تبذل فرق الإنقاذ والطواقم الطبية والدفاع المدني السورية، التي يطلق عليها اسم "الخوذ البيضاء"، إلى جانب متطوعين مدنيين، أقصى جهودها دون توقف لإنقاذ المتضررين من الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، فجر الإثنين 6 فبراير/شباط.
وتعاني هذه الفرق من ظروف عمل صعبة، نتيجة حجم الفاجعة واتساع نطاق الأضرار، وسط ظروف مناخية صعبة للغاية ونقص الإمدادات، بالإضافة إلى عامل الوقت، في محاولة للبحث عن ناجين تحت أنقاض مئات المباني والتجمعات السكنية المدمَّرة في عدد من المدن في مناطق ريف إدلب.
وتسبَّب الزلزال الذي ضرب مناطق إدلب وريف حلب ومناطق أخرى في سوريا، بقوة 7.7 درجة، في وفاة ما يقرب من 1444 شخصاً، بينهم مئات الأطفال حتى الآن. فيما بلغ عدد الجرحى حوالي 3150 جريحاً، في أحدث حصيلة لأعداد الضحايا بعد حدوث الزلزال، حتى وقت كتابة هذا التقرير.
بداية عمليات الإنقاذ
في الحي الغربي من مدينة سرمدا (30 كيلومتراً شمال إدلب)، يواصل نحو 50 متطوعاً في منظمة "الدفاع المدني السوري" أعمالهم دون كلل أو ملل، للبحث عن ناجين، ضمن كومة من الكتل الخرسانية والأعمدة المدمرة والطوب، كانت قبل لحظات قليلة من وقوع الزلزال الذي ضرب شمال غربي سوريا، تجمعاً سكنياً يضم نحو 50 شقة سكنية، كلها انهارت على رؤوس أصحابها.
بدا على أحمد، المتطوع في صفوف الدفاع المدني السوري، التعب الشديد، بعدما سنحت له الفرصة لأخذ قسط من الراحة وتناول قطعة من الخبز، بعد عمل متواصل استمر لأكثر من 24 ساعة دون توقف، وهو يبحث ورفاقه عن ناجين عالقين تحت أنقاض التجمع السكني الذي دمّره الزلزال.
وقال في حديثه لـ"عربي بوست"، إنه في الساعة الرابعة والنصف فجر الإثنين، وعقب وقوع الزلزال بدقائق قليلة، لبّى ورفاقه نداءَ استغاثة من المواطنين، بعد انهيار عدد من الأبنية السكنية في مدينة سرمدا.
هرع أحمد وفريق الإغاثة إلى المكان، مصطحبين معهم المعاول والجرافات اليدوية، وبدأوا على الفور في عملية الحفر، قبل أن ينضم إليهم فريق آخر برفقته آليات ثقيلة وحفارات، ليبدأوا جميعاً العمل بالبحث بين الأنقاض عن أطفال ونساء ورجال مازالوا على قيد الحياة.
وأوضح أنه خلال الساعة الأولى في عملية إزالة الكتل الخرسانية الكبيرة من على سطح الركام، عثر ورفاقه على 3 أطفال وأمهم، كانوا يلفظون أنفاسهم الأخيرة، وقاموا بإخراجهم من تحت الركام، وإنقاذهم.
"شعرنا جميعاً حينها بفرحة كبيرة، لأننا حققنا نجاحاً أولياً في إنقاذ 4 أرواح دفعة واحدة"، على حد قوله. لكن بدأ يتسلل إلى قلبهم الحزن والإحباط عندما عثروا في واحدة من زوايا المكان المدمر على أب يُمسك بيد ابنه الذي لا يتجاوز عمره 4 سنوات، يغطيهم الغبار والحجارة، كانا قد فارقا الحياة.
كان هذا المشهد بالنسبة له أمراً مفجعاً، إلا أن واجبه الإنساني تجاه الأبرياء دفعه إلى مواصلة العمل مع رفاقه، بالرغم من العاصفة المطرية الشديدة التي بلّلت ثيابه كثيراً أثناء عمله، الذي تواصل لأكثر من 24 ساعة دون توقف.
لا يعرف مصير أسرته
حسام، هو متطوع آخر في الدفاع المدني السوري، لا يعلم شيئاً عن مصير أسرته التي تعيش في منطقة بعيدة عن مكان عمله حتى الآن.
يواصل الشاب العشريني عمله دون توقف، بقص حديد البناء في المبنى الذي انهار جراء الزلزال في مدينة الدانا شمالي إدلب، ليسهل على أفراد الفريق الدخول إلى أعماق المبنى للبحث عن ناجين.
يقول "لدي 3 أطفال وزوجة، وبسبب انقطاع الكهرباء بعد وقوع الزلزال لا أعلم عنهم شيئاً حتى الآن، هذا أمر مقلق، لكن ما يواسيني هو أنني أقوم بإنقاذ الأطفال الآخرين من تحت الركام، حتى يتلطف الله بأسرتي إن حصل لهم أي مكروه كهذا وأنا بعيد عنهم، ويرسل من ينقذهم".
الوقت بدأ بالنفاد وفرص النجاة تتضاءل
وقال منير المصطفى، نائب مدير الدفاع المدني السوري للشؤون الإنسانية في شمالي سوريا، إنه منذ أكثر من 24 ساعة تُواصل فرق الدفاع المدني السورية (الخوذ البيضاء)، والطواقم الطبية والإسعافية، العمل بأقصى طاقة وجهد، في البحث عن ناجين بين الأنقاض، وانتشال الجثث من تحت المباني المُهدّمة.
وأوضح أن الزلزال تسبب في انهيار ما يقارب 700 مبنى، لا يزال تحتها آلاف المدنيين، لا أحد يعرف مصيرهم حتى الآن، في مدن سرمدا والدانا وجسر الشغور وسلقين وحارم وكفرتخاريم وزردنا ورام حمدان بريف إدلب، إضافة إلى مناطق أعزاز والباب وعفرين وجنديرس شمالي حلب.
وأضاف: "تشهد مناطق شمال غربي سوريا (إدلب وريف حلب الشمالي) حالياً، وضعاً كارثياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ نظراً لحجم الدمار الهائل للمباني السكنية، جراء الزلزال المدمر".
وذكر أن فرق الدفاع المدني انتشلت حتى الآن 733 جثة، وأنقذت ما يقرب من 2100 جريح.
في الوقت ذاته، تواجه فرق الدفاع المدني صعوبة بالغة في مواصلة عمليات الإنقاذ والبحث عن ناجين من تحت الركام، بسبب تراجع كميات الوقود للآليات، والحاجة للآليات الثقيلة، لاسيما أن المنطقة لا تزال تشهد هزات ارتدادية تُشكل خطراً على فرق الإنقاذ، تزامناً مع عاصفة مطرية غزيرة على المنطقة، تعيق عمل الفرق.
وحذّر قائلاً "يجب على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية الدولية الإسراع في تقديم الدعم اللازم لإكمال عمل فرق الإنقاذ، لاستخراج العالقين من تحت الأنقاض والمباني المدمَّرة، مع بدء نفاد الوقت وتضاؤل فرص نجاة العالقين (الأحياء)، الأمر الذي قد يضاعف أعداد الوفيات".
من جانبه قال محمد الحسن، في مجلس إدلب المحلي، إنه رغم توجيه إدارة منظمة الدفاع المدني السوري كل فرقها، التي تُقدر بحوالي 900 عنصر، بالإضافة إلى آلياتها من المناطق الباردة باتجاه المناطق التي تشهد دماراً كبيراً في الأبنية السكنية بسبب الزلزال، وإعلانها الاستنفار الكامل، فإن الاستجابة لحجم الكارثة ضعيفة جداً.
فرق الدفاع المدني تعاني خسائر أيضاً
وأرجع ذلك لمحدودية إمكانات المنظمة مادياً وآلياً، حيث تضررت عشرات التركسات والشاحنات أثناء عمليات الإنقاذ، ولكن لم يجرِ إصلاحها بشكل فوري، بسبب ضعف الإمكانات المادية، وهذا الأمر بالطبع سينعكس سلباً على سير عمل فرق الدفاع المدني في عمليات الإنقاذ، وبالتالي سيهدد حياة من لا يزال حياً تحت الأنقاض وبانتظار من ينقذه قبل فوات الأوان.
"لذلك يتعين على المجتمع الدولي مد يد المساعدة للسوريين في هذه المحنة والكارثة التي حلت بنا، بأسرع وقت ممكن، لتقليل عدد الوفيات، وإنقاذ أكبر عدد من العالقين تحت الأنقاض"، على حد تعبيره.
ولفت قائلاً "لا ننتظر كسوريين الآن من تركيا أي مساعدة، لأن الكارثة والمصيبة واحدة، وهي بحاجة الآن إلى من يقف إلى جانبها ويقدم يد المساعدة الإنسانية لها لتتجاوز محنتها والكارثة التي حلت عليها أيضاً، فالولايات الجنوبية في تركيا وحجم الأضرار فيها جراء الزلزال المدمر، لا تقل عن حجم الأضرار التي وقعت في مدن الشمال السوري".
وتحدّث ناشطون أنه إذا لم يسارع المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية الدولية إلى تقديم المساعدات للسوريين، لدعم عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض في غضون أيام قليلة، وإيواء السكان المتضررين، سنكون أمام كارثة رهيبة، قد تفوق بحجمها وتبعاتها كارثة الزلزال، وقد يصل عدد العالقين إلى أكثر من ربع مليون نسمة، ومثلهم يعيشون الآن في العراء وداخل السيارات، بعيداً عن منازلهم التي تهدمت أو تصدعت بفعل الزلزال، وقد تسقط أمام أي هزة ارتدادية.