بعد قفز معدل التضخم في مصر على المستوى السنوي بأكثر من المتوقع إلى 32.9% خلال فبراير/شباط 2023، كما أوردت وكالة "بلومبرغ"، فقد رجح بنك "غولدمان ساكس" أن يعمد البنك المركزي المصري إلى رفع أسعار الفائدة بما يصل إلى 300 نقطة أساس عندما يجتمع في وقت لاحق من مارس/آذار الحالي.
الارتفاع في سعر الفائدة بهذا الحجم يعد سابقة حديثة في مصر، حيث اضطرت أيضاً إلى خفض قيمة عملتها 3 مرات خلال العام الماضي. ورفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة على الودائع بمقدار 300 نقطة أساس، وهو أعلى معدل منذ 2016، إلى 16.25% في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكنه أبقى عليه منذ ذلك الحين.
"توقعات برفع سعر الفائدة"
الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم أنور قال لـ"عربي بوست"، إن التضخم أصبح مشكلة مصر الاقتصادية الرئيسية حالياً. ومن المفترض تقليدياً أن مهمة البنك المركزي الأساسية هي المحافظة على التضخم داخل الحدود الآمنة المستهدفة. ولذلك فإن كل التوقعات تذهب إلى أن البنك المركزي سيرفع سعر الفائدة على الجنيه.
واستدرك أنور: "لكن للأسف التضخم هو مجرد أخطر أعراض الأمراض التي يعاني منها الاقتصاد وليس هو المرض نفسه. وغالباً ما يتم رفع سعر الفائدة لغرض رفع الجاذبية الاستثمارية للجنيه، أي تحويل الجنيه إلى عملة مضاربة لغرض تحقيق أرباح سريعة للمستثمرين الأجانب. وهو ما يسمى بتدفقات الأموال الساخنة".
كما أكد الخبير الاقتصادي، أن البنك المركزي لا يستهدف التضخم برفع سعر الفائدة ولكن يستهدف جذب تدفقات الأموال الساخنة.
وزاد: "للأسف فإن العوامل الرئيسية المسببة للتضخم، مثل الاعتماد على استيراد الاحتياجات الأساسية، وزيادة الإنفاق الحكومي بمعدلات سريعة لا تقابلها زيادات في الإنتاج، وتناقص المعروض من السلع المحلية بسبب الركود في القطاع غير النفطي المستمر منذ أكثر من عامين، هذه العوامل لا تنخفض تداعياتها السلبية برفع أسعار الفائدة".
وأوضح: "يجب أن يكون معلوماً أنَّ رفع سعر الفائدة لن يؤدي لانخفاض التضخم بقدر ما يؤدي لمزيد من التدهور في عرض السلع المنتجة محلياً، بسبب زيادة أعباء تمويل الإنتاج".
من جانبه، قال الدكتور علاء السيد الخبير الاقتصادي إن فكرة رفع البنوك المركزية لسعر الفائدة لمحاربة التضخم تذهب إلى تجميع السيولة المتاحة بالأسواق في أوعية ادخارية بنسبة فائدة أعلى ويفضل العملاء ادخار أموالهم بدلاً من شراء المنتجات، مما يقلل الطلب على السلع، ولكن الواقع يقول إنَّ رفع الفائدة سيؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج والتي تصب في النهاية إلى زيادة التضخم.
وأضاف السيد في تصريحات لـ"عربي بوست"، أن أداة سعر الفائدة النقدية لا تؤدي إلى تخفيض التضخم بشكل عملي، لكن ربما ينجح ذلك في الأنظمة الغربية، بخلاف مصر التي تعتمد بشكل كبير على استيراد احتياجاتها والتي تمثل 70%.
وحول علاج الأزمة الاقتصادية بمصر أوضح السيد: "ينبغي إعادة هيكلة الاقتصاد المصري وتحويله إلى اقتصاد إنتاجي بدلاً من الاقتصاد الريعي، ودمج الموازنات العشوائية التي تعمل خارج الموازنة العامة للدولة"، مؤكداً أن رفع سعر الفائدة خطوة سيقدم عليها البنك المركزي لا محالة، لكنه سيصاحبه تعويم جديد للجنيه المصري، وسيتسبب في زيادة التضخم.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي لـ"عربي بوست"، إن آلية رفع البنك المركزي سعر الفائدة واستخدامها لمواجهة التضخم من أجل سحب السيولة في السوق وتقليل الطلب على السلع والخدمات آلية تصلح لو كان الاقتصاد يستطيع معالجة جانب العرض المتمثل في انخفاض تكاليف ومستلزمات الإنتاج.
عبد الحافظ أشار إلى أن "تطبيق هذه الحالة في مصر من رفع سعر الفائدة لتشجيع المدخرين وسحب السيولة من السوق ستزيد الأعباء على المنتجين في السوق؛ لأن هناك جزءاً من الشركات يعتمد على تمويل نشاطه من خلال الاقتراض من البنوك الذي بموجبه سيرفع سعر الفائدة، وبالتالي فإن المنتج المصري لا يستطيع المنافسة في السوق المحلي ولا الدولي؛ وبذلك يكون التضخم مشتعلاً من الجانبين العرض والطلب".
اتباع سياسة نقدية أكثر تشدداً
وفي وقت سابق، قال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في بنك طغولدمان ساكس" في لندن، إن احتواء توقعات التضخم، وعلى وجه الخصوص، تحسين سيولة العملات الأجنبية المحلية لتخفيف الضغط المزمن على الجنيه المصري سيتطلب من البنك المركزي المصري اتباع سياسة نقدية أكثر تشدداً في الأشهر المقبلة.
وأدى ارتفاع التضخم بأسرع وتيرة منذ أكثر من خمس سنوات، إلى تحويل تكاليف الاقتراض الرسمية في مصر إلى سلبية للغاية عند تعديلها لمراعاة التضخم. المعدل الحقيقي الذي كان في يوم من الأيام الأعلى في العالم هو الآن ما يقرب من 16% سالب، وهو أحد أدنى المعدلات بين أكثر من 50 اقتصاداً رئيسياً تتبعها "بلومبرغ".
وفوجئت لجنة السياسة النقدية بترك المعدلات معلقة في يناير/كانون الثاني الماضي، قائلة إنها كانت تقيم تأثير 800 نقطة أساس من الزيادات في عام 2022. وهي تستهدف تضخماً بنسبة 7%، زائداً أو ناقصاً نقطتين مئويتين، بحلول الربع الأخير من العام المقبل.
لكن أسعار المستهلك ارتفعت في فبراير/شباط بمعدل سنوي قدره 31.9%، مع نمو تكاليف الغذاء بوتيرة قياسية. وفقد الجنيه ما يقرب من نصف قيمته، حيث تكافح مصر مع أسوأ نقص في العملات الأجنبية منذ سنوات.
وقد ارتفعت نسبة التأمين ضد التخلف عن السداد في مصر بأعلى نسبة في العالم بعد الإكوادور في الشهر الماضي، وظهرت بوادر التشدد في سوق السندات مرة أخرى. تظهر المشتقات مخاطر انخفاض آخر لقيمة العملة في المستقبل.
وتعاني مصر من فجوة تمويل كبيرة تقدر بنحو 17 مليار دولار وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي الذي وافق في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، على تقديم قرض للحكومة المصرية بقيمة 3 مليارات دولار، وفق برنامج إصلاح مالي يمتد إلى نحو 4 سنوات، ويتوقع- بحسب البرنامج- الحصول على قروض بقيمة 14 مليار دولار من خلال شركاء دوليين وإقليميين لسد هذه الفجوة.
وكشفت بيانات البنك المركزي المصري تراجع صافي الأصول الأجنبية لمصر 160.2 مليار جنيه مصري (5.2 مليار دولار ) في يناير/كانون الثاني. ويرجع ذلك على الأرجح إلى استحقاق ديون وتصفية المستوردين لأعمال متراكمة في الموانئ، وفقاً لـ"رويترز".
وأظهرت بيانات البنك المركزي أن صافي الأصول الأجنبية بلغ سالب 654.43 مليار جنيه من سالب 494.3 مليار في نهاية ديسمبر/كانون الأول. ويعني هذا انخفاضاً يصل إلى 5.2 مليار دولار، بناء على أسعار صرف البنك المركزي في نهاية الشهر. وسمح البنك المركزي للجنيه المصري بالانخفاض بنحو 24% في يناير/كانون الثاني.