة بتمديد عمل المحطات".
قررت حكومة أولاف شولتز التي ينضوي فيها حزب الخضر، الأكثر عداءً للطاقة النووية، تمديد تشغيل المفاعلات لتأمين الإمدادات حتى 15 نيسان/أبريل 2023.
يقول وينكلر: "ربما كان ليتجدد النقاش فيما لو شهدنا شتاء أكثر صعوبة، أو في حال حصل انقطاع في التيار الكهربائي ونقص في الغاز. لكن الشتاء الذي مرّ علينا لم تتخلله مشكلات كثيرة"، بفضل الاستيراد الهائل للغاز الطبيعي المسال.
وبالنسبة لرئيس بلدية البلدة التي يبلغ عدد سكانها 4000 نسمة، يعمل أكثر من 150 منهم في محطة توليد الكهرباء، وقال إن "العجلة بدأت بالدوران" ولم يعد هناك وقت "للرجوع إلى الوراء".
كانت ألمانيا قد أغلقت 16 مفاعلاً منذ عام 2003، ووفرت المحطات الثلاث الأخيرة 6% من الطاقة المنتجة في البلاد العام الماضي، بعدما أمّنت الطاقة النووية 30,8% من إجمالي كميات الطاقة في البلاد عام 1997.
في الوقت نفسه، بلغت حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج التوليد 46% في عام 2022، مقارنة بأقل من 25% قبل عشر سنوات.
5 توربينات رياح في اليوم
مع ذلك، فإن وتيرة التقدم الحالية في مصادر الطاقة المتجددة لا ترضي الحكومة ولا الناشطين البيئيين، إذ لن تحقق ألمانيا أهدافها المناخية من دون جهود إضافية قوية.
يقول يورغ زاكمان، المتخصص في قضايا الطاقة في مركز بروغل للبحوث في بروكسل، إن هذه الأهداف "طموحة أصلاً حتى من دون التخلص التدريجي من الطاقة النووية، وفي كل مرة نحرم فيها أنفسنا من خيار تقني، نجعل الأمور أكثر صعوبة".
لا يزال الفحم يمثل ثلث إنتاج الكهرباء في ألمانيا، بزيادة قدرها 8% العام الماضي لتعويض غياب الغاز الروسي، وأكد أولاف شولتز ضرورة تركيب ألمانيا "4 إلى 5 توربينات رياح كل يوم" خلال السنوات القليلة المقبلة لتغطية احتياجاتها. وتُعدّ هذه الأرقام مرتفعة مقارنة بنصب 551 توربينة عام 2022.
من شأن سلسلة تخفيفات في القيود التنظيمية اعتُمدت في الأشهر الأخيرة، أن تتيح تسريع الوتيرة، و"تستغرق عملية التخطيط والموافقة على مشروع طاقة الرياح ما بين 4 و5 سنوات في المتوسط"، بحسب اتحاد القطاع (BWE) الذي يرى أن تسريع الوتيرة بعام أو عامين يشكل "تقدماً كبيراً" بالفعل.