يواصل رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إثارة الجدل بقرار جديد يهدف إلى جعل اللغة الهندية اللغة المهيمنة في البلاد، ما أثار الغضب والتوترات في البلاد، ووجهت له اتهامات بمحاولة القضاء على اللغات الأخرى، علماً أن أكثر من نصف سكان الهند لا يتقنون التحدث باللغة الهندية.
صحيفة The Guardian البريطانية قالت في تقرير لها، الأحد 25 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي، تُتهم بتبني أجندة "فرض اللغة الهندية" و"الإمبريالية الهندية"، لكن الولايات غير الناطقة بالهندية في جنوب وشرق الهند ترفض هذه السياسة.
إذ قال موثوفيل كارونانيدهي ستالين، رئيس وزراء ولاية تاميل نادو، في خطاب ألقاه مؤخراً: "حزب بهاراتيا جاناتا يسعى إلى تدمير اللغات الأخرى بمحاولاته فرض اللغة الهندية وجعلها اللغة الوحيدة من منطلق سياسة (أمة واحدة في كل شيء)".
أكثر من 700 لغة وآلاف اللهجات في الهند
في الهند، وهي واحدة من أكثر البلدان تنوعاً من حيث اللغات في العالم، لطالما كانت اللغة قضية خلافية.
لكن في عهد ناريندرا مودي، ظهرت محاولات ملموسة لجعل الهندية اللغة المهيمنة في البلاد، سواء بجعل اللغة الهندية إلزامية في المدارس على مستوى البلاد أو بجعل جميع المعاملات الحكومية باللغة الهندية.
كما أن خطابات ناريندرا مودي تُلقى باللغة الهندية حصراً وأكثر من 70% من أوراق مجلس الوزراء تُعدّ باللغة الهندية. وقال أميت شاه، وزير الداخلية القوي وأقرب حلفاء ناريندرا مودي، عام 2019: "لو أنه توجد لغة واحدة يمكنها توحيد الأمة، فهي اللغة الهندية".
بينما يرى غانيش نارايان ديفي، أحد أشهر اللغويين في الهند الذي كرس حياته لتسجيل أكثر من 700 لغة وآلاف اللهجات الهندية، أن المحاولات الأخيرة لفرض اللغة الهندية "مضحكة وخطيرة".
كما قال ديفي: "تعدد اللغات وليس اللغة الواحدة هو ما وحّد الهند عبر التاريخ. لا يمكن أن تكون الهند هنداً ما لم تستوعب جميع اللغات الأصلية".
44% من الهنود فقط يتحدثون اللغة الهندية
وفقاً لآخر تعداد سكاني عام 2011، يتحدث 44% من الهنود باللغة الهندية. على أن 53 لغة أصلية، بعضها مختلف تماماً عن الهندية ويتحدث بها الملايين، تُصنف تحت راية اللغة الهندية.
فيما حذف جميع هذه اللغات الأخرى سيؤدي إلى تقلُّص عدد المتحدثين باللغة الهندية إلى حوالي 27%، مما يعني أن ما يقرب من ثلاثة أرباع البلاد لا يتحدثون بها بطلاقة.
تعود جذور فكرة جعل اللغة الهندية لغة وطنية للبلاد التي يسعى ناريندرا مودي لتطبيقها إلى كتابات فيناياك دامودار، أبو القومية الهندية المتشددة وأيقونة حزب بهاراتيا جاناتا الذي كان أول من أطلق شعار "الهندية، الهندوسية، هندوستان" الذي لا يزال شائعاً بين التيار اليميني حتى يومنا هذا.
محاولات ناريندرا مودي فرض الهندية
ثارت ردود أفعال عنيفة على محاولات حزب ناريندرا مودي جعل اللغة الهندية إلزامية في المدارس على مستوى البلاد، لدرجة أنه تراجع عنها بعد ذلك.
ففي أكتوبر/تشرين الأول، أثار شاه غضب ولايات لا تتحدث الهندية مرة أخرى، وهذه المرة بتوصيته بأن تقدم الجامعات والمعاهد المركزية ذات الأهمية الوطنية الدروس والامتحانات باللغة الهندية فقط، عوضاً عن الإنجليزية.
ستنطبق هذه القاعدة فقط على مؤسسات الولايات الناطقة باللغة الهندية. ولكن كثيرين اعترضوا متعللين بأن الطلاب من جميع أنحاء البلاد يذهبون إلى هذه المدارس، بما في ذلك من ولايات جنوبية وشرقية ليست اللغة الهندية فيها جزءاً من المناهج الدراسية.
رداً على توصية شاه، أصدر ستالين في ولاية تاميل نادو قراراً برلمانياً للولاية ضد "فرض لغة مهيمنة"، وزعم أن حزب بهاراتيا جاناتا يحاول جعل "اللغة الهندية رمزاً للسلطة".
فيما يسعى أيضاً لجعل التاميل لغة رسمية، لتصبح متساوية مع اللغة الهندية. وفي ولايتي كيرالا وكارناتاكا، أعربت جماعات وأحزاب سياسية أيضاً عن مخاوفها من "فرض اللغة الهندية".
مخاوف من حدوث اضطرابات دموية
حذر البعض من التاريخ الدموي الذي أحدثه فرض لغة معينة في المنطقة. إذ انزلقت سريلانكا إلى حرب أهلية استمرت 26 عاماً بعد أن حاول القوميون السنهاليون فرض لغتهم على أقلية التاميل في الجزيرة، وكان قمع اللغة البنغالية في شرق باكستان هو ما أدى إلى اندلاع حرب عام 1971 وتأسيس بنغلاديش.
تقول حكومة حزب ناريندرا مودي إنها لا تستخدم اللغة الهندية لتحل محل اللغات الأصلية الأخرى، وإنما اللغة الإنجليزية فقط، لغة المستعمرين.
لكن اللغة الإنجليزية من اللغات المترسخة في النظام الهندي، وتُستخدم في كل شيء من المحاكم إلى سوق العمل، وانتشار اللغة الإنجليزية في الهند يُعتبر ميزة لها في عالم معولم، وهذا يعني أن التخلص التدريجي منها وحل الهندية محلها ليس فكرة عملية.
رداً على السياسات التي يعتبرها البعض ترويجاً للغة الهندية، ظهرت حركات لغوية قومية متعددة على مستوى الهند، من راجاستان إلى ولاية البنغال الغربية. ففي ولاية البنغال الغربية، حيث يُنظر إلى اللغة البنغالية على أنها جزء أساسي من الهوية الثقافية للناس، تتنامى حركة قومية بنغالية منذ العامين الماضيين.
فيما يقول غارغا تشاترجي، الأمين العام لحركة Bangla Pokkho القومية البنغالية التي تأسست عام 2018: "هذه إمبريالية هندية. يريدون تحويل الهند من اتحاد ولايات متنوعة إلى دولة قومية واحدة، يتعاملون فيها مع الأشخاص الذين يتحدثون الهندية على أنهم مواطنون من الدرجة الأولى، بينما نحن من لا نتحدث الهندية، مواطنون من الدرجة الثانية".