كشفت الجمعة الطبية السورية الأمريكية عن نجاة أُم سورية وطفلها بأعجوبة انهار عليها المنزل مرتين؛ الأولى قبل ولادته، والثانية بعدها، بسبب الزلزال المدمِّر الذي وقع في سوريا وتركيا، وأودى بحياة عشرات الآلاف في البلدين، بحسب ما نقله الخميس 16 فبراير/شباط 2023، موقع The Daily Beast الأمريكي.
في المرة الأولى التي أُنقذت فيها "ديما" من تحت أنقاض منزلها المنهار جزئياً في شمال سوريا، كانت لا تزال حاملاً بطفلها، في شهرها السابع.
من حُسن حظها أنها أُخرجت على قيد الحياة، ونُقلت إلى مستشفى في عفرين السورية تديره الجمعية الطبية السورية الأمريكية؛ حيث أنجبت ابنها عدنان الإثنين 13 فبراير/شباط 2023.
بسبب نقص المساعدات التي تتدفق إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، لم يكن أمام ديما وزوجها وعدنان خيار سوى العودة إلى المبنى المدمر، حيث حاولا خلق ملاذٍ دافئ للمولود الجديد.
في مقطع فيديو عن قصتها نشره حساب الجمعية الطبية السورية الأمريكية على "فيسبوك"، قالت ديما: "بعد أن أنجبت، عُدنا إلى المنزل ذاته".
لم تكَد الأسرة تستقر مرة أخرى، حتى ضربت توابع الزلزال المنطقة؛ ما تسبب في مزيد من الانهيار للمبنى، وحصار ديما وطفلها وزوجها تحت الأنقاض للمرة الثانية.
أُنقذت ديما مجدداً، لكنها هذه المرة في حالة حرجة مع إصابات في أسفل ظهرها. وسرعان ما نُقِلت مع الطفل، الذي كان يعاني من الجفاف الشديد واليرقان، إلى المستشفى؛ حيث يمكث الرضيع الآن في حالة حرجة، لكنه يستجيب للعلاج.
علّق طبيب الأطفال الذي يعالج الطفل لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) هذا الأسبوع، قائلاً: "حالة عدنان تحسنت بشكل ملحوظ.. نحن فقط نطعمه ونوفر بقية احتياجاته من خلال القطرات الوريدية".
سُمح لـ"ديما" بالخروج من المستشفى، وهي تعيش مع زوجها الآن في أحد المخيمات مع 9 من بنات وأبناء إخوتها، الذين فقدوا والديهم في الكارثة.
في آخر إحصائية لضحايا الزلزال، فقد لقيَ مصرعه أكثر من 41 ألف شخص في كل من سوريا وتركيا، وتعرض مئات الآلاف لإصابات مختلفة، في حين تعرض عشرات الآلاف للتشرد جرّاء الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة، ووقع الإثنين 6 فبراير/شباط 2023.
من جانبها، أوضحت الجمعية الطبية السورية الأمريكية أن ديما ترتحل إلى المستشفى يومياً لزيارة طفلها وإطعامه رغم إصابتها.
حذرت الجمعية من أنَّ العودة المبكرة إلى الأبنية غير الآمنة يمكن أن تؤدي إلى نتائج "كارثية".
يُذكر أن المساعدات الإغاثية لم تصل إلا بشكل محدود إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا، لا سيما أن غالبية المساعدات التي وصلت إلى سوريا تحت سيطرة النظام السوري الذي اتهمته تقارير إعلامية عدة بسرقتها.
رغم مرور أكثر من 11 يوماً على وقوع زلزال تركيا وسوريا، لا تزال فرق البحث والإنقاذ تعثر على ناجين تحت الأنقاض، من شقيقين خرجا حيَّين بعد 200 ساعة إلى زوجين تم إنقاذهما بعد أكثر من ذلك، ورجل أنقذته ثلاجة وخزانة.
وعلى الرغم من هول الكارثة الطبيعية التي أودت بحياة أكثر من 41 ألف شخص في تركيا وسوريا، وحقيقة أن بروتوكول الإنقاذ الخاص بالزلازل يستبعد وجود ناجين تحت الأنقاض بعد 5 إلى 7 أيام، فإن المعجزات الصغيرة تتوالى في المناطق المنكوبة.
مراكز إيواء مؤقتة
وتعمل المنظمات الإغاثية العاملة في الشمال السوري على تجهيز مراكز إيواء مؤقتة لإيواء المتضررين ومعالجتهم صحياً ونفسياً، لكن توقف الدعم قبيل وقوع الكارثة على معظم الجهات شمال سوريا، فاقم المأساة وأصبحوا عاجزين عن فعل أي شيء ممّا ترك الآلاف في العراء لمواجهة مصيرهم؛ إذ تشير الإحصائيات إلى أن الخدمات المقدمة تقدر بنحو 5% فقط من الاحتياجات، وفق مسؤولين إغاثيين.
وفي السياق، تقول الطبيبة "نور مستو"، وهي طبيبة وعاملة في مشفى "شفق" في مدينة معرة مصرين، إن الزلزال تسبب بوفاة 10 صيادلة وطبيبين، بالإضافة إلى عدد من الكوادر الصحية التمريضية، مؤكدةً أن المستشفيات تعاني من نقص الكوادر الطبية، فضلاً عن نقص في الأسرة، وكذلك التخصصات والجراحة العصبية والجراحة العظمية.
وأكّدت أن المشافي في شمال غربي سوريا بحاجة ماسّة إلى كوادر طبية ومستهلكات طبية عاجلة، ومسكنات الألم وأجهزة العناية المشددة وأسرة مجهزة. مدينة عفرين شمال حلب، إنه منذ بداية عام 2022 تعمل كوادر المنظمة الطبية بشكل تطوعي ضمن منشآتها لتقديم الخدمات الطبية لسكان شمال سوريا، وتزامنت الفترة الماضية مع ارتفاع في عدد القبولات الوافدة لهذه المنشآت بسبب الأمراض الموسمية والانتشار الكبير لمرض التهاب القصيبات الشعري ووجود موجة جديدة من جائحة كورونا، حيث بلغت نسبة الإشغال في هذه المنشآت 100%.
يقول الطبيب "مصطفى خلوف"، العامل في منظمة الأطباء المستقلين: "في أعقاب الزلزال المدمر، بلغت الاحتياجات الطبية مستويات هائلة في شمال غرب سوريا؛ إذ زاد الزلزال من معاناة الكوادر الطبية ومنشآتهم التي ما زالت تكافح من السنوات الأولى للحرب، والتي كانت مليئة قبيل وقوع الكارثة بالمصابين بفيروس (كورونا) الذي اشتدت موجته مع انخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى مرض (الكوليرا)، فكان السؤال الذي حيّر الكثير: كيف تم استيعاب الأرقام الضخمة من المصابين في ظل العواقب الهائلة للزلزال، وكيف ارتقت إلى المستوى المطلوب وساعدت الجرحى وأمّنت أسرّة لهم واعتنت بهم".
ونوّه "خلوف" إلى أن العمل يقتصر في الأماكن الطبية على التدبير الإسعافي للحالات الوافدة فقط، ما جعلنا مكتوفي الأيدي عن معالجة بعض الإصابات الحرجة قليلاً.