تعقد الحركة المدنية الديمقراطية اجتماعات دورية علنية وغير علنية، لمناقشة ملف انتخابات الرئاسة المصرية المقبل قبل عام تقريباً من موعدها، مع دوران عجلة الاستعدادات لها من جانب دوائر حكومية ومعارضة تعمل على ترتيب أوضاعها مبكراً.
وتشير التوقعات إلى أن هذه الانتخابات قد تشهد تنافساً بين أكثر من مرشح بينهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، في ظل مساعٍ حثيثة من جانب النظام لأن تخرج الانتخابات بصورة تخفف من حدة الاحتقان الحالية جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وكشف مصدر مطلع بالحركة المدنية لـ"عربي بوست" أن توصية مجلس أمناء الحوار الوطني بعقد الانتخابات تحت إشراف قضائي كامل، كانت على رأس مطالب المعارضة بشأن وجود مجموعة من الضمانات قبل اتخاذ قرار دعم مرشح أو أكثر في الانتخابات المقبلة، وأن استجابة النظام المصري سريعاً لهذا المطلب عبر توجيه الرئيس المصري بدراسة المقترح يعد بمثابة ضوء أخضر لمشاركة المعارضة في الانتخابات.
ووجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حكومته بدراسة آليات تنفيذ مدّ "الإشراف الكامل للقضاء على العمليات الانتخابية" بالبلاد إلى ما بعد عام 2024، وفق ما جاء في بيان نُشر عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الثلاثاء، وذلك بعد ساعات من رفع مجلس أمناء الحوار الوطني مقترحاً بهذا المطلب للرئاسة.
وقال السيسي في البيان ذاته: "أؤكد على الأخذ بالاعتبار ما تمت مناقشته في الجلسة، فيما يتعلق بالتعديل التشريعي الذي يسمح بالإشراف الكامل من الهيئات القضائية على العملية الانتخابية".
مطالب بالإشراف الدولي على الانتخابات كضمانة لنزاهتها
وأشار المصدر في الحركة المدنية إلى أن العملية الانتخابية أمر يشغل الجميع داخل الحركة المدنية وأحزابها وكذلك الشخصيات المستقلة المنضوية تحتها، وأن التفكير في عملية الترشح يأخذ بعدين:
الأول يرتبط بماهية الضمانات التي ستقدمها السلطة لخوض الانتخابات، ثم الانتقال مباشرة لعملية اختيار المرشحين، سواء الاستقرار على مرشح واحد أو السماح بترشح أكثر من شخصية تدعمها الحركة المدنية.
ولفت إلى أن الإشراف القضائي ليس ضمانة كافية لخوض الانتخابات أو دعم أي من المرشحين، وأن النقاشات تدور حالياً حول مجموعة أخرى من الضمانات من المتوقع الإعلان عنها يوم الثلاثاء القادم لضمان وجود عملية انتخابية نزيهة بينها السماح بالرقابة الدولية على الانتخابات.
ومن ضمن الضمانات أيضاً، بحسب المصدر ذاته، السماح بحرية الحركة لأحزاب المعارضة في الشارع للترويج إلى مرشحيها أو من ستقوم بدعمه في الانتخابات، وإتاحة وسائل الإعلام المختلفة أمام الشخصية التي ستدعمها الحركة المدنية في الانتخابات، وضمان عدم تدخل أي من أجهزة الدولة لترجيح كفة الانتخابات لصالح أي من المرشحين.
تطمينات من السلطة بالاستجابة لضمانات الحركة المدنية
وأضاف أن الحركة تلقت تطمينات من السلطة بأنه ستتم الاستجابة للضمانات التي تطرحها في أعقاب طرحها، وبمجرد إعلان الخطوة الأولى سيتم الانتقال مباشرة إلى النقاش حول الأسماء التي يمكن ترشحيها أو التوافق على دعمها في الانتخابات، شريطة أن تكون لديهم القدرة على المشاركة بجدية في الانتخابات والاتفاق على معايير دعم المرشحين ومن تنطبق عليه الشروط التي تجعله قادراً على خوض منافسة قوية محتملة أمام الرئيس المصري.
وحسب التعديلات الدستورية التي أقرّها مجلس النواب عام 2019، تنتهي الفترة الرئاسية الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي في 2024، ويحق له الترشح لفترة رئاسية ثالثة مدتها 6 سنوات، لكنه لم يعلن موقفه من الترشح رسمياً حتى الآن.
ويشير قانون الانتخابات المصري أن المرشح للرئاسة لابد أن يكون مصرياً تخطى عمره 40 عاماً، ومن أبوين مصريين، ويتمتع بحقوقه السياسية، وألا يكون قد حمل أو والداه أو زوجته جنسية دولة أخرى، وألا يكون قد حكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف، وأدى الخدمة العسكرية أو أعفي منها قانوناً، وألا يكون مصاباً بمرض بدني أو ذهني.
ويتطلب قبول المرشح لخوض الانتخابات حصوله على تزكية 20 برلمانياً على الأقل، أو تأييد 25 ألف مواطن في 15 محافظة، بحد أدنى ألف مؤيد في أي منها.
ويكون الفائز في الانتخابات المزمع إجراؤها في مايو/أيار من العام المقبل من يحقق (50%+1) من أصوات الناخبين الحاضرين، وهي شروط لن يكون صعباً تحقيقها من جانب المعارضة التي من المتوقع أن تستقر على شخصية لديها قبول وجماهيرية كبيرة.
طنطاوي يُحدث انقساماً في الحركة المدنية
وأشار مصدر آخر مطلع بالحركة المدنية الديمقراطية لـ"عربي بوست"، إلى أن التباحث حول أسماء المرشحين لم يبدأ بعد، لكنّ هناك توافقاً على أن تلميح المعارض البارز أحمد طنطاوي الرئيس السابق لحزب تيار الكرامة (أحد أحزاب الحركة المدنية) أمر يخصه، وسيكون ضمن شخصيات تبحث الحركة المدنية مسألة دعمها في الانتخابات.
وكشف أن الحركة تنوي عقد استطلاع للرأي في المحافظات والمراكز المختلفة حول المرشحين المتوقع دعهم في الانتخابات، وأن قبول الشارع بالمرشح سيفوق رغبات الأحزاب بما يزيد من فرص المنافسة.
ولدى الحركة المدنية هدف رئيسي تسعى لتحقيقه من الانتخابات يتمثل في تهيئة الأجواء المواتية لإجراء انتخابات تساهم في صعود أسهمها السياسية، حتى وإن لم تكن طرفاً فائزاً، وفقاً للمصدر.
وأضاف أن الحركة قد لا تدعم مرشحاً من داخلها، وفي حال كانت هناك شخصيات مدنية ومستقلة أعلنت خوضها الانتخابات، فلن تمانع من ترشحيها، حتى وإن كانت جزءاً من النظام، ولكن لديها رؤية مختلفة عن الموجودة حالياً وتحظى بتوافق شعبي حولها.
المصدر ذاته يؤكد وجود صعوبة لأن تربح المعارضة المعركة الانتخابية، لكن الأهم هو التشبث بفرصة عودة الممارسة السياسية إلى الشارع مرة أخرى، وأن إقناع المواطنين بوجود انتخابات نزيهة وتشجيعهم على النزول لصناديق الاقتراع يعد مكسباً للحركة التي تستهدف الوجود بفعالية في الشارع وإعادة الصلات بينها وبين المواطنين حتى لا تظل لقمة سائغة بيد النظام.
وتجد الحركة المدنية صعوبات بالغة في تنفيذ شروطها لإطلاق الحوار الوطني بعد أن طالبت بضمانات لإنجاح الحوار قبل انطلاق جلساته، ومازالت الحكومة تراوغ بشأن أسماء المعتقلين على ذمة قضايا الرأي، ولم تستجب لعدد كبير من القوائم التي قدمتها الحركة، وتتشبث حتى الآن بالإفراج عنهم قبل انطلاق الحوار.
وأكدت الحركة المدنية الديمقراطية في مصر تمسكها بضرورة الإفراج عن "سجناء الرأي" كشرط للمشاركة في "الحوار الوطني" الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل/نيسان من العام الماضي.
وأضافت الحركة في بيانها أنها "تثمن تعهد مجلس الأمناء بممارسة دوره خلال هذه الفترة لاستكمال توافر عناصر المناخ الإيجابي الذي يضمن بدء الحوار واستمراره بنجاح وتتمنى له التوفيق، وتدعم مطلبه الخاص باستمرار الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات".
ويشير محلل سياسي مشارك في الحركة المدنية بصفته شخصية سياسية مستقلة، إلى أن إعلان أحمد طنطاوي إمكانية ترشحه أربك عدداً من الأحزاب المشاركة في الحركة والتي توافقت من قبل على أن يكون السير في ملف الانتخابات وفقاً لأسس التوافق المتفق عليها داخل الحركة، والتي بمقتضاها جرى الاتفاق على المشاركة في الحوار الوطني.
وأضاف أن بعض الأحزاب طالبت الحركة بإعلان بيان رسمي تتملص فيه من تلميحه بالترشح، لكن حزب التيار الديمقراطي رفض.
توقعات بالتوافق على مرشح مستقل لخوض الانتخابات
وأوضح المصدر أن شخصيات تلعب دور الوساطة بين أحزاب معارضة لترشح طنطاوي، أو على الأقل كان لديها رغبة في أن يكون ترشحها من داخل الحركة وليس التلميح بصورة منفردة، وفي مقدمتها الحزب المصري الديمقراطي، وأخرى تشجع خطوة طنطاوي بينها حزب تيار الكرامة، تحاول إنهاء تلك الخلافات والوقوف على نقاط مشتركة تضمن تحقيق مكاسب سياسية للجميع.
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة نقاشات موسعة حول أسماء المرشحين، وقد يكون الحل الأمثل لجميع الأحزاب التوافق على مرشح يحمل صفة الاستقلالية ومدعوم جماهيرياً حتى لا تقع الأحزاب تحت طائلة التفتيت والتي قد تطول في تلك الحالة الحركة المدنية برمتها.
وبالتالي يتم التركيز حالياً على أهمية إجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية قبل الوصول إلى مرحلة التوافق على الأسماء المرشحة.
ويتخوف المصدر ذاته من أن تكون إثارة ملف الانتخابات الرئاسية حالياً قبل أكثر من عام على إجرائها مقدمة لتراجع الاهتمام بالحوار الوطني الذي كان على رأس أولويات الحركة المدنية خلال الفترة الماضية، وأخذ في التراجع خلال الأيام الماضية منذ إعلان طنطاوي إمكانية ترشحه في الانتخابات.
وهناك آراء داخل الحركة تطالب بضرورة الاهتمام بإجراءات انعقاد الحوار ثم التطرق إلى مسألة الانتخابات منعاً لحدوث مزيد من الخلافات في وجهات النظر.
وتتباين الرؤى حول الارتكان للبرنامج الذي قدمته الحركة المدنية للحوار الوطني بحيث يكون برنامجاً رئاسياً لأحد مرشحيها، وبين توسيع دائرة المشاورات مع أسماء من خارج الحركة للتنسيق بشأن الانتخابات لتكون ظهيراً سياسياً لها.
لكن الأمر يتوقف على مدى سماح السلطة بترشح أسماء تشكل تهديداً لحظوظ الرئيس المصري في حال كان هناك إشراف قضائي كامل ورقابة دولية مثلما تأمل الحركة المدنية.
وتختلف انتماءات الأحزاب داخل الحركة المدنية، وهناك أحزاب لديها صبغة ليبرالية ولا تمانع في مزيد من التقارب مع الحكومة، وقد تذهب لدعم مرشح لا يشكل خطراً على السلطة، وأخرى تأخذ مواقف أكثر تشدداً وقد يكون لديها مرشحون من داخلها للانتخابات، وبالتالي فإن التوافق على مرشح واحد سيكون صعباً.
وقال المحلل السياسي إن الإشراف القضائي على الانتخابات يشجع القوى المعارضة على المشاركة في الانتخابات والتوافق على مرشح واحد لدعمه، لكنها في الوقت ذاته لا تكفي لضمان نزاهة الانتخابات، وأن موازين القوى لا تضمن أن يستجيب النظام المصري لكافة اشتراطات وضمانات الحركة المدنية، وفي النهاية ستجد نفسها مضطرة للمشاركة لأنها استطاعت أن تحجز لنفسها موقفاً من الحراك السياسي لم يكن متوفراً أمامها من قبل.
وأوضح أن السلطة لديها الرغبة في أن يكون هناك أكثر من مرشح في الانتخابات لإصباغها بالجدية المطلوبة التي تُقنع المواطنين بحدوث إصلاح سياسي، وحتى لا يتكرر نموذجا انتخابات الرئاسة السابقيْن في عامي 2014 و2018، في ظل مخاوف جدية لدى السلطة الحاكمة في أن تكون فجاجة تزوير الانتخابات وقوداً لإحداث حراك في الشارع مثلما كان الوضع في الانتخابات البرلمانية في عام 2010، والتي أعقبها اندلاع ثورة شعبية أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك.
جهات مصرية تسعى لتأمين فوز السيسي
ويؤكد مصدر سياسي مقرب من الحكومة المصرية أن جهات بالدولة المصرية ليست لديها غضاضة في أن يفوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بنسبة 60% أو أقل أو أكثر في الانتخابات، في حين أن هناك مخاوف من أن تكون الأوضاع الاقتصادية الضاغطة باباً للانفجار الشعبي في حال ذهبت السلطة للانتخابات وفقاً لأساليب الحشد لصناديق الانتخابات وإقصاء المرشحين المعارضين، مع التذمر من الاستغلال السياسي للانتخابات لتقديم الرشاوى الانتخابية للمواطنين الفقراء، وأن السماح بعودة الإشراف القضائي مقدمة لخطوات أخرى للحصول على ثقة المعارضة والمواطنين.
وفي يوليو/تموز 2017، وافق مجلس النواب على إلغاء الإشراف القضائي الكامل بدءاً من 2024، وأصدر قانون رقم 198 لسنة 2017 في شأن الهيئة الوطنية للانتخابات لتصبح الجهة الوحيدة المنوط بها الإعداد والدعوة للانتخابات والإشراف عليها وإعلان نتائجها.
وأصبحت الهيئة هي المسؤولة عن تشكيل اللجان للقيام بإدارة الاستفتاءات والانتخابات ومتابعتها وفقاً لأحكام هذا القانون، وهي هيئة مستقلة، لها شخصية اعتبارية، وتتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري، ويكون مقرها الرئيس محافظة القاهرة.
وتنص المادة (34) محل التعديل أن "يتولى إدارة الاقتراع والفرز في الاستفتاءات والانتخابات أعضاء تابعون للهيئة تحت إشراف مجلس إدارتها، ولها أن تستعين بأعضاء من الهيئات القضائية، ويتم الاقتراع والفرز في الاستفتاءات والانتخابات في السنوات العشر التالية للعمل بالدستور".
ويهدف التعديل، الذي طالب به مجلس الأمناء بالإجماع، إلى عودة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، وتعيين قاضٍ على كل صندوق، حيث يتم الاقتراع والفرز في الانتخابات والاستفتاءات التي تجرى في البلاد، تحت إشراف كامل من أعضاء الجهات والهيئات القضائية.