أثار باحث مصري جدلاً واسعاً بما يتعلق بنظريات علمية متصلة بالآثار وتفسيرها، لا سيما ما تناوله حول بناء الأهرامات في مصر، وللوقوف على الأسباب التي دفعته ليقول ذلك، قامت "عربي بوست" بإجراء مقابلة معه، يوضح فيها رأيه، ويقدم طرحه بما يتعلق بالحضارة المصرية.
أحمد عدلي، مهندس مصري، يقول عن نفسه إنه محب للحضارة المصرية القديمة. بدأ قبل 3 سنوات سلسلة حلقات على موقع "يوتيوب" تحت عنوان "الحضارة المفقودة"، يقدم فيها طرحاً ورؤية خاصة به، مستعرضاً نظريات غربية غير متداولة، نابعة من حبه لأسرار الحضارة في مصر، وفق قوله.
فجر عدلي في تلك السلسلة الكثير من المفاجآت التي مثلت صدمة لبعض جمهوره، الذي تجاوز الآلاف على قناته الخاصة، بسبب نظريات متعلقة بالحضارة المصرية.
بحسب عدلي، فإن الهدف من السلسلة التي يقدمها على قناته "محاولة كشف غموض الحضارة المصرية، من خلال نظريات عدة لباحثين غربيين ومصريين"، موضحاً أنها خرجت للنور في الثلاثين عاماً الأخيرة، وتناولت العديد من التساؤلات التي ظلت على مدار آلاف السنين لغزاً لا يمكن حله.
حاورت "عربي بوست" أحمد عدلي للتعرف أكثر على أفكاره ورؤيته للحضارة المصرية وأسرارها.
إلى نص المقابلة كاملة:
هل أنت مهندس أم باحث أثري؟ وكيف غيّرت اهتمامك من الهندسة للتاريخ؟
أنا في الأساس مهندس كهرباء ونظم تحكم، وما زال هذا هو عملي وتخصصي الأول حتى الآن. أما الآثار والتاريخ فهي هواية مُحببة لنفسي.
إن الآثار والهندسة لا تنفصلان، فما ميّز الحضارة المصرية هي الإنشاءات الهندسية الفريدة في المعابد والأهرامات والمسلات وغيرها، وهو ما جذبني أولاً في الآثار، بسبب أسئلة هندسية محضة، حول كيف قام المصريون القدماء بنحت المسلات، ولماذا كان يجب أن تكون هناك قطعة واحدة وليس أكثر؟ ولماذا بُنِيت أهرامات الجيزة على هذا النسق؟ وهكذا، أسئلة عديدة جرّت بعضها بعضاً، في رحلة شخصية طويلة نسبياً حاولت البحث فيها عن إجابات لأسئلة عديدة، واطلعت على كتب المدارس الأثرية في هذا الشأن، وبالتالي تعرّضت للجانب التاريخي من حضارة مصر.
أين ذهبت الحضارة المصرية برأيك؟
هذا يتوقف على تعريف كلمة الحضارة المصرية، فلو كان المقصود فيها قيام مجتمع متماسك تربطه مجموعة من الأفكار والمعتقدات والتراث ينطلق بها ويقدم منتجات حضارية وإنسانية، فهي ما زالت فينا بدرجة أو بأخرى، وإن أصابها التراجع في كثير من الجوانب، وفقدنا الكثير من القيم الإنسانية على مر آلاف السنين، مثل الإبداع وإتقان العمل، والتناغم مع الطبيعة. لكن استرجاعه أمر ممكن، يحتاج إلى وقت.
أما الإنشاءات والصروح والفلسفة والإنتاج الذي تركه المصريون القدماء، فما زال قائماً، بإمكاننا أن نستلهم منه الكثير.
أعطينا ملخصاً عن رؤيتك للحضارة المصرية القديمة.. ما هي ومن هم شعبها وماذا حدث لهم؟
رؤيتي للحضارة المصرية القديمة أنها عصور طويلة ممتدة، وأقدم من المتعارف عليه، ولا يمكن الحُكم عليها كحقبة واحدة، بل يمكن تقسيمها إلى 5 فترات أو أكثر، وجميعها حقب مصرية خالصة قامت على ضفاف النيل، فهناك ما قبل الأسرات المصرية، ثم الدولة القديمة والوسطى والحديثة والعصر المتأخر.
فحتى الآن لا توجد عندنا إجابة واضحة حول كيف انهارت الدولة القديمة مثلاً، لكن ما قدمته أن عصور ما قبل الأُسَر أكثر ازدهاراً مما يمكن حصره فقط في أوعية فخارية ومبانٍ طينية.
فهناك على حجر باليرمو 6 ملوك يرتدون التاج المزدوج قبل الأسرة الأولى بفترات طويلة جداً، فوجود مصر موحدة معناه وجود حكومة قوية مسيطرة ونظام للحكم، علاوة على 120 ملكاً آخر ضاعت معظم أسماؤهم من الحجر.
لكن القدم الجيولوجي لبعض الآثار مثل أبو الهول ومعابد الجيزة الأوزيريون جعلني أنظر إلى تلك الفترة بشكل مختلف، ونرى ما إذا كان هناك المزيد في تلك الحقبة، خصوصاً أن الأسر كانوا ينظرون إلى حكام تلك الفترة نظرة تقديس خاصة، فلو كانوا مجرد أفراد بسطاء، فما الداعي لنظرة التقديس تلك؟
وبما أن معرفتنا بتلك الفترة قليلة وضئيلة، فيمكن أن يكون قد حدث انقطاع مفاجئ في نقل المعرفة، وهو ما قد حدث بسبب كارثة قضت على الكثير ممن كانوا موجودين، ودُونت بعض تلك الأحداث في البرديات والنقوش، ثم حدث الصعود الحضاري المتدرج مرة أخرى.
وقام ملوك الأُسر بترميم ما سبق، وتقديم إنشاءات ومنحوتات جديدة تُحسب لهم كذلك.
ما ردك على أن تحريك أحجار الهرم الضخمة ممكن بوسائل بدائية بالفعل، وهناك من استشهد بعامل بناء يقدر على تحريك حجارة بالأطنان بوسائل بسيطة جداً؟
عرضنا في حلقة المسلات كيف قام الرومان بنقل مسلات تزن 300 طن وإقامتها في روما، بواسطة السلاسل والروافع الخشبية والعمال.
وعرضنا في حلقة أخرى مجموعة من العمال يسحبون حجراً يزن حوالي 2-3 أطنان على زحافة خشب بالحبال. فتحريك ونقل الحجر ممكن، وكل هذا يُصنف تحت (أدوات بدائية).
ليس تحريك الحجر ما نبحث عنه، لكننا تعرضنا لأسئلة أكثر صعوبة من تلك بكثير، مثل كيف رفعت أحجار الهرم على تلك الارتفاعات الشاهقة؟
فارتفاع الهرم الأكبر كان في الأصل 146 متراً، وأحجار "غرفة الملك" الخمس تحتاج أن تُرفع إلى ما يناهز الـ40 متراً، ويزن بعضها 70 طناً.
التحدي يمثل بسحب الحجر إلى أعلى هضبة الجيزة، ثم رفعه إلى قلب الهرم.
فكرة المنحدر لم تنجح في أي تجربة، سواء تجربة الفريق الياباني (عندما حاول 24 عالماً بناء هرم جديد في الجيزة عام 1978)، أو تجربة فريق مارك لينر (عالم آثار أمريكي حاول تجربة مماثلة). لاحظ أننا نريد عمل ذلك مع حوالي 2.5 مليون قطعة حجر في الهرم الأكبر وحده على أكثر التقديرات شيوعاً.
فإذا افترضنا أن كلام هيرودوت صحيح، وأن الهرم بُني في 20 سنة، فالمطلوب الآن قطع ونقل ورفع حجر في كل دقيقتين.
فيديو العامل الذي يحرك حجارة بالأطنان معروف، وهو فيديو جيد، وفيه جهد، لكن لم أفهم كيف يمكن توظيفه في بناء الأهرامات، ولا أرى أنه يقدم إجابة.
فكرتك تقوم على أن الهرم الأكبر هو وسيلة لتوليد الطاقة، لكنك لم تشرح لنا آلية عمل الأهرامات الأخرى، التي يبدو تركيبها مختلفاً.. ما ردك؟
هي ليست فكرتي، لكنها فكرة كريستوفر دن (مهندس ميكانيكا وتصنيع إنجليزي)، وصدرت في كتاب له في أواخر التسعينيات، وقد ذكر في الفصول الأولى من كتابه لماذا الهرم الأكبر تحديداً، وذلك لأنه أكثر هرم استطعنا أن نحصل منه على معلومات.
فقد حدثت في غرفة الملك قياسات صوتية، وفي غرفة الملكة تحليلات كيميائية، عرفنا منها تركيب الرواسب على الجدران، كما تم إدخال روبوتات في مشاريع عدة إلى فتحات غرفة الملكة، عرفنا بها معلومات أكثر عن الهرم الأكبر.
لكن لم يتكرر السيناريو ذاته في الهرمين الثاني والثالث، بل على العكس، فقد غرق تابوت الهرم الثالث في البحر، وضاع، فلم نعرف عنه شيئاً سوى ما كتبه البريطاني هوارد فايس عنه.
لكن هناك مجهودات فردية من بعض المهتمين على الإنترنت من فيزيائيين ومهندسين وكيميائيين تحاول البحث في اتجاه معرفة وظائف باقي الأهرامات، لكن لا شك أن معرفة آلية عمل الأهرامات ستستغرق وقتاً ليس بالقصير، بحسب المعلومات المتاحة.
هل فعلاً مصر صورة للسماء؟ هناك أناس كثر قاموا بالرد عليك في هذه النقطة تحديداً، وقالوا إن حسابات حزام أوريون وزوايا الميل غير صحيحة، وهناك من قال إن زاوية الحزام منذ 10500 سنة كانت تقترب من 50 درجة، فما ردك؟
نعم مصر صورة السماء، وهي عبارة وردت في المتون الهرمسية، وقد جمعها المتخصص في الفلسفة والعقائد القديمة تيموثي فريك.
ورغم معرفتنا أن المتون الهرمسية (مجموعة كتب حكم يونانية مصرية كتبت ما بين القرنين الثاني والثالث الميلادية وتتناول مواضيع حياتية وفلسفية وتعد أساس الفكر الهرمسي) ظهرت في العصور المتأخرة، لكن لا يتعارض ذلك مع كونها تُشير إلى حقيقة قديمة متداولة، بتطابق هضبة الجيزة بأهراماتها الثلاثة مع نجوم السماء، وأبو الهول مع كوكبة الأسد، ونهر النيل مع مجرة درب التبانة.
أما عن زوايا وحسابات الميل فهي صحيحة، وبالنسبة لرقم 50 درجة، فأنا لست فلكياً، لكن لدينا عقل لنفكر به.
برأيي من يستحضر النقد، عليه كذلك أن يستحضر الرد، فصاحب هذا الرأي هو الفلكي أنتوني فيرال (أستاذ علم الفلك في جامعة كيب تاون في جنوب إفريقيا)، وقد نشره في مقال بعنوان "ظاهرة السبق وتخطيط الأهرامات المصرية القديمة"، وذكر قائلاً: "أظهر تحقيقي الخاص، أنه بينما كان خط الهرمين الأكبر والأصغر على بعد 38 درجة من الشمال، كانت زاوية حزام الجبار إلى الشمال في 10500 قبل الميلاد قريبة من 50 درجة! بالكاد تطابق تام. أنا أحسب أن الحركة الدائرية التمهيدية ستعطي 47 درجة".
ورد عليه روبرت بوفال (مهندس مدني بلجيكي وصاحب النظرية) مرات عدة آخرها في كتاب "جذور أبو الهول"، أن زاوية 38 هي زاوية قاسها العالم الإنجليزي فلندرز بيتري بين الهرم الأكبر والأصغر.
لكنها ليست ما نبحث عنه، فنحن نبحث عن الزاوية بين الهرم الأكبر والأوسط، وهي 45 درجة بالضبط.
فيرال قال في البداية إن الزاوية التي توصل لها هي 47، لكنه عاد مرة أخرى في حوار مع كاتب اسمه أيان لاوتون وغيّر الأرقام، فقال: "زاويتي البالغة 50 درجة هي قيمة مقربة، قمت بقياسها في البداية من جهاز البلانتيريوم (القبة السماوية). الحسابات اللاحقة تفترض وجود حركة مسبقة دائرية تجعلها أقرب إلى 48 درجة، ولكن سيكون هناك دائماً بعض عدم اليقين، بسبب التأثير غير المعروف للانحناء".
إذاً، ففي النهاية رقم 47 أو 48 الذين جرى ذكرهما، قاما على قياسات لا نعرفها، ولا نعرف كيف تم التوصل لهما، فيرال صرح أنه قام بها فقط، لكنها غير واضحة لنا تماماً.
كما أنه قال إنه سيكون هناك دائماً بعض عدم اليقين بسبب الانحناء، فالنقد ليس يقينياً بدرجة كافية لدحض الفكرة.
ما هي خطتك للمرحلة المقبلة.. هل ستستمر في التعرض إلى التاريخ المصري، وطرح رؤى مختلفة عما وعى الناس عليه؟
خطوتي المقبلة ما زالت محل دراسة، لكن ليس الهدف هو طرح عكس ما تربينا عليه على طريقة "خالف تُعرف"، بل طرح رؤية منطقية تستحق المناقشة، وتسليط الضوء على مجموعة من النظريات والأفكار والأطروحات التي لم تُنشر بالشكل الكافي في الوسط الناطق بالعربية.
على الجانب الآخر، هناك أفكار كثيرة مُخالفة لما تعودنا عليه، لكنني غير مقتنع بها كذلك، ولذلك فأنا لا أتطرق لها.
بالنسبة لقناتك على "يوتيوب" هي تظهر غير ربحية، لماذا لم تفعّل الإعلانات فيها؟
لأن الإعلانات تشتت الانتباه والتركيز، فاتخذت قراراً بعدم تفعيلها من أول يوم، حتى يقوم المشاهد بتكرار مشاهد معينة، أو القفز بين الفقرات أو إعادة الحلقات كما يشاء دون قطع أفكاره.
أحياناً يقوم اليوتيوب بفرض تفعيلها، لكن ذلك حدث لفترة قصيرة، والآن جميع فيديوهات السلسلة بلا إعلانات.
هل كان إعداد هذه الفيديوهات أمراً مرهقاً لك؟ وكم يستغرق منك وقت إعدادها؟
استغرقت وقتاً طويلاً، ربما كل ساعة من الفيديو تستغرق 3 أشهر في المتوسط، هذا إلى جانب مهنتي، فأنا لست متفرغاً للفيديوهات.
يتوقف هذا أيضاً على جمع المادة المطلوبة، خصوصاً لو تحدثنا عن نقطة شائكة، وهذا حصل على سبيل المثال عندما تحدثنا عن "حم إيونو" (أحد أمراء الأسرة الرابعة في مصر القديمة)، فلم يزد الحديث عن 5 دقائق، لكن كان خلفها إعداد لحوالي شهرين، من سفر لمتحف مدينة "هيلديسهايم" في ألمانيا، إلى تصوير كل ما يتعلق بالنصوص المكتوبة على التمثال، ونقوش جدران مصطبته، ثم قيام صديقي الأستاذ المترجم عبد الله سالم بترجمة النصوص الهيروغليفية، ثم عرض ما توصلنا له على بعض الأثريين واللغويين لمناقشتها قبل طرحها في الحلقة، وكل ذلك كان يأخذ وقتاً وجهداً طويلاً.
ما هو أكثر موقف صعب مررت به وأنت تقوم بتجهيز الفيديوهات؟
أظن أصعب موقف كان أثناء إعداد حلقة "لماذا بُنيت الأهرامات؟"، لأني كنت متحيراً في كيفية توصيل فكرة الصوت والاهتزاز إلى المشاهد بشكل مبسط، حتى توصلت إلى فكرة الشوكة والكأس وبرنامج الرنين كما ظهرت في الفيديو. وأعتقد أنها كانت مناسبة جداً، لأنها قرّبت الفكرة إلى عقل المشاهد.
كيف ينظر أحمد إلى الهجوم الكبير عليه؟
أمر طبيعي أن أي فكرة مختلفة تواجه هجوماً عليها، لكن ما يعنيني فقط حالياً هو النقد البناء، الذي أحاول به تقوية الفكرة، أو العثور على أدلة جديدة على نقاط معينة.
هل في جزء من الفرضيات التي ذكرتها شعرت أنك تحتاج إلى مراجعتها؟
ربما بعض الأفكار تحتاج إلى مزيد من الشرح والتوضيح، أو مزيد من أدلة الإثبات. لكن حتى الآن لا أرى أن هناك فكرة معينة تم نقدها بحيث نقول إنها خطأ.
وعلى أي حال، فإن اليوتيوب هو مكان جيد لعرض الأفكار، لكن لن يكون مثلاً في قوة الكتاب الذي باستطاعتك فيه الإسهاب والتفصيل. وإذا شعرت بأن هناك جزءاً يحتاج إلى مراجعة أقوم بذلك دورياً.
يرى البعض أن الإرتباط بين الجيزة وأوريون هي فرضية هامشية تدعي وجود علاقة بين تصميم مجمع هرم الجيزة وموقع حزام أوريون أو مجموعة نجمية تُعرف باسم "الجبار"، خلال فترة بناء الأهرامات.