قالت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، في تقرير نشرته الجمعة 7 أبريل/نيسان 2023، وفقاً لمسؤولين من مصر والخليج، إن كلاً من السعودية ودول الخليج وجّهت تحذيراً إلى مصر بأن خطط الإنقاذ المالي المرتقبة سوف تعتمد على خفض القاهرة لعملتها، وتعيين مسؤولين جدد لإدارة اقتصادها، لترفع دول الخليج بذلك سقف مطالبها من جارتها المتعثرة، بعد سنوات من تقديم المساعدات المُيسّرة.
إذ قدمت دول الخليج عشرات المليارات من الدولارات إلى مصر منذ استيلاء الرئيس عبد الفتاح السيسي على السلطة عام 2013، وذلك في صورة مساعدات وودائع مباشرة لدعم حليفٍ يُعَدُّ شريكاً أساسياً في أمن المنطقة. لهذا لجأ السيسي إلى أكبر رعاة مصر مرةً أخرى؛ حيث انطلق في رحلةٍ مفاجئة لزيارة السعودية يوم الأحد 2 أبريل/نيسان، من أجل تعبئة دعمٍ مالي أكبر للقاهرة، بحسب المصادر المطلعة.
زيارة السيسي للسعودية لم تحقق نتائجها
ربما نشر السيسي تغريدةً حول لقائه بالحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد محمد بن سلمان، لكن زيارته لم تسفر عن أي وعود تمويل فورية من السعودية، بحسب المصادر التي تحدثت لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
حيث يرغب جميع جيران مصر الأثرياء في الحصول على عائدات أفضل مقابل أموالهم اليوم، بالتزامن مع تركيزهم على إعادة هيكلة اقتصاداتهم المعتمدة على النفط، وفقاً لمسؤولين من مصر والخليج؛ حيث قال المسؤولون إن خفض قيمة الجنيه المصري قد احتل رأس قائمة مطالب الخليج، بهدف جعل الاستثمارات الخليجية في مصر أكثر ربحية. كما طلبت الدول الخليجية أن يقلل الجيش المصري تدخله في الاقتصاد، مع ترك مساحةٍ أكبر للقطاع الخاص. ومن المتوقع أن هذه الخطوة ستسمح لدول الخليج بالاستحواذ على حصص في قطاعات النمو المصري بنهاية المطاف.
قيادات جديدة لإدارة الاقتصاد المصري
تريد الدول الخليجية تعيين قيادات أكثر فاعلية لإدارة الشؤون المالية المصرية، بحسب المسؤولين، بعد سنوات من المخاوف المتعلقة بسوء الإدارة والفساد.
في المقابل، لم تتحرك القاهرة فعلياً لتلبية مطالب الخليج حتى الآن؛ إذ يتوقع المحللون أن تخفض القاهرة قيمة عملتها بشكلٍ حاد قريباً، في موجة الخفض الرابعة التي يقرها البنك المركزي المصري بعد هجوم روسيا على أوكرانيا العام الماضي.
يُذكر أن الفضل في صمود الاقتصاد المصري يرجع إلى صندوق النقد الدولي جزئياً؛ إذ وافق الصندوق العام الماضي على إقراض مصر 3 مليارات دولار، وذلك على مدار الأربع سنوات المقبلة. لكن صفقة الإنقاذ لن تكون كافيةً لسد فجوة التمويل التي ستواجهها مصر في السنوات المقبلة، بالتزامن مع محاولتها رد ديون بعشرات المليارات من الدولارات، وفقاً لخبراء الاقتصاد.
تمويل لمصر من دول الخليج
من جانبه، قال صندوق النقد الدولي إنه يتوقع حصول مصر على تمويل إضافي بقيمة 14 مليار دولار من الخليج والدول الأخرى، وذلك خلال الأربع سنوات المقبلة.
من أجل تلبية الاحتياجات المالية الفورية للبلاد، كلّف قادة مصر صندوق الثروة السيادية أن يجمع 2.5 مليار دولار بحلول يونيو/حزيران. وسيأتي جزء من المبلغ عبر حملة الخصخصة التي أطلقتها السلطات المصرية مؤخراً، بهدف بيع حصص في 32 شركة تديرها الحكومة، رغم أن البرنامج لن ينطلق قبل مطلع 2024، حسب التوقعات.
بينما قال أيمن سليمان، رئيس صندوق مصر السيادي، خلال مقابلةٍ أجراها، إن "الهدف قابل للتحقيق". لكنه أردف أن المستثمرين المحتملين لديهم بعض المخاوف حيال الاقتصاد أيضاً، بما في ذلك مسار أسعار الفائدة والجنيه المصري. وأوضح أن عقلية المستثمرين هي عقلية "تجارية بحتة تُركِّز على القيمة السوقية، والعائدات، والحوكمة".
تعطل المفاوضات مع الصناديق السيادية الخليجية
فيما قال تقرير صحيفة Wall Street Journal الأمريكية إن المفاوضات مع صناديق الثروة السيادية والشركات الخليجية لبيع مختلف الأصول الحكومية تعطّلت، وفقاً للمصادر المطلعة على المداولات، ولم يجر توقيع أي صفقات حتى الآن. إذ ترى تلك الكيانات أن الجنيه المصري لا يزال مقوماً بأعلى من قيمته، حسب المصادر، على الرغم من انخفاض قيمة العملة بأكثر من 40% مقابل الدولار الأمريكي خلال العام الماضي.
في حين تتفق دول الخليج في الرأي مع صندوق النقد الدولي، حيث ترى أن مصر بحاجةٍ لتحجيم إنفاقها النقدي وتقليص دور الجيش في الاقتصاد، وفقاً للمصادر المطلعة. يُذكر أن القوات المسلحة تولّت مئات مشروعات البنية التحتية خلال العقد الماضي، وتوسّعت في قطاعات تمتد من المرطبات وصولاً إلى الأسمنت.
ودائع بالمليارات لمصر
بينما قالت كارين إي يونغ، باحثة الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط بمركز أبحاث American Enterprise Institute، إن دول الخليج قدمت لمصر 97 مليار دولار إجمالاً بين عامي 2013 و2020. وجاء المبلغ في صورة ودائع بالبنك المركزي، واستثمارات مباشرة، وغيرها من أشكال المساعدات المالية. واحتلت السعودية رأس القائمة بتقديمها أكثر من 46 مليار دولار.
عندما بدأت تظهر أضرار الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد المصري مطلع 2022، أودعت بعض دول الخليج 13 مليار دولار في البنك المركزي المصري؛ مما ساعد السلطات المصرية في دعم احتياطياتها من العملات الأجنبية. وتضمنت تلك المساعدات 5 مليارات دولار قدمتها السعودية في مارس/آذار الماضي، وفق ما قالت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
لكن إحباط دول الخليج زاد أكثر على مدار العام الماضي، بالتزامن مع دراسة صندوق النقد الدولي لشروط حزمة الإنقاذ؛ حيث رفضت الإمارات تأدية دور الضامن بتحويل نسبةٍ من قيمة القرض الإجمالية إلى مصر، وذلك في صورة وديعةٍ بالبنك المركزي المصري وفقاً للمسؤولين المطلعين على المحادثات؛ مما دفع القاهرة إلى اللجوء للسعودية والكويت، لكنهما رفضتا المساعدة أيضاً، بحسب المسؤولين.