تواصل فرق الإنقاذ سباقها مع الزمن في مدينة كهرمان مرعش، حيث وقع الزلزال المدمر بجنوب تركيا، من أجل العثور على ناجين محتملين تحت الأنقاض، إذ يحاول سكان المدينة المدمرة التعلق بالأمل على الرغم من البرد القارس الذي يجعل وجود ناجين محتملين أمراً صعباً.
ورصد تقرير لموقع فرانس 24 الفرنسي حالة الترقب والخوف والقلق وسط بصيص أمل يعيشها الأتراك في انتظار العثور على ناجين محتملين تحت الأنقاض.
تحاول النساء، المترنحات من برودة الجو القارس، التدفئة أمام لهيب نار صغيرة أوقدنها على عجل، وتدثرت بعضهن ببطانيات وألحفة.. وهن في حالة انتظار.. فتيات، وزوجات، وأخوات وأمهات.. من حولهن تنشط الحفارات الكبيرة في العمل وسط حطام الصفائح المعدنية والحوائط الطينية المدمرة؛ فهي في سباق مع الزمن، في كهرمان مرعش، بجنوب شرق تركيا، من أجل العثور على ناجين محتملين.
لم يتبق شيء تقريباً بالقرب من مركز الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 من فبراير/شباط عند الفجر، والذي وصلت حصيلة ضحاياه من القتلى إلى الآن 7000 قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى والمشردين في تركيا وحدها، وفقاً لأرقام وزارة الصحة. فيما بدت المباني وكأنما كنستها حرفياً رياح عنيفة ولَّدَها هذا الزلزال وسط محاولات الرجال المتناثرين في مجموعات صغيرة، العثور أحياناً، باستخدام أياديهم العارية، على ناجين في هذه الأكوام من الخرسانة والخردة المعدنية.
"لم أرَ شيئاً كهذا من قبل في حياتي"
أورهان كوسون، لاجئ عراقي يعيش في كهرمان مرعش، الذي جاء للمشاركة في عمليات الإنقاذ، يقول لموقع فرانس 24 وحوله العديد من الأطفال والعائلات مكومون تحت الأنقاض إنها كارثة بمعنى الكلمة: "لم أرَ شيئاً كهذا من قبل في حياتي".
على الرغم من درجات الحرارة التي تقل عن الصفر المئوي، فإن كوسون يعمل بجد لا نظير له: "لقد سوَّى الزلزال نصف المدينة بالأرض. لقد رأيت بأم عيني أطفالاً يهوون من المباني العالية على الأرض. كان رعباً حقيقياً. أنا أعيش هنا في هذه المنطقة، وكنت أمشي في الشارع عندما رأيت المباني تتمايل يمنة ويسرة".
ومع ذلك، لم يتردد لحظة هذا الرجل الأربعيني ذو اللحية السوداء في مد يد العون. "شرعت في مساعدة الناس وأنقذت بالفعل 15 شخصاً؛ لكن الأمر كان في غاية الصعوبة لبقية الضحايا. نحن بحاجة إلى مساعدات إنسانية ومجموعات كبيرة من المتطوعين لنجدتنا. فالمدينة واسعة للغاية. وهناك العديد من الأحياء المتضررة"، يقول بإصرار واضح أورهان الذي فر من الحرب في العراق.
فجأة، قام بعض الرجال الذين كانوا يعملون على سطح مبنى مدمر، على الجانب الآخر من الأرض الموحلة، بإنزال ما تبقى من السطح الأردوازي الأحمر المموج.
ونزلوا وهم يحملون بطانية تتدلى منها أقدام أحد الضحايا. يضعون النقالة المؤقتة على الأرض، على بعد أمتار قليلة من المكان، ويغطونها بملاءة بيضاء. بعد بضع دقائق، يضعون بجانبها واحدة أخرى.
وعلى الرغم من تصميمهم الواضح على إنقاذ الضحايا، فهم حتى الآن لم يقوموا إلا بإخراج جثث عدة أفراد من العائلة نفسها من تحت أنقاض شقتهم. ثم سمعنا صرخة مدوية، مليئة بألم يجمد الدماء في العروق، كانت صرخة امرأة رفعت لتوها الملاءات البيضاء عن بعض الضحايا، راكعة أمام الجثث التي تعرفت فيها على أفراد عائلتها. في هذا المكان، تم العثور على 18 جثة اليوم فقط.
خارجة من تحت الأنقاض
عمال الإنقاذ يرفضون الاستسلام فعلى الرغم من البرد القارس ودرجات الحرارة التي تواصل هبوطها، يواصلون التحقق من كل المباني مبنى مبنى، فيما يصرخ أحد المنقذين بصوت عالٍ: "هل هناك من أحد يسمعني هنا؟"، الذي ثبت سماعة صوت فوق رأسه. وتحت الأنقاض، يلتقط صوتاً ضعيفاَ، يحرك الرجل الميكروفون في يده داسّاً إياه سنتيمتراً تلو الآخر في بحثه اليائس عن صدى الصوت.
مع حلول الليل سريعاً على كهرمان مرعش، يضاعف رجال الإنقاذ من مجهوداتهم. هم بحاجة ماسة إلى أغطية. فبعد ساعات من العمل الشاق ولكن الدقيق، تمكنوا أخيراً من انتشال امرأة لم يتعرفوا عليها إلا من صوتها فقط. وهنا أضاء وجه أورهان كوسون.. فقد حدثت المعجزة.. مغطاة بالغبار، يضعونها سريعاً على نقالة برتقالية.. صراخ ودموع… فرحاً هذه المرة. صراخ أخيها وزوجها اللذين كانا يترقبان إنقاذها وملؤهما الخوف.. محاطين بكل هؤلاء الجيران الذين جاءوا لتخليد هذه اللحظة بهواتفهم الذكية. فكل شخص يتم إنقاذه يتجدد الأمل، مهما كان ضئيلاً، بإنقاذ آلاف العائلات الأخرى.
بيد أن لم الشمل يتعين عليه الانتظار قليلاً. فعلى سيارة الإسعاف نقل المرأة التي تم إنقاذها بمعجزة إلى أقرب مستشفى. وصفير سيارة الإسعاف القادمة لنقلها يضخمه حفل أبواق سيارات الطوارئ الأخرى التي يتردد صداها في جميع أنحاء المدينة.
وضرب زلزال، فجر الإثنين، جنوبي تركيا وشمالي سوريا، بلغت قوته 7.7 درجة، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجة ومئات الهزات الارتدادية العنيفة، ما خلف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين.