قال مسؤولون عرب وأوروبيون إن الدول العربية، التي نبذت رئيس النظام السوري بشار الأسد مدةً طويلة، عرضت عليه صفقة من شأنها إعادة العلاقات بين دمشق وكثير من دول الشرق الأوسط، وكبح نفوذ إيران في الوقت نفسه، بحسب ما كشفت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، نقلاً عن مصادر.
وكشفت المصادر أن الأردن قاد المحادثات في البداية، وعرضت الدول العربية خلالها مساعدات بمليارات الدولارات لمعاونة النظام السوري في إعادة بناء البلاد المدمرة بعد الحرب الأهلية، وتعهدت بالضغط على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لرفع العقوبات عن نظام الأسد.
إرسال قوات عربية
وقال المسؤولون إن عرض الدول العربية جاء في مقابل موافقة الأسد على التعاون مع المعارضة السياسية السورية، والقبول بقوات عربية لحماية اللاجئين العائدين، ومكافحة تهريب المخدرات، وأن يطلب من إيران التوقف عن توسيع حضورها في البلاد.
وأوضح مستشار للنظام السوري ومسؤولون عرب وأوروبيون مطلعون -وفق وول ستريت جورنال- أن المحادثات لا تزال في "مرحلة مبكرة"، وأن الأسد لم يُظهر اهتماماً بمطلب الإصلاح السياسي ولا استعداداً لاستقبال قوات عربية.
علاوة على ذلك، فإن القوى الغربية لم تكشف عن أي ميل لإنهاء العقوبات الصارمة المفروضة على النظام السوري لما ارتكبه من انتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد.
الزلازل قلّصت عزلة الأسد
ومع ذلك، فإن الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا، وقتلت نحو 6 آلاف سوري، أعطت قوة دافعة للمحادثات، إذ يسعى بشار الأسد لاستغلال الكارثة الإنسانية من أجل تقليص عزلته، على حد قول المصادر.
وقال المسؤولون إن هذه المحادثات زادت فاعلية بانضمام السعودية، التي تعد أقوى الدول العربية نفوذاً، ومن أشدها ممانعة للتقارب مع نظام الأسد، حيث دعا الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، في فبراير/شباط الماضي، إلى إنهاء الوضع الراهن في سوريا، والسماح لها بالتعافي من أزمتها الإنسانية طويلة الأمد.
ووافقت السعودية منذ أيام على استئناف العلاقات مع إيران في اتفاق توسطت فيه الصين، ما يدل على أن المملكة مستعدة لتغيير مسارها السابق في الاصطفاف الجيوسياسي بالمنطقة.
وقد يكون الانفراج بشأن التفاوض مع الأسد أحد أكثر الأمثلة صراحة على ما يشهده الشرق الأوسط من ترتيبات واسعة لإعادة بناء التحالفات، وتلاشي التوترات الناشئة عن انتفاضات الربيع العربي، وتغيُّر مصالح القوى الأجنبية في المنطقة، وفق الصحيفة ذاتها.
من جهة أخرى، لا تزال روسيا وإيران أبرز شريكين للنظام السوري، وقد وصل بشار الأسد إلى موسكو، الأربعاء 15 مارس/آذار، لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن تطوير التعاون التجاري بين البلدين.
كبح نفوذ إيران
وأشار مسؤولون أوروبيون وعرب إلى أن القضايا المتعلقة بمساعي دمج النظام السوري وإعادة بناء البلاد ستكون على جدول أعمال القمة العربية، التي من المقرر عقدها في السعودية هذا العام.
وزعمت المصادر أن كثيراً من المسؤولين العرب، وإن كانوا يحتقرون بشار الأسد وأفعاله، فإنهم يرون أن السياسات الدولية الرامية إلى عزل سوريا ثبت أنها تأتي بنتائج معاكسة للمراد منها بمرور الوقت، وأنها تزيد من تعزيز نفوذ إيران في المنطقة.
فيما قالت مصادر مطلعة على تفكير بعض الأنظمة العربية إنها تميل إلى أن تحسين العلاقات مع نظام الأسد سيُساعد في تقليل نفوذ إيران على واحد من أبرز حلفائها في المنطقة.
وقد شهدت الأسابيع الماضية زيارة من وزير الخارجية المصري وأخرى من وزير الخارجية الأردني إلى دمشق، في أول نشاط دبلوماسي مماثل بالبلاد منذ عام 2011.
حل سياسي للأزمة
وقال مسؤول إماراتي رداً على أسئلة للصحيفة وُجهت إلى وزارة الخارجية، إنَّ الإمارات ترى "حاجة ملحة إلى تعزيز الدور العربي في سوريا"، وتميل إلى ضرورة "المسارعة بالبحث عن حل سياسي للأزمة في سوريا، لتجنب عودة الإرهاب والتطرف، اللذين انتشرا خلال الصراع المستمر في البلاد".
ومع ذلك، لن يكون إقناع الولايات المتحدة وأوروبا برفع العقوبات عن الأسد وشركائه سهلاً على الدول العربية، حتى لحلفائها المقربين من الولايات المتحدة.
ولم تستطع صحيفة "وول ستريت جورنال" الحصول على تعليق فوري من وزارة الخارجية الأمريكية، لكن نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، قال في أعقاب الزلزال، في فبراير/شباط الماضي، إن بلاده "تشجع التطبيع" فقط إذا نفَّذ نظام الأسد خريطة طريق تتجه نحو عقد انتخابات حرة.
وفي الوقت نفسه، قال مسؤولون أوروبيون إن الاتحاد الأوروبي لا يزال متخوفاً من السجل السيئ لبشار الأسد في انتهاكات حقوق الإنسان وعدم رغبته في إجراء انتخابات حرة، ولذلك استبعد دعوة الحكومة السورية لمؤتمر المانحين المقرر عقده في الأشهر المقبلة لجمع التبرعات من أجل إعادة بناء المناطق المتضررة من الزلزال.