كشف سياسيون ومحللون سودانيون أن إقرار قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بخطأ مشاركته في الانقلاب العسكري على رئيس الحكومة السابق عبد الله حمدوك، يعكس حجم الخلاف بين قوات الدعم والجيش السوداني من جهة، ومحاولته البحث عن شرعية وقوى سياسية مدنية مساعدة له من جهة أخرى، لاسيما أنه يخشى الخروج من المعادلة السياسية.
في خطاب متلفز، الأحد 19 فبراير/شباط 2023، اعترف "حميدتي"، الأحد 19 فبراير/شباط 2023، بخطأ مشاركته في الانقلاب على حمدوك، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وعاد ليؤكد ضرورة إبعاد الجيش عن السياسة والاقتصاد في السودان.
هذا الخطاب يأتي في إطار عدد من الخطابات التي صدرت من حميدتي من أجل التنصل من المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية عن انقلاب 25 أكتوير/تشرين الأول، وفقاً لما قاله الدكتور محمد تورشين، المحلل السياسي السوداني، لـ"عربي بوست"، لافتاً إلى أن قائد قوات الدعم السريع يعد ركناً أساسياً ضمن القوات التي شاركت في الانقلاب والتحضير والتنفيذ له، والشعب السوداني غير مقتنع بهذا الخطاب.
الخلاف بين قوات حميدتي والجيش
كما يعكس الخطاب مدى حجم الخلاف والتقاطعات بين قوات الدعم السريع كمؤسسة، والجيش السوداني، بحسب تورشين، موضحاً أن خطاب حميدتي جاء رداً على خطاب عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، الذي تحدث عن ضرورة دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني ضمن الاتفاق السياسي، من أجل تكوين جيش وطني سوداني موحد.
وأضاف تورشين، أن " خطاب حميدتي يأتي في إطار المناورة السياسية، بحيث إن إدماج قوات الدمج السريع في الجيش أمر به العديد من التحديات، أولها هل "الدعم السريع" كقوات، مؤهلة لأن تصبح جزءاً من المؤسسة العسكرية، "طبعاً لا، لأن حميدتي غير مؤهل وغير مرحب به داخل أروقة المؤسسة العسكرية باعتبار أن هذه الرتبة التي تحصّل عليها في إطار ميليشيا الدعم السريع فقط، وبالتالي فإن هذا سيكون تحدياً كبيراً جداً بين الدعم السريع والمؤسسة العسكرية".
إضافة إلى ذلك، حقق حميدتي مزيداً من المكاسب الاقتصادية من خلال قوات الدعم السريع، فقواته تنقب عن المعادن والذهب في بعض المناطق السودانية، كما تشارك قواته في عاصفة الحزم منذ انطلاقها، وإذا خرج من المعادلة السياسية فستؤول كل هذه الأصول إلى المؤسسة العسكرية، وفقاً تورشين.
البحث عن شرعية
وحسب توقعات تورشين، فإن خطاب حميدتي الغرض منه هو توظيفه من قبل القوى السياسية المدنية التي تعتقد أن الأزمة الحقيقية تتمثل في طموح الجيش المتنامي إلى الاستحواذ والسيطرة على السلطة، لذا فمن المنطق أن تتبناه القوى السياسية؛ حتى يتم إضعاف المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية في السودان.
وتابع تورشين: "إن حديث حميدتي عن الاتفاق الإطاري وتأييده ليس حباً في هذا الاتفاق أو رغبة في أن يشهد السودان انتقالاً مدنياً ديمقراطياً، وإنما هو البحث عن شرعية، لأن هذه الأصوات نفسها التي تدعو إلى هيكلة "الدعم السريع" في الجيش انطلقت قبل التوقيع على الاتفاق أو الوثيقة الدستورية في أغسطس/آب 2019، لكن تواصل حميدتي مع القوى السياسية وقام بشراء النفوس والذمم، وبكل هذه الأمور استطاع أن يحصل على تأييد واعتراف من القوى السياسية".
تقاطع مصالح حميدتي والبرهان
من جانبه، قال صديق عثمان، قيادي في حزب المؤتمر الشعبي، وكاتب ومحلل سياسي سوداني، لـ"عربي بوست"، إن "الخطاب كله يعبر عن تطور ضروري تأخر كثيراً، وهو حتمية المواجهة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهي المواجهة التي كان الرئيس السابق عمر البشير يعمل على الحيلولة دونها وكانت أهم دوافعه لترفيع الفريق البرهان حينها إلى مفتش عام الجيش باعتبار أن البرهان من أقرب ضباط الجيش لقيادة الدعم السريع، وقد ساهمت هذه العلاقة في وقوع الانتقال دون مواجهات".
وتابع عثمان مستدركاً: "لكن غياب الإرادة السياسية لفترة طويلة أدى إلى تقاطع مصالح البرهان وحميدتي، هذا التقاطع تستغله جهات سياسية صغيرة لا تكترث كثيراً لنتائج أي مواجهة قد تحدث".
وأوضح عثمان، أن خيارات حميدتي بالتحالف مع قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي سوف ترتد عليه من داخل جماعته نفسها ، فالحرية والتغيير المركزي تعبر عن مصالح قطاعات حديثة محدودة جداً ومركزية، وفي حقيقة الأمر ليس لديها ما تقدمه لقوات الدعم السريع حتى على سبيل الاحترام والتقدير لدورها، بينما تتقاطع مصالحها مع تيارات أخرى خارج هذا التحالف وفي تحالف الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية.
الاتفاق الإطاري
ووقّع المكون العسكري في السودان، الإثنين 2 ديسمبر/كانون الأول 2022، مع قوى مدنية بارزة، في مقدمتها إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقاً)، اتفاقاً إطارياً لحل الأزمة السياسية في البلاد.
وفي فبراير/شباط، قدمت الآلية الرباعية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية، الخميس، مبادرة لإقناع القوى السودانية غير الموقعة على الاتفاق الإطاري بالانضمام إلى العملية السياسية الجارية لحل الأزمة في البلاد.
وهو الاتفاق الذي لفت محمد حمدان دقلو إلى أنه "وضع أساساً متيناً للمبادئ الرئيسية التي تعيد للمؤسسة العسكرية ما فقدته، لذا فسنمضي فيه بصدق وجدية حتى تتحقق أهدافه كاملة غير منقوصة، فهذا الاتفاق حزمة واحدة يجب أن تنفذ كلها دون تجزئة".
فقد أُعيد العديد من المسؤولين الذين أقيلوا خلال الفترة الانتقالية القصيرة من العام 2019 إلى العام 2021، إلى مناصبهم، بينما جمّدت سلطات الانقلاب المؤسسات التي تمّ إنشاؤها لتفكيك الشبكات التي كانت موجودة خلال عهد البشير، لا سيما في الإدارة.
غير أن المدنيين الذين أُقيلوا بعد الانقلاب، وقّعوا على اتفاق إطار جديد مع السلطة العسكرية في ديسمبر/كانون الأول، من أجل العودة إلى تقاسم السلطة، وهو شرط أساسي لعودة المساعدات الدولية، التي تشكّل 40% من ميزانية حكومة السودان، الذي يعدّ من أفقر دول العالم.
فيما كان رئيس مجلس السيادة قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، قد أطاح بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في انقلاب عسكري أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، بعدما اعتبر الخطوة ضرورية من أجل منع انزلاق البلاد نحو الفوضى.
بينما نفى البرهان صحة اتهامه بتنفيذ انقلاب عسكري، وقال إن إجراءاته تهدف إلى "تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، وتعهد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.