لجأ البنك المركزي المغربي للمرة الثانية خلال هذه السنة المشرفة على نهايتها إلى آلية رفع سعر الفائدة الرئيسي، لتفادي عدم تثبيت توقعات التضخم، وتسهيل عودة التضخم إلى نسب تنسجم مع هدف استقرار الأسعار.
في هذا الحوار، يوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة في المغرب، عبد الرحمن الصديقي لـ"عربي بوست"، معنى التضخم في الحالة المغربية، ومن المستفيد والمتضرر من رفع سعر الفائدة.
للمرة الثانية هذا العام، رفع البنك المركزي المغربي سعر الفائدة بـ2.5%.. ما هي الأسباب التي دفعت المركزي المغربي للجوء لهذه الآلية؟
بالفعل تدخل البنك المركزي للمرة الثانية للرفع من معدل الخصم أو معدل الفائدة خلال تزويدها لبنوك الدرجة الثانية (هي البنوك التي تتعامل مع الزبائن في مقابل البنك المركزي) بالسيولة النقدية، بالنظر إلى أن ظاهرة التضخم ما زالت في ارتفاع.
هل يمكن أن توضح قليلاً، ماذا يُقصد بالتضخم خصوصاً في حالتنا المغربية؟
التضخم مرض يُصيب العملة ويفقدها قيمتها الشرائية، أو بعبارة أخرى، هو الزيادة العامة والشاملة للأسعار.. فهذه الأسعار تزداد في جميع المنتوجات بدون استثناء.
ويحدث التضخم عن طريق العرض، عندما ترتفع تكاليف الإنتاج وهو الموجود عندنا حالياً، باعتبار المغرب عرف مرحلة جفاف العام الماضي، وقبله شهدت البلاد جائحة كورونا، وبذلك قلَّت المنتجات، علاوة على ارتفاع أسعار البترول.
هذا كله في الوقت الذي نجد فيه الكتلة النقدية ما زالت توجد في مستوى مرتفع من الرواج على المستوى الوطني.
لهذا يحاول بنك المغرب تيسير عملية تبادل المنتوجات، إذ إنه عندما يكون الإنتاج مرتفعاً يقوم برفع الكتلة النقدية الرائجة لتسهيل عملية التبادل، غير أنه عندما ينخفض الإنتاج مع الإبقاء على رواج العملة، يحدث ارتفاع في مستوى الكتلة النقدية وقلة المنتوج، ما يسبب في ارتفاع الأسعار كما هو الوضع حالياً في المملكة.
لهذا، يرفع البنك المركزي معدل الفائدة، والبنوك التي تتزود بالسيولة من هذا البنك المركزي ترفع هي الأخرى نسب الفائدة عندما تمنح القروض لزبائنها، وبالتالي لن يتشجع الكثير على الاقتراض، أو في أحسن الأحوال يقترضون مبالغ قليلة، وهو ما سيخفض من الكتلة الرائجة في السوق بطريقة أوتوماتيكية.
وبالتالي رأى البنك المركزي للمرة الثانية رفع سعر الفائدة، بغرض التقليل من عدد القروض الممنوحة، الشيء الذي يؤدي مباشرة إلى خفض الكتلة النقدية الرائجة في السوق. وعندما تنخفض السيولة النقدية، سوف ينخفض الطلب على المنتجات، ومن ثمَّ ستنخفض أثمانها وأسعارها.
إذاً هل يمكن لرفع سعر الفائدة الذي يقوم به بنك المغرب من أن يحاصر الضغوط التضخمية في حالتنا المغربية؟
على المستوى العملي والواقعي في حالتنا المغربية، لا يجب التفاؤل كثيراً بهذه الآلية المرتبطة بالرفع من سعر الفائدة؛ بالنظر إلى أن ما يزيد على 40% من اقتصادنا هو غير مهيكل، إذ لا يتم دائماً التزود بالسيولة عبر البنوك.
لذلك فأمل المغرب الوحيد هو التساقطات المطرية، أكثر من رفع معدل الفائدة لحصر الكتلة النقدية، على أساس أن التساقطات المطرية ستعطينا موسماً فلاحياً جيداً يوفر مادة أولية بأثمان منخفضة.
وبالتالي إذا خفضت أثمان المواد الأولية، بموازاة انخفاض أسعار المحروقات، سوف ينخفض بالتأكيد الغلاء الموجود حالياً في المملكة.
وشخصياً أعتبر هذه الإجراءات التي قام بها بنك المغرب لن ينتظر منها الشيء الكثير، وإن كنت متشائماً قليلاً من ناحية أخرى؛ لأن ارتفاع معدل الفائدة سيحصر عملية الاستثمار في المغرب.
التضخم له وجهان كما يبدو؛ الأول دولي مستورد، والثاني محلي.. ما هي تجلياته؟ ومَن هم المستفيدون من ذلك؟
نعم هناك ما هو مستورد وما هو محلي في التضخم.. الجفاف في المغرب ساهم في ارتفاع الأسعار، بالنظر إلى الانخفاض الكبير في إنتاج الحبوب، ولذلك من الطبيعي أن ترتفع أسعار هذه المواد، وقِس على ذلك ما يتعلق بالخضر ومنتوجات أخرى محلية.
ما هو مستورد في التضخم، يرتبط أولاً بالبترول بفعل أزمة الحرب الروسية – الأوكرانية التي خفضت من عرض المواد البترولية والغاز، وثانياً بالحسابات الجيوسياسية المرتبطة بالدولار. لهذا فمجموعة من مبيعات البترول والغاز تمت بالروبل الروسي، وهي سابقة في حد ذاتها.
ولا ننسَ أننا نستورد البترول والمحروقات بالدولار، ولذلك نؤدي أثمان هذه المحروقات بسعر مرتفع نسبياً.
ويستفيد من هذا الوضع المضاربون في السوق، لكن استفادتهم تكون على المدى القصير والمتوسط وليس على المدى البعيد.
ما هي تداعيات رفع سعر الفائدة التي عمل بها البنك المركزي على الاقتصاد الوطني؟
كل التخوف من توقف عجلة الاستثمار، خاصة أن الاقتصاد المغربي يعول عليها كثيراً للخروج من تداعيات جائحة كوفيد. ولذلك الحكومة الحالية، بعد توجيهات العاهل المغربي الملك محمد السادس، ستضخ ما يزيد عن 500 مليار درهم خلال خمس سنوات لخلق فرص الشغل التي تعتبر غنى حقيقياً.
غير أنه إذا ارتفع سعر الفائدة سيخفض هامش الربح، الشيء الذي يجعل عملية الاستثمار في حد ذاتها غير مجدية. وبالتالي إذا توقف الاستثمار سيتوقف خلق مناصب الشغل، وهو ما سينعكس على مشروع التغطية الاجتماعية الذي انخرط فيه المغرب، وستتقلص الأجور الموزعة، وتتوقف عملية توزيع الثروة، إلى غير ذلك من مظاهر الأزمة.
ماذا عن العملة المغربية الدرهم أمام اليورو والدولار، هل يؤثر رفع سعر الفائدة على العملة الوطنية؟
رفع سعر الفائدة لا يؤثر على قيمة الدرهم.. ما يرفع ويُخفض قيمة العملة مقارنة بالعملات الخارجية، هو الثقة التي يمنحها المستثمرون لهذا البلد، وكذلك لعملتها النقدية. فإذا ارتفعت قيمة الدرهم أمام اليورو أو الدولار، فهذا يعني أن المستثمرين أصحاب عملة اليورو أو الدولار وضعوا ثقتهم في المملكة والإصلاحات الهيكلية والبنيوية التي نهجتها بلادنا.. إذاً الثقة هي أساس ارتفاع قيمة العملة.
هل تعتقد أن آلية رفع سعر الفائدة سيلجأ إليها البنك المركزي مرات أخرى، بالنظر إلى أنه يرتقب أن يتطور التضخم ويستمر في مستويات مرتفعة لفترة أطول؟
طبعاً إذا استمر التضخم فسيقوم البنك المركزي برفع سعر الفائدة. لكن إذا قام بنك المغرب برفع سعر الفائدة كثيراً فسيوقف عجلة الاقتصاد.. لهذا لا أظن أن البنك المركزي سيلجأ إلى هذه الآلية.
نأمل أن تشهد بلادنا مزيداً من التساقطات، وأن تمضي أسعار البترول في الانخفاض، وقيمة الدولار في انخفاض كذلك؛ وهي كلها مؤشرات تسير في اتجاه جيد.