كشف مسؤولون إيرانيون أنَّ روسيا صارت أكبر مستثمر أجنبي في إيران خلال العام الماضي، إذ عملت الدولتان الخاضعتان لعقوبات شديدة على تعزيز التعاون منذ غزو القوات الروسية لأوكرانيا، وفق ما ذكرته صحيفة The Financial Times البريطانية الأربعاء 22 مارس/آذار 2023.
حيث قال وزير المالية الإيراني، إحسان خاندوزي، إنَّ روسيا استثمرت 2.76 مليار دولار في البلاد خلال السنة المالية الحالية التي انتهت هذا الأسبوع، مشيراً إلى مشروعات في قطاعات الصناعة والتعدين والنقل.
كما صرح خاندوزي لصحيفة The Financial Times: "نُعرّف علاقاتنا مع روسيا بأنها استراتيجية ونعمل معاً في العديد من الجوانب، لا سيما العلاقات الاقتصادية. الصين وروسيا هما الشريكان الاقتصاديان الرئيسان لنا، وستعمل إيران على توسيع علاقاتها معهما من خلال تنفيذ الاتفاقيات الاستراتيجية".
تعزيز التعاون منذ بدء حرب أوكرانيا
الصحيفة البريطانية أشارت إلى أن تعليقات وزير المالية تؤكد كيف عززت طهران وموسكو علاقاتهما منذ فرض الغرب موجات من العقوبات على روسيا بعد بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا قبل عام.
فقد زارت وفود أعمال روسية الجمهورية الإسلامية؛ سعياً وراء صفقات وإرشادات حول كيفية تجنب العقوبات، بينما كانت إيران حريصة على تطوير علاقات تجارية جديدة لتعزيز اقتصادها الخاضع للعقوبات.
اتهمت أمريكا وأوروبا طهران ببيع طائرات مُسيَّرة مُسلَّحة إلى موسكو لنشرها ضد أهداف أوكرانية. لكن إيران تنفي استخدام طائراتها المُسيَّرة في الحرب. وقال خاندوزي إنَّ الصراع في أوكرانيا له تبعات "مؤسفة" على إيران، لكنه لم يرد عندما سُئِل عمّا إذا كانت طهران قد حصلت على عائدات من مبيعات الأسلحة إلى روسيا.
وقّع البنكان المركزيان الإيراني والروسي اتفاقاً في يناير/كانون الثاني لربط أنظمة الاتصال بين البنوك؛ في محاولة لتعزيز التجارة الثنائية. وتحرص روسيا وبعض الدول الأخرى على استخدام آليات مثل الاتفاقات النقدية المتبادلة أو المبادلات التجارية.
إذ قال خاندوزي: "تفاوضنا في هذا الشأن، ليس فقط مع روسيا، بل أيضاً مع الصين وشركاء آخرين، وضمن ذلك تركيا. وعملياً، هذه الشبكة المالية في وضع أفضل بين إيران وروسيا من غيرهما".
هل يصل البلدان للاكتفاء الذاتي
مع ذلك، يتشكّك المحللون في مدى التطور التجاري الذي يمكن أن يحرزه الطرفان؛ نظراً إلى أنَّ كليهما لديهما اقتصادات قائمة على السلع الأساسية وينتجان منتجات مماثلة. لكن دبلوماسياً غربياً قال إنَّ الخوف هو أنَّ "تتحول هذه الحركة الدينامية لاكتفاء ذاتي".
فقد تحمّلت طهران عقوداً من العقوبات، وانقطعت عن النظام المالي العالمي منذ أن انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، من الاتفاق النووي لعام 2015، وفرض قيوداً جديدة على الجمهورية.
بينما أدى هذا إلى زيادة تثبيط قدرة طهران على جذب الاستثمار الأجنبي -التي يأتي ثاني أكبر استثمار أجنبي فيها بعد روسيا من أفغانستان المجاورة، بقيمة 256 مليون جنيه إسترليني. وقُدِّر الاستثمار الصيني بـ131 مليون دولار فقط، خلف العراق والإمارات العربية المتحدة؛ مما يؤكد أنَّ الشركات الغربية ليست وحدها التي أُثنِيت عن ممارسة الأعمال التجارية في طهران.
استحوذت روسيا على ثُلثي إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر البالغ نحو 4.2 مليار دولار في إيران هذا العام المالي، وفقاً لبيانات وزارة المالية. واجتذبت إيران استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 1.45 مليار دولار فقط في عام 2021، وفقاً لبيانات التجارة للأمم المتحدة.
مستويات قياسية من صادرات النفط
أعطت حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي الأولوية لتطوير العلاقات التجارية الإقليمية والآسيوية منذ توليها السلطة في عام 2021؛ في محاولة لمواجهة تأثير العقوبات. وستعيد اتفاقية، وُقِّعَت بوساطة صينية هذا الشهر، العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، بعد سبع سنوات من قطع العلاقات بينهما.
قال خندوزي إنَّ إيران حققت الشهر الماضي أعلى مستوى لها من صادرات النفط منذ عامين على الأقل، متجاوزة بذلك أعلى مستوى سابق عند 1.3 مليون برميل يومياً، على الرغم من العقوبات الأمريكية.
أضاف أنَّ الصادرات غير النفطية البالغة 53 مليار دولار ارتفعت أيضاً بنسبة 12% في الأشهر الـ11 الأولى من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وأشار إلى أنَّ الواردات خلال الفترة نفسها بلغت 60 مليار دولار، والتي قال إنها أظهرت مع بيانات التصدير أنه "لا يمكن عزل الاقتصاد الإيراني".
إيران تكافح لتجاوز الضائقة المالية
مع ذلك، كافحت الحكومة لاحتواء الضائقة الاقتصادية التي اجتاحت الجمهورية، حيث ارتفع التضخم إلى أعلى من 47% وانخفض الريال الإيراني بنسبة 60% تحت إشراف "رئيسي". ويلقي الاقتصاديون الإيرانيون باللوم على السلطات في تأجيج التضخم من خلال الإفراط في طباعة النقود.
استبدلت طهران في ديسمبر/كانون الأول، محافظ البنك المركزي بعد 15 شهراً فقط من توليه المنصب، إذ تراجعت العملة الوطنية إلى مستويات منخفضة قياسية مقابل الدولار الأمريكي، في حين واجه النظام احتجاجات على مستوى البلاد استمرت لأشهر.
ودافع خندوزي عن سجل الحكومة، وقال إنه يعتزم إصلاح البنك المركزي الذي سيكون "مسؤولاً عن تحقيق الأهداف المتعلقة بالتضخم". وأشار إلى أنه سيُمنَح أيضاً "السلطة اللازمة للتحكم في الإجراءات التي تخلق عرضاً نقدياً".
وتابع: "نجحنا أيضاً في خفض معدل نمو المعروض النقدي الذي بلغ 39% في العام الإيراني الماضي. وبحلول نهاية هذه السنة المالية، من المتوقع وصوله إلى 30%. نحن عازمون على خفض معدل التضخم".
ولفت وزير المالية الإيراني إلى أنَّ الحكومة عززت تحصيل الضرائب وشددت قبضتها على التهرب من أجل زيادة الإيرادات غير النفطية، بينما خفضت في الوقت نفسه ضريبة الشركات بمقدار 5 نقاط مئوية.
لكن التحدي الأكبر للحكومة يتمثل في تخفيف الضغط الاقتصادي على المواطنين الإيرانيين العاديين، إذ حذر محللون من أنَّ المظالم الاقتصادية قنبلة موقوتة وسط غضب شعبي واسع النطاق من النظام.
بينما صرح خاندوزي: "عندما تعاني البلاد من مشكلات اقتصادية، يبذل المسؤولون بالتأكيد جهوداً أكثر من ذي قبل ويقضون وقتاً أطول في خدمة الناس".