في الوقت الذي جلس فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتناول طعام الغداء في برلين مع المستشار الألماني أولاف شولتز، الخميس 16 مارس/آذار 2023، مطالباً إياه بمواصلة دعم بلاده الثابت لإسرائيل، كان ناشط مناصر للقضية الفلسطينية يمثل أمام أحد القضاة بالمدينة نفسها بتهمة المشاركة في احتجاجات محظورة، بحسب ما قال موقع Middle East Eye البريطاني الجمعة.
تعود التهم إلى 15 مايو/أيار 2022، عندما أعلنت شرطة برلين عن حظر شامل للاحتجاجات المزمع تنظيمها بمناسبة "يوم النكبة"، الذي يشهد إحياء الذكرى السنوية لطرد إسرائيل مئات الآلاف من الفلسطينيين.
الناشط الذي وقف في قفص الاتهام كان سادس مدَّعى عليه يمثل أمام المحكمة في الأسابيع الأخيرة، وقد حاولوا جميعهم إلغاء غرامة قدرها 300 يورو (320 دولاراً أمريكياً) فُرضت على كل منهم بدعوى اتهامهم بالمشاركة في احتجاجات محظورة.
وعلى الرغم من أن برلين لم تشهد تظاهرات كبيرة في ذلك اليوم، فقد قالت الشرطة إنها احتجزت 127 شخصاً لانتهاكهم الحظر.
لكن المتهمين قالوا للمحكمة إن الشرطة "حاصرتهم" واحتجزتهم بأهون الذرائع، مثل التوشُّح بالكوفية الفلسطينية أو ارتداء ملابس تحمل ألوان العلم الفلسطيني.
وقال الناشطون إن المحاكمات تبرهن على التضييق الشديد الذي تفرضه ألمانيا على مختلف أشكال التعبير عن الهوية الفلسطينية، بينما تواصل دعمها الراسخ للاحتلال الإسرائيلي.
وقد وقعت معظم الاعتقالات بالقرب من ميدان هيرمانبلاتز الواقع في حي نويكولن بمدينة برلين، والذي تسكنه جالية فلسطينية كبيرة.
تفاصيل المتهمين الخمسة
وأسقطت المحكمةُ التهم في أول قضية عُرضت عليها نهاية الشهر الماضي، بعد أن قال المدعى عليه، وهو يهودي أمريكي مناهض للفاشية، إنه سمع بأن هناك احتجاجات، وأراد فقط معرفة ما يجري، وزعم أنه لم يشارك في أي مظاهرة ولم يكن يرتدي رداء يحمل رموز القضية الفلسطينية حينما حاصرته الشرطة واعتقلته بعد ذلك. وأسقطت المحكمة الاتهام عن ناشط ألماني آخر لأسباب مماثلة.
في المقابل، تمنَّع القضاة في قبول شهادات المتهمين الآخرين، جميعهم فلسطينيون، ولكن لم يقروهم عليها بسهولة.
إذ قال أحدهم إنه كان في المنطقة للقاء أصدقائه، وأنكر المزاعم الواردة في محضر الشرطة عن كونه شارك في مظاهرة وتجاهل أمراً بمغادرة الميدان. وأقر للمحكمة بأن "الشيء الوحيد الصحيح [في محضر الاتهام] أنني كنت أرتدي كوفية"، وهو رمز من رموز هويتي الفلسطينية.
وقال متهم ثانٍ إنه كان يحمل علماً فلسطينياً ملفوفاً استعاره من صديق، وكان في طريق العودة إلى منزله عبر مترو الأنفاق، لكن الشرطة أحاطت به واعتقلته. ونفى ادعاء الشرطة عليه بأنه كان يلوح بالعلم ويهتف وسط حشد من المتظاهرين. وقالت متهمة فلسطينية ثالثة إنها وصلت إلى ميدان هيرمانبلاتز لمقابلة أصدقائها بعد نصف ساعة من إعلان الشرطة عن فض احتجاج قصير المدة شهدته المنطقة.
شهدت المحاكمة التي جرت استدعاء لشاهدٍ من الشرطة للإدلاء بشهادته في القضية. وقال للقاضي إنه وزميله اتَّبعا الأوامر الواردة لهم بتطويق مجموعة من الأشخاص، ثم أبعدوهم عن المنطقة واحداً تلو الآخر.
وأقرَّ الشرطي للمحكمة بأنه لم ير أي احتجاج، لكن زملاءه حاصروا واعتقلوا الأشخاص الذين "برزوا لهم" لأنهم كانوا يرتدون أوشحة فلسطينية أو ملابس تحمل ألوان العلم الفلسطيني.
وفي جميع القضايا الأربع التي تتضمن متهمين فلسطينيين، أرجأ القاضي المحاكمة لجمع مزيدٍ من الأدلة، واستدعاء المزيد من شهود الشرطة.
وقال محامي المتهم أحمد عابد إن "الشرطة تكتب في تقاريرها أشياء كثيرة غير صحيحة"، و"يستغرق التحري عنها مدة طويلة".
وأشار ناشطون متضامنون مع فلسطين إلى أن الحملة التي تشنها السلطات الألمانية على الاحتجاجات المناصرة للفلسطينيين، واعتقال من يرتدون الرمز الفلسطيني، يشابهان القمع الذي يتعرض له الفلسطينيون في الأراضي المحتلة.
وقال أحد المتهمين إن الأمر "لا يقتصر على إسكات الأصوات الفلسطينية، وإنما كل شخص لا يوافق على البرنامج الاستعماري للحكومة".
ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش حظرَ التظاهر الذي فرضته السلطات الألمانية بأنه "قيود مشددة تعمل عمل العقوبة الجماعية لمن يرغبون في التجمع السلمي".
وعلى الرغم من أن القضايا الحالية لا تتحرى عن التصرفات غير القانونية للشرطة في منع الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، فإن الناشطين يأملون في أن تلفت تلك الإجراءات الانتباه إلى الطبيعة التعسفية للحظر.