قالت مخرجة فيلم "فرحة" دارين سلام، معلقة على الضجة التي أثارتها إسرائيل بشأن الفيلم الذي بدأت نتفلكس بعرضه الأسبوع الماضي، إنها لم تتوقع ردة الفعل من تل أبيب على الفيلم في هذا التوقيت تحديداً، لأنه موجود منذ فترة، مؤكدة أن الحملة ضد الفيلم هدفها التأثير على حملة الأوسكار للحصول على تقييم منخفض.
وفي مقابلة مع مجلة "تايم" الأمريكية، الأربعاء 7 ديسمبر/كانون الأول 2022، شددت سلام على ضرورة مشاهدة الفيلم الذي يتحدث عن النكبة، لافتة إلى أن "فرحة" يسرد الحقيقة التي تجرح، ومن حق الفلسطينيين الحديث علناً ومشاركة هويتهم وما حدث لهم.
"إنكار النكبة هو إنكار لي"
مخرجة الفيلم أشارت إلى أن مزاعم مسؤولين إسرائيليين أن الفيلم يقدم سرداً زائفاً هو نفي للنكبة "وإنكار النكبة هو إنكار لي وأنا موجودة. إنه أمر غير إنساني ومهين، لأنه ينكر تراجيديا عانى منها أجدادي ووالدي وشاهدوها، إنني أتلقى رسائل كراهية وعنصرية حول هويتي ومن أين جئت وحول لباسي، هذا أمر غير مقبول. يمكنهم مواصلة الحديث".
وواصلت سلام، حديثها، موضحة أن هناك حملة تشويه وتشهير بشأن تقييم "إم بي دبي بي" للأفلام، وقالت: "هذا هجوم من كل مكان؛ الإعلام الإسرائيلي، أفراداً ومسؤولين، لقد كانت هنالك حملة ضخمة للتصويت بتقييم منخفض للفيلم، حتى قبل أن يتم عرضه، وتعليقات من قبيل: "كذبة كبرى"، لم يكن الفيلم قد ظهر على نتفليكس بعد، فكيف يقيمونه؟".
وتابعت: "كفنانة، فالشعور بأنك محل هجوم بسبب فنك أمر قبيح. ومن حسن الحظ، تحدث صحفيون حول الفيلم، وبدأ الناس يشاهدونه وينشرون الكلام الإيجابي عنه".
موقف نتفليكس
وعن موقف نتفليكس وسط ردة الفعل السلبية التي أحدثها الإسرائيليون ومن أيدهم، قالت سلام: "في الحقيقية، لم نتواصل مطلقاً مع نتفليكس بعد ردة الفعل السلبية، وهم من اتخذوا القرار الصائب، ومضوا ووضعوا الفيلم على منصتهم، وبالنسبة لي فهذا قرار صائب، ودعم كنا بحاجة إليه، ونقدم لهم الاحترام".
وعرض فيلم "فرحة" أولاً في مهرجان تورنتو السينمائي العام الماضي، واختاره الأردن لكي يكون مرشحه في أوسكار 2023، وحاز جائزة "أفضل فيلم" في جوائز الفيلم الآسيوي الباسيفيكي، وحصل على مشاهدات أوسع بعد وضعه على نتفليكس.
أحداث الفيلم
تدور أحداث فيلم "فرحة" في قرية فلسطينية، ويحكي قصة حقيقية لفتاة بعمر 14 عاماً، في أثناء الحرب التي قادت إلى نشوء دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، ويطلق عليها الفلسطينيون "النكبة"، وهجر فيها أكثر من 700.000 فلسطيني من ديارهم.
وتبدو شخصية فرحة في الفيلم قوية، وتريد مواصلة التعليم، وتتحدى القيم الاجتماعية. وعندما دخلت القوات الإسرائيلية القرية، قام والدها بوضعها في مخزن لحمايتها. ومن فتحة في جداره، أصبحت شاهدة على قتل عائلة فلسطينية وطفل ولد حديثاً.
وعلى إثر ذلك، هاجم وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان، قرار نتفليكس عرض الفيلم، ووصفه بـ"المجنون"، وبأنه فيلم يريد "خلق مظهر زائف، ويحرّض ضد الجنود الإسرائيليين".
القصة حقيقية
لكن القصة حقيقية، وكما تقول سلام: "القصة هي التي عثرت عليّ. كانت هناك فتاة اسمها رائدة عاشت في فلسطين عام 1948، ووضعها والدها في غرفة لحمايتها من الغزو الإسرائيلي في ذلك الوقت. ونجت رائدة، ومشت نحو سوريا، حيث شاركت قصتها مع فتاة أخرى، ونشأت تلك الفتاة، وأنجبت طفلة، أخبرت ابنتها بقصة رائدة، وهذه الطفلة كانت أنا".
كما أضافت أن خوفها من الأماكن المهجورة جعلها تفكر دائماً برائدة وشعرت بها. ومثل أي أردنية من أصول فلسطينية أو أي عربي، فقد نشأت وهي تستمع لقصص عن فلسطين والنكبة. وشكلت القصص التي استمعت إليها من جديها وعائلتها وأصدقائها النواة لقصة فرحة، وهي مأخوذة من الفرح، حيث كانوا يتحدثون عن حياتهم قبل النكبة بهذه الروحية. و"بالنسبة لي، فقد كانت هذه هي الحياة قبل أن تسرق منهم".
سلام لفتت إلى أنها حاولت العثور على رائدة أو ابنها لمشاهدة الفيلم، لكن الحرب في سوريا أدت لتشريد الناس، وكان من الصعب العثور عليها. وفي جلسة سؤال وجواب عن الفيلم، نهض رجل كبير في العمر، وقال إنها قصة والدتي، وفكرت أنه ابن رائدة، لكنه قال: "لا ، ولكن أمي مرت بهذا".
أسباب إنتاج الفيلم
وعلقت أن قرارها صناعة فيلم عن فرحة نابع من أن القصة ظلت معها، وكفنانة فهي لا تقوم بصناعة فيلم إلا إذا شعرت بالحاجة لأن تشرك المشاهد بالقصة. ولا توجد أفلام تحكي عن هذه الفترة في فلسطين، فهي غائبة عن السينما. وتساءل البعض عن سبب عدم صناعة الفيلم عن بلد آخر، و"قلت دائماً إنها قصة عالمية، وقد تحدث في أي مكان، وقررت البقاء وفية لهذه القصة، وكأنني مسؤولة عن صوت هذه الفتاة".
وكابنة عائلة كانت ضحية النكبة، قالت بصوت المخرجة وليس السياسية إن عائلتها اقتُلعت من فلسطين وكان عمر والدها 6 أشهر، وسمعوا عن المجازر حولهم، ولذا جمعوا أشياءهم وتركوا مكانهم. وكانوا خائفين، واعتقد جدها أنهم سيعودون بعد أيام عندما تهدأ الأمور، ولم تتحسن، ولهذا وصلوا إلى الأردن، وحدث الشيء ذاته في قرى أخرى.
وقالت إنها بحثت في تواريخ النكبة، واعتمدت على القصص التي استمعت لها، وكتاب إيلان بابيه "التطهير العرقي"، إلى جانب البحث في شهادات الناس الذين لا يزالون بعد أكثر من سبعين عاماً يحملون كدمات التشرد، وينتظرون زيارة قراهم ومزارعهم.
تحديات صناعة الفيلم
كما أوضحت سلام أن صناعة فيلم عن النكبة كانت تحدياً، علاوة على عرضه على نتفليكس. فإلى جانب تأمين التمويل، يعدّ عمل فيلم عن فلسطين أمراً صعباً؛ لأنه موضوع يتم تجنبه. كما لم يكن الكثيرون راغبين بالاستماع إلى هذا الجانب من السرد.
وعن تصوير مشهد قتل، قالت إنها لم تظهر أي شيء مقارنة مع ما حدث في الحقيقة، وهو ما أثار صدمتها من ردة الفعل الإسرائيلية، تقول: "ما قدمته هو حادث صغير، ولا أعرف سبب غضب بعض المسؤولين الإسرائيليين من المشهد، فهو ضبابي وخارج تركيز العدسة".
وعُرض فيلم فرحة في غزة ورفح ورام الله، وفي يوم عرضه على نتفليكس عرض على مسرح في يافا، ولهذا بدأت الصحافة والمسؤولون الإسرائيليون يهددون بقطع الدعم عنه.
وتقول إن الفيلم حصل على تعليقات ممتازة، ليس من الفلسطينيين فقط، بل من حول العالم. وتخيل البعض بناتهم في وضع فرحة، و"بالنسبة لي فالفيلم هو عن بلوغ سن الرشد والصداقة والحب والتحرر في وجه الفقد".
وفي ختام حديثها، أعربت سلام أنها تأمل ألا يواجه فيلمها الظلم في حفل الأوسكار، وتتم مشاهدته بطريقة منصفة، "دائماً ما أقول لن نعيش للأبد، لكن الأفلام تعيش، وقد أصبح الفيلم في قلوب وعقول الناس، وآمل أن يعيش للأبد ولأجيال قادمة".