كثفت روسيا وإيران جهودهما لبناء "طريق تجاري جديد" عابر للقارات، يمتد من الحافة الشرقية لأوروبا إلى المحيط الهندي، بطول يُقدر بـ3 آلاف كيلومتر، ويمتاز ببعده عن طائلة أي تدخل أجنبي، ويتحدى العقوبات المفروضة من الغرب على الدولتين، بحسب ما قالت وكالة Bloomberg الأمريكية الأربعاء 21 ديسمبر/كانون الأول 2022.
بحسب الوكالة، فإن البلدان ينفقان مليارات الدولارات لتسريع تسليم الشحنات على طول الأنهار والسكك الحديدية المرتبطة ببحر قزوين.
نحو الشرق
وتتجه روسيا وإيران، تحت ضغط هائل من العقوبات، نحو بعضهما البعض، وكلاهما يتجه نحو الشرق أيضاً، بهدف حماية الروابط التجارية من التدخل الغربي وبناء روابط جديدة مع الاقتصادات العملاقة وسريعة النمو في آسيا.
سيسمح الممر التجاري الناشئ لروسيا وإيران بقطع مسافات تُقدَّر بآلاف الكيلومترات عن الطرق الحالية. في نهايته الشمالية يوجد بحر آزوف، الذي يقع بين قوسين من شبه جزيرة القرم والساحل الجنوبي الشرقي لأوكرانيا -بما في ذلك ميناء ماريوبول الذي تحتله روسيا- ومصب نهر الدون.
في وقت سابق من هذا الشهر، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مُدرِجاً مكاسب بلاده من الحرب في أوكرانيا، إن بحر آزوف "أصبح بحراً داخلياً" لروسيا.
من هناك تمتد شبكات الأنهار والبحر والسكك الحديدية إلى المحاور الإيرانية على بحر قزوين وفي النهاية المحيط الهندي. وقد أشار بوتين إلى أهمية تلك الغاية من الممر.
في منتدى اقتصادي في سبتمبر/أيلول 2022، شدد على الحاجة إلى تطوير البنية التحتية للسفن والسكك الحديدية والطرق على طول الطريق الذي "سيوفر للشركات الروسية فرصاً جديدة لدخول أسواق إيران والهند والشرق الأوسط وإفريقيا، وسيسهل الإمدادات من بلدان هذه المناطق في المقابل".
يثير هذا قلق الولايات المتحدة وحلفائها، حيث يسعون لمنع نقل الطائرات المسيَّرة الإيرانية وغيرها من الإمدادات العسكرية التي يقولون إنها تساعد في حرب موسكو في أوكرانيا.
حركة نشطة للسفن
تُظهر بيانات حركة السفن التي جمعتها Bloomberg بالفعل ما لا يقل عن اثنتي عشرة سفينة إيرانية، بعضها تديره مجموعة خطوط الشحن التابعة للجمهورية الخاضعة للعقوبات الأمريكية، وهي تبحر في المياه بين ساحل بحر قزوين في البلاد وموانئ نهر الفولغا الرئيسية.
أفادت وكالة أنباء العمل الإيرانية شبه الرسمية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بأن شركة IRISL ومقرها طهران استثمرت 10 ملايين دولار في ميناء على طول نهر فولغا. والهدف هو مضاعفة سعة الشحن في ميناء سوليانكا في مدينة أستراخان الروسية، إلى 85 ألف طن شهرياً.
داخل حدودها، تضخ إيران الأموال في المحطات؛ حيث يمكن نقل البضائع من السفن والسكك الحديدية التي تمر عبر البلاد من بحر قزوين إلى الخليج. وتعمل على توسيع شبكة السكك الحديدية التي تمتد بالفعل حوالي 16 ألف كيلومتر وهي جزء من قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
بالنسبة لإيران، أصبح المحور أكثر إلحاحاً وسط تعثر الجهود لاستعادة اتفاق 2015 مع القوى العالمية، والذي رفع العقوبات مقابل فرض قيود على البرنامج النووي للبلاد. أما دعم طهران لموسكو، إلى جانب حملتها القاتلة على الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، فقد ترك حكومتها المتشددة معزولة بشكل متزايد عن الغرب.
يقول المسؤولون الإيرانيون إنهم يركزون بشكل كامل على ما يسمونه "المحور الشرقي"، وهو إلغاء أي خطط لإحياء العلاقات الاقتصادية مع أوروبا والسعي بدلاً من ذلك إلى تنفيذ عدد كبير من اتفاقيات التجارة والطاقة مع روسيا والصين ودول آسيا الوسطى.
كانت هناك جهود متضافرة جارية منذ سنوات لربط تلك الأراضي الأوراسية بأكملها معاً. الصين وروسيا عضوان بالفعل في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي هيئة اقتصادية – أمنية تجعل إيران العضو التاسع فيها. تقترب كل من الصين وإيران من الحصول على عضوية في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، مما سيجعل التجارة الحرة عبر الدول ممكنة.
بالنسبة لكل من روسيا وإيران، تعد الهند نقطة اتصال حاسمة في الشبكات التي تحاولان بناءها.
ذكرت وكالة أنباء مهر شبه الرسمية أن أول شحنة من الحبوب الروسية تبلغ 12 مليون طن متجهة إلى الهند قد عبرت إيران بالفعل. يمكن أن تزداد التدفقات التجارية إذا تمكنت إيران من ربط مجمع ميناء تشابهار غير المكتمل والذي تأخر كثيراً على المحيط الهندي -وهو مشروع استثمرت فيه الهند- بشبكة قطارات المسافات الطويلة. تشابهار مستثناة حتى الآن من العقوبات الأمريكية، لكنها قد تجتذب تدقيقاً جديداً من واشنطن.
توسع التعاون بين البلدين
وبالإضافة إلى أي تجارة للأسلحة بين الدولتين، هناك أسباب اقتصادية مقنعة لطريق العبور الجديد.
كانت السفن التي تبحر في نهري دون وفولغا تتاجر تقليدياً في الطاقة والسلع الزراعية، حيث إن إيران هي ثالث أكبر مستورد للحبوب الروسية، لكن النطاق مهيأ للتوسع.
وأعلن البلدان مجموعة من الصفقات التجارية الجديدة التي تغطي البضائع بما في ذلك التوربينات والبوليمرات والإمدادات الطبية وقطع غيار السيارات. وسوف تزوِّد روسيا الوقود النووي ومكونات المفاعل الإيراني في مدينة بوشهر.
تحتاج روسيا إلى تعويض الانهيار المفاجئ لعلاقاتها التجارية مع أوروبا، التي كانت قبل الحرب أكبر شريك تجاري لها، فضلاً عن إيجاد حلول للعقوبات الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
هناك الكثير من العقبات، وتنفق كل من روسيا وإيران بشكل كبير للتغلب عليها.
تعمل روسيا على وضع اللمسات الأخيرة على القواعد التي من شأنها أن تمنح السفن الإيرانية حق المرور على طول الممرات المائية الداخلية على نهري دون وفولغا.
تتنقل الوفود التجارية بين إيران وروسيا بوتيرة متزايدة -والتجارة آخذة في الارتفاع أيضاً.
من المحتمل أن يتجاوز الرقم السنوي 5 مليارات دولار في القريب العاجل. قال سيرجي كاتيرين، رئيس غرفة التجارة والصناعة الروسية، في مؤتمر عُقد في طهران الشهر الماضي، إن هناك "طريقاً واضحاً" للوصول إلى 40 مليار دولار بمجرد إبرام اتفاقية التجارة الحرة.