قالت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية في تقرير نشرته، الثلاثاء 27 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن تايوان قررت تمديد فترة الخدمة العسكرية الإلزامية لمواطنيها الذكور، بعد أن كان الأمر من المحرمات السياسية في السابق. حيث تحولت الخدمة الإلزامية إلى ضرورة حتمية في مواجهة التعديات الصينية المتنامية، واشتداد المنافسة بين واشنطن وبكين.
حيث ستزيد فترة الخدمة العسكرية من أربعة أشهر إلى عامٍ كامل بدايةً من 2024، وذلك فقاً لتصريحات الرئيسة تساي إنغ-ون الثلاثاء 27 ديسمبر/كانون الأول 2022.
قرار بالغ الصعوبة
أوضحت الرئيسة التايوانية: "كان هذا القرار بالغ الصعوبة. لكن السلام يعتمد على الدفاع الوطني، والدفاع الوطني يعتمد على الشعب بأكمله".
في حين قالت الزعيمة التايوانية إن أجر المجندين (الذي يبلغ 212 دولاراً/شهر) سيرتفع ليساوي الحد الأدنى للأجور، والذي من المقرر أن يصل إلى 856 دولاراً/شهر خلال عام 2024. كما سيجري تكثيف التدريبات حتى تشمل تعليمات استخدام صواريخ جافلن المضادة للدبابات والطائرات المسيرة.
جاء القرار نتاجاً لعامين من النقاشات بحسب تساي. إذ يوصي المحللون العسكريون الأمريكيون تايبيه بإعادة النظر في مسألة تمديد فترة التجنيد منذ وقتٍ طويل، وذلك تحسباً لوقوع غزوٍ صيني. لكن مناقشة الأمر تسارعت في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي رآه البعض في تايوان بمثابة جرس إنذار.
ضغوط أمريكية على تايوان
في المقابل، نفت تساي أن يكون الضغط الأمريكي قد لعب دوراً في قرار التجنيد النهائي، لكنها أقرت بوجود اهتمام عالمي بمدى استعداد الجزيرة للدفاع عن نفسها ضد العدوان الصيني.
أردفت تساي: "أعتقد أن جميع دول العالم التي يهمها أمر تايوان ستلاحظ مدى الأهمية التي نوليها للدفاع عن أنفسنا".
يُذكر أن تايوان تُجنّد نحو 80 ألف تايواني جديد كل عام. وبعد إنهاء التدريبات، ينضم المجندون إلى قوات الجزيرة الاحتياطية التي تتجاوز المليوني جندي. بينما تمتلك تايوان جيشاً دائماً قوامه نحو 180 ألف جندي، مقارنةً بنحو مليوني جندي في الجيش الصيني.
في حين أن تايوان كانت تُلزم مواطنيها الذكور بإتمام نحو عامين من الخدمة العسكرية في السابق، وذلك على خلفية مواجهتها مع جيش التحرير الشعبي الصيني في زمن الحرب الأهلية الصينية.
لكن سكان تايوان بدأوا يرون في التجنيد عبئاً عفا عليه الزمن ومضيعةً للوقت. ولهذا قصّرت تايبيه طول فترة الخدمة الإلزامية تدريجياً خلال القرن الـ21، وذلك ضمن خطةٍ تستهدف الانتقال إلى بناء جيش كامل من المتطوعين.
بيد أن صعوبة تجنيد الجنود كانت تعني أن التجنيد الإجباري لم يختف من الوجود تماماً. وفي تلك الأثناء، ارتفعت التوترات داخل مضيق تايوان الفاصل بين الجزيرة وبين بر الصين الرئيسي، مما أثار التساؤلات حول مدى قدرة الجزيرة على الدفاع عن نفسها ضد أي هجومٍ صيني.
تحقيق الحلم الصيني
بينما أعلن الزعيم الصيني شي جين بينغ أن السيطرة على تايوان -بالقوة إن لزم الأمر- تُعَدُّ ركيزةً أساسية من ركائز تحقيق "الحلم الصيني" بإعادة الإحياء الوطني. حيث شعر بقلق متزايد في السنوات الأخيرة نتيجة سعي تساي لإقامة علاقات أوثق مع واشنطن.
لا شك أن الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 أثار قلق العديدين في تايوان، ومنح ثقلاً جديداً لتوصيات المسؤولين العسكريين الأمريكيين حول حاجة الجزيرة لتعزيز دفاعاتها. وقالت تساي إن تايوان لاحظت عزم الشعب الأوكراني على الدفاع عن أرضه، ومستويات تدريب القوات الأوكرانية. وأردفت أن ذلك المزيج "منح العالم الوقت الكافي لتوفير الدعم الذي تحتاجه أوكرانيا".
في المقابل، تُعَدُّ مسألة ضعف تجهيزات المجندين وقوات الاحتياط من أكثر المخاوف العسكرية إلحاحاً في تايوان، وذلك بحسب المسؤولين العسكريين والخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين. إذ انتقدوا جودة التدريبات الأساسية التايوانية، مع تصريح عدد من الجنود السابقين بأنهم قضوا وقتاً طويلاً من فترة خدمتهم في كنس أوراق الشجر ونقل الإطارات الاحتياطية وإزالة الأعشاب الضارة.
أوضحت تساي: "نحتاج لجعل عام التجنيد أكثر قيمة وجعل وطننا أكثر أماناً. أعتقد أن هذا هو الهدف المشترك لـ23 مليون شخص نشأوا على أرض تايوان".
قياس مستوى الدعم الشعبي لهذه القرارات
في الوقت نفسه، فمن الصعب قياس مستويات الدعم الشعبي لتلك الخطوة. لكن مؤسسة الرأي العام التايوانية أجرت استطلاعاً للآراء مطلع الشهر الجاري، ووجدت أن ثلاثة أرباع المشاركين أعربوا عن دعمهم لتمديد فترة التجنيد الإلزامي إلى عام كامل.
لكن نسبة تأييد الخطوة انخفضت إلى 35% تقريباً في أوساط المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاماً، وهي الفئة الأكثر عرضة للتأثر بتلك التغييرات.
يُذكر أن نسبة تأييد تلك الفئة العمرية للخطوة بلغت 56% عندما أُجري الاستطلاع نفسه في مارس/آذار 2022.