كشف تقرير لصحيفة The Times البريطانية، الأربعاء 15 فبراير/شباط 2023، أن عشرات الجثث مجهولة الهوية من ضحايا الزلزال في سوريا، ربما تبقى مجهولة بالفعل "إلى الأبد"، حيث تضطر الجهات المعنية في شمال غربي سوريا لدفن العديد من الجثث دون أن تتمكن من تحديد هويتها، ودون أن يسأل عنها أحد.
التقرير نقل عن المحامي السوري حسن خولي، الذي اكتشف أنَّ صفوفاً من الجثث مجهولة الهوية تتجمع بمشرحة المستشفى في بلدة جنديرس التابعة لمنطقة عفرين بريف حلب، وماتت عائلات بأكملها معاً، كما يحدث غالباً في الزلازل الليلية، على غرار هذا الزلزال، حيث تنهار المباني بسرعة وبالكامل.
في بلدة جنديرس، معظم السكان الجدد نزحوا من أجزاء أخرى من سوريا، ولم يعرف أحد من هم هذه العائلات، لكن خولي كان عضواً في فرع حلب لجمعية المحامين السوريين الأحرار، وهي منظمة تأسست في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة السورية، حيث طورت الجمعية بروتوكولاً للتعامل مع الجثث مجهولة الهوية التي تُنتشَل من حطام المباني التي دمرتها حملة القصف بالبراميل المتفجرة التي شنها نظام الأسد على المدينة والبلدات المحيطة بها بين عامي 2012 و2016.
أرقامٌ بلا أسماء
وقال خولي وهو يقف بجوار موقع تحاول فيه منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" انتشال مزيد من الجثث من مبنى سُوّي بالأرض: "لقد سألنا الجيران عن هذه العائلات، لكن لا أحد يعرفها"، مضيفاً أنَّ مشرحة البلدة تحتجز 38 جثة بدون أسماء. وقد دفن ما لا يقل عن 12 آخرين دون تحديد هويتهم.
وبالتعاون مع مسؤولي مجلس البلدية، أنشأ خولي سجلاً لتعريف الجثث رقمياً، وأخذ صورة لكل وجه وفيديو لكل جثة، وأرفقها بالسجل، ووضع علامة على الرقم الموجود على الجثة وعلى شاهد القبر المؤقت على القبر؛ حتى يتسنى لأي أقارب يَصلون معرفة مكان أحبائهم.
وقد حقق بالفعل نجاحاً واحداً في مطابقة سجله مع صورة هاتف محمول، أظهرها له رجل جاء يبحث عن عمه.
الحرب أنهكت شمال سوريا
بيد أنَّ الحرب فرضت ضغوطاً لا يمكن تصورها على قدرات شمال سوريا للتعامل مع أسوأ زلزال تشهده المنطقة منذ قرن. في حين أن هناك صعوبة معلنة على نطاق واسع في إيصال المساعدات إلى جيب المعارضة في شمال سوريا، لا سيما تلك التي أرسلتها الأمم المتحدة.
لكن أكبر ضغط يقع على الأشخاص الذين يحاولون التعامل مع الوضع على الأرض، فقد غمر النازحون من أماكن أخرى منطقة الزلزال؛ ربما ثلاثة ملايين شخص أضيفوا إلى ثلاثة ملايين شخص قبل الحرب.
وفي بلدة جنديرس، ومدينة عفرين شمالها، والقرى المحيطة، ارتفع عدد سكان ما قبل الحرب البالغ 250 ألفاً إلى ما يقرب من 700 ألف، وفقاً لمدير قطاع الصحة المحلي، أحمد الحاج حسن.
وعقب الزلزال، تدفق مئات الناجين في غضون ساعات، وقال حسن: "استهلكنا في يوم واحدٍ كمية الدواء التي نستخدمها عادةً في غضون شهر".
معاناة متفاقمة
من جانبه، كان يزن نصر طالب هندسة مراهقاً في الرقة عندما اندلعت الحرب، والآن يبلغ من العمر 30 عاماً، وهو مهندس مؤهل يشغل منصب نائب رئيس المجلس المحلي في جنديرس، ويبدو دائماً على وشك البكاء.
كانت جنديرس- وهي بلدة صغيرة من أصول قديمة، اسمها يوناني- موطناً لنحو 17000 شخص قبل الحرب، لكن الآن صارت موطناً لـ115000 شخص. وتعرضت البلدة لأكبر ضرر من الزلزال من بين المناطق السورية، بتعداد قتلى 1200 شخص حتى الآن.
كان أول شيء فعله نصر عقب زلزال الإثنين 6 فبراير/شباط، هو استخدام مهاراته الهندسية في تركيب الألواح الشمسية لاستعادة شبكة الهاتف والإنترنت التي انهارت، لكن الآن يتمنى لو لم يفعل!
فقد بدأ الوضع يسوء منذ ذلك الحين، وقال إنه لم يستطع النوم؛ لأنَّ مكالمات طلب المساعدة بدأت تنهال على حسابه عبر تطبيق واتساب. ويمضي أيامه في محاولة العثور على خيام للأشخاص الذين دُمِّرَت منازلهم أو كانت غير آمنة للعيش فيها. وحتى يوم الثلاثاء 14 فبراير/شباط، كان مئات الأشخاص لا يزالون ينامون تحت أشجار الزيتون.