أعلن زعيم "الائتلاف الوطني" الفنلندي بيتري أوربو (يمين وسط) عن فوز حزبه في الانتخابات التشريعية التي جرت، الأحد 2 أبريل/نيسان 2023، ليخلف بذلك رئيسة الوزراء المنتهية ولايتها الاجتماعية الديمقراطية سانا مارين التي أقرّت بالهزيمة.
على وقع تصفيق أنصاره، قال الوزير السابق البالغ من العمر 53 عاماً: "هذا نصر عظيم". مضيفاً: "سنبدأ المفاوضات لتشكيل حكومة في فنلندا". وذلك وفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس، الأحد 2 أبريل/نيسان 2023.
سانا مارين تواجه أزمة المخدرات
كانت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين، قد واجهت أزمة يوم الإثنين 22 أغسطس/آب 2022، بعد تسريب لقطات لها من منزلها وهي ترقص، ما أثار انتقادات لاذعة، ووجهت المعارضة لها انتقادات شديدة، واتهمتها بأنها تتعاطى المخدرات؛ ما دفعها إلى إجراء اختبار المخدرات، والذي كشفت التحاليل أن نتيجته كانت "سلبية".
بعدها قالت مارين إنها أجرت اختباراً للمخدرات، إثر انتشار مقطع الفيديو المذكور، ولفتت في مؤتمر صحفي آنذاك، إلى أن "النتائج ستظهر في غضون أسبوع". وأكدت أصغر رئيسة وزراء في العالم أنها لم تتعاطَ المخدرات "قط في حياتها"، مضيفةً أن قدرتها على أداء واجباتها لم تتأثر في أثناء تلك الليلة، وأنها كانت ستغادر الحفل لو طُلب منها العمل.
رئيسة وزراء فنلندا تقر بالهزيمة
في خطاب أمام أنصارها، قالت مارين (37 عاماً) التي ستفقد قريباً منصبها: "مبروك للفائز بالانتخابات، مبروك للائتلاف الوطني، مبروك لحزب الفنلنديين، الديمقراطية قالت كلمتها".
كانت تقديرات لوسائل الإعلام، أفادت بتصدّر حزب يمين الوسط للنتائج متقدماً بفارق ضئيل على الحزب اليميني المتطرف، فيما حلّ ثالثاً الحزب الاجتماعي-الديمقراطي بزعامة رئيسة الوزراء التي ستخسر منصبها.
قالت هيئة الإذاعة والتلفزيون العامة "إيل" إن تقديراتها، والتي غالباً ما تكون قريبة جداً من النتائج النهائية، تشير إلى أن حزب الائتلاف الوطني بزعامة بيتري أوربو سيحصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان المقبل (48 مقعداً)، متقدماً على "حزب الفنلنديين" اليميني المتطرف المناهض للهجرة (46 مقعداً)، في حين سيحصل الحزب الاجتماعي الديمقراطي على 43 مقعداً.
الفارق ضئيل بين الأحزاب
جاءت هذه التقديرات بعدما أظهرت نتائج أولية جزئية أن الفارق ضئيل للغاية بين الأحزاب الثلاثة. فوفق نتائج فرز الأصوات التي اقترع أصحابها مسبقاً، والتي تمثل 40% من إجمالي المقترعين، فإن حزب رئيسة الوزراء حاز 20.7% من الأصوات، متخلفاً بعُشر نقطة مئوية فقط عن حزب الائتلاف الوطني (يمين وسط) بزعامة بيتري أوربو والذي تصدّر النتائج بحصوله على 20.8% من الأصوات. أما حزب "الفنلنديين" اليميني المتطرّف المناهض للمهاجرين والذي تتزعمه ريكا بورا (45 عاماً) فقد حصل على 18.6% من الأصوات في الاقتراع المبكر.
وفق العُرف السائد في فنلندا منذ 1987 فإن الحزب الذي يتصدر الانتخابات التشريعية هو الذي يحصل على منصب رئيس الوزراء، شرط أن يكون قادراً على تشكيل ائتلاف يحظى بالأغلبية في البرلمان.
لدى وصولها إلى مقر البرلمان لمتابعة عملية فرز الأصوات، قالت مارين (37 عاماً) التي تتمتع بشعبية داخل البلاد وخارجها: "أنا ممتنة جداً لجميع الأصوات التي تم فرزها حتى الآن، وآمل أن تكون الأصوات التي تم الإدلاء بها في يوم الانتخابات كثيرة أيضاً".
في المقابل، قال أوربو فور صدور هذه النتائج الأولية: "فلننتظر، لكنها بداية جيدة، بداية جيدة جداً".
معركة انتخابية شرسة
أما اليمينية المتطرّفة ريكي بورا، زعيمة حزب الفنلنديين، فقالت إن "التشويق سيستمر طويلاً. في 2019، كان أداؤنا (لجهة الأصوات التي تم الاقتراع بها نهار الانتخابات) أفضل مما كان عليه في الاقتراع المبكر".
هذه المعركة الشرسة على منصب رئيس الوزراء كانت متوقعة، حيث إن استطلاعات الرأي توقعت أن يكون الفارق بين نتائجها أقل من هامش الخطأ.
تأتي هذه الانتخابات عشية انضمام الدولة المتاخمة لروسيا إلى حلف شمال الأطلسي، في حدث تاريخي يتوقع حصوله رسمياً في الأيام القليلة المقبلة.
في حين أنه في صباح الأحد، فتحت مراكز الاقتراع أبوابها في البلد الواقع في شمال أوروبا والذي يضم 5.5 مليون نسمة. وصوّت نحو 40% من الناخبين مسبقاً.
بعد تقدم القوميين في السويد المجاورة وانتصار اليمين المتطرف في إيطاليا العام الماضي، يتساءل كثيرون عما إذا كانت فنلندا ستنضم إلى قائمة دول الموجة القومية الشعبوية في أوروبا.
الحياة السياسية في فنلندا
رغم أنه يشارك منذ أكثر من عشرين عاماً في الحياة السياسية في البلاد، إلا أن "حزب الفنلنديين" لم يتصدر يوماً نتائج أي انتخابات عامة.
فيما أكد يوهو رايكونن أستاذ العلوم السياسية في معهد "إي2 ريسرش" أن الحزب المناهض للهجرة والذي يؤيد ما يسميه "فيكسيت"، أي خروج فنلندا من الاتحاد الأوروبي، استطاع الاستفادة من التضخم الحالي، ويتصدر نوايا التصويت بين الشباب. أضاف رايكونن أن ما يعزز التأييد لما كان يسمى "الفنلنديين الحقيقيين" هو "ارتفاع أسعار الطاقة والانخفاض العام في القوة الشرائية".
في حين حققت سانا مارين، أصغر رئيسة حكومة في العالم عندما وصلت إلى السلطة في نهاية 2019، شعبية كبيرة لإدارتها الجيدة لأزمة جائحة كوفيد-19 ومسألة الانضمام إلى الناتو التي رفضها حزبها قبل الحرب في أوكرانيا.
من جهته، قال مو شيمر (26 عاماً) الناشط في الحزب الديمقراطي الاجتماعي: "جعلتنا فخورين، كان الناس في السابق يسخرون منا، كنا حزباً يتبع نهجاً قديماً". لكن يشير محللون إلى أنها لا تحظى بتأييد الجميع. حيث قال يوهو رايكونن إن "مارين لا ترضي الجميع. فمع أنها تحظى بشعبية استثنائية، إلا أنها تثير معارضة وعمقت الانقسام السياسي". ويمثل الاقتصاد الحجة الرئيسية لهجوم المعارضة التي تندِّد بارتفاع الدين العام.
كما قالت الزعيمة لمؤيديها الجمعة: "مررنا بسنوات صعبة لكننا تغلبنا على الصعوبات معاً". ويواجه ائتلافها الحكومي أيضاً المكون من خمسة أحزاب صعوبات منذ أشهر. وأعلن حليفها الوسطي أنه سيرفض تجديد هذا التحالف.
يذكر أن المنافسة جرت على 200 مقعد في بلد يستغرق تشكيل الحكومة فيه عادة أسابيع عدة وصولاً إلى عدة أشهر. ومن هنا، يتوقع أن تكون مارين لا تزال على رأس حكومة تصريف الأعمال عندما ستنضم بلادها رسمياً إلى حلف شمال الأطلسي، بعدما حصلت على آخر ضوء أخضر ضروري من تركيا الخميس.
ولا يمكن لنتيجة الانتخابات أن تخرج عملية الانضمام للناتو عن مسارها؛ لأن كل الأحزاب الرئيسية تؤيد الانضمام إلى الحلف.