يروي ناجون من الزلزال المُدمر، الذي ضرب تركيا وسوريا، أهوال اللحظات العصيبة التي عاشوها، وينتظر كثير من الناجين معرفة مصير أفراد عائلاتهم المفقودين، والموجودين تحت أنقاض المباني المدمَّرة، فيما تتواصل أعداد الضحايا في البلدين بالازدياد بشكل سريع، وسط استمرار عمل فرق الإنقاذ، وسط ظروف صعبة.
إحدى المدن التي تعرضت للدمار بسبب الزلزال، مدينة شانلي أورفا التاريخية، الواقعة جنوب شرقي تركيا، والتي كانت تعج سابقاً بالحركة، ومن بين الناجين فيها عمر الجنيد، الذي قال وهو يقف وسط الفوضى في مدينة شانلي أورفا الممزقة: "هناك عائلة أعرفها تحت الأنقاض".
أشار الجنيد إلى أن صديقه لا يجيب على الهاتف، آملاً رغم المستحيل في حدوث معجزة، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، 7 فبراير/ شباط 2023.
من حول الجنيد، حاول عشرات الأشخاص رفع كتل ضخمة من الحطام الخرساني، مُسلّطين آذانهم بإلحاح لالتقاط أية إشارات عن حياة، وأخذ رجال الإنقاذ فترات توقف منتظمة صامتة، ينظرون إلى الأنقاض، يملؤهم مزيجٌ من الإرهاق والألم والأمل.
أكد الجنيد أنه سيبقى هو وأصدقاؤه في موقع المبنى المنهار طوال الليل، بغض النظر عن الثلوج والمطر والإرهاق.
بدا المشهد مخيفاً في شانلي أورفا، فعلى الطريق زحف تيار من السيارات شمالاً إلى خارج المدينة، آخذاً السكان المصابين بصدمات نفسية، بعيداً عن مسرح أقوى زلزال تشهده تركيا منذ عقود.
في مكان قريب، سارت عائلة في حالة ذهول تحت المطر، والجو شديد البرودة، ومتعلقاتهم مكدسة في عربة أطفال، بحثاً عن ملجأ لقضاء الليل فيه.
أدت الكارثة إلى سقوط آلاف المباني في البلدين، وإصابة عشرات الآلاف، وترك عددٍ غير معروف محاصرين تحت الأنقاض، وقالت الصحيفة البريطانية إن حجم الكارثة الضخم ساحق.
في أحد شوارع شانلي أورفا الرئيسية، بحث العشرات من رجال الإنقاذ عن ناجين بين أنقاض ما كان ذات يوم مبنى مكوناً من سبعة طوابق، لكن تحول في لحظة إلى أكوام من التراب والحطام.
وفي مدينة أضنة، على بعد أكثر من 350 كيلومتراً إلى الغرب، أمضى عمال الإنقاذ والمدنيون الأتراك، يوم الإثنين 6 فبراير/شباط 2023، يمررون إلى بعضهم قطعاً من الخرسانة والسلع المنزلية عبر جبال من الأنقاض، لنقل أطنان من الحطام يدوياً،؟ في بحث يائس عن ناجين، صرخ رجال الإنقاذ وسط الأنقاض: "هل يسمعني أحد؟".
بدا الوضع مشابهاً في محافظة كهرمان مرعش في تركيا، بؤرة الزلزال، وهناك استخدم نحو 20 شخصاً، بعضهم يرتدي سترات الإنقاذ لحالات الطوارئ، مناشير كهربائية لشقّ مساحة تسمح لأي ناجٍ بالخروج منها أو إنقاذهم.
في وقت لاحق، انضم المُنَقِّبون إلى جهود الإنقاذ، بينما أضاءت مصابيح ساطعة موقع الحطام، وفي أماكن أخرى بالمحافظة انتشل رجال الإنقاذ طفلين حيّين من تحت الأنقاض، وأسكت رجال الإنقاذ حشودَ الأشخاص الذين يحاولون المساعدة، حتى يتمكنوا من سماع الناجين وهم يطلبون المساعدة، وتحديد أماكنهم.
الوضع مأساوي في سوريا
في سوريا لا تزال فرق الإنقاذ تعمل على انتشال الضحايا، والبحث عن ناجين تحت الأنقاض، ففي إدلب، شمال غربي سوريا، قال الصحفي محمد قزموز، لصحيفة The Guardian، إنه فرّ مع أسرته في ظلمة ما قبل الفجر، حين هزّ الزلزال المدينة.
أضاف قرموز: "شاهدنا مبنى ينهار بكل من بداخله، وكان قد تعرض في السابق لقصف القوات الحكومية الروسية والسورية خلال الحرب".
أمضى قرموز 12 ساعة مع أعضاء منظمة الخوذ البيضاء السورية التطوعية الإنسانية؛ للمساعدة في انتشال جثث الرجال والنساء والأطفال من المباني المنهارة في حيه، ووصف قرموز تبعات الزلزال "وكأنها نهاية العالم".
لفت قرموز إلى أن مدينته، التي عانت من سنوات الحرب والجفاف والجوع على نطاق واسع، لا يمكنها ببساطة مواجهة هذه الكارثة الأخيرة، مشيراً أيضاً إلى أن الخدمات ضعيفة بالفعل، بما في ذلك "خدمات الصحة والطوارئ، وقد تجاوزت طاقتها في هذه المرحلة، لدرجة أنها غير قادرة على مواكبة عدد القتلى والجرحى والتعامل مع كارثة بهذا الحجم".
أكد قرموز أن "معظم المستشفيات والمراكز الطبية لم تعد قادرة على استقبال المزيد من المرضى؛ بسبب العدد الهائل من القتلى والجرحى".
ناجٍ آخر في سوريا، يُدعى أسامة عبد الحميد، قال إنَّ عائلته كانت نائمة عندما بدأ الزلزال، وأضاف: "انهارت الجدران فوقنا، وبدأ ابني بالصراخ وتجمّع الناس حولنا، وعلموا بوجود ناجين، وأخرجونا من تحت الأنقاض".
رفع السكان أنقاض منازلهم السابقة وأخرجوا العائلة، لكن رغم الجهود المحمومة والمرهقة التي يبذلها رجال الإنقاذ فإنَّ عدد القتلى سيرتفع أكثر وأكثر.
في أحد المشاهد، التي ترمز إلى المعاناة التي تجتاح المنطقة، حمل رجل فتاةً ميتةً بين ذراعيه بجانب مبنى خرساني منهار من طابقين، بينما كان يسير بعيداً عن الأنقاض، ثم لفّ هو وامرأة جسد الفتاة في بطانية كبيرة، ووضعاها على الأرض تحت غطاء، لحمايتها من المطر.