خلق خبر إلغاء دوريات الإرشاد، أو ما يُعرف بـ"شرطة الأخلاق"، الذي أعلن عنه محمد جعفر منتظري، النائب العام الإيراني، حالة من الجدل وردود الفعل المختلفة داخل الجمهورية وخارجها.
تصريحات منتظري ترجمتها وسائل الإعلام -العربية والعالمية- بأن "الجمهورية أغلقت شرطة الأخلاق التي تسهر على تنفيذ الحجاب الإلزامي في الشارع بعد الاحتجاجات المستمرة في البلاد".
بالإضافة إلى ذلك، اعتبر البعض أن هذه الخطوة سابقة لخطوة إلغاء قانون الحجاب الإلزامي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في تنازل غير مسبوق من قِبَل المؤسسة السياسية الإيرانية لمطالب المحتجين.
لكن بعد أن هدأت الموجة التي تلت تصريحات النائب العام الإيراني ظهرت تحليلات تقول إن المسألة ليست إغلاق دوريات الإرشاد، بل هو مجرد تجميد لعملها، ومن الممكن أن تعود للعمل في الشوارع مرة أخرى.
مَن وراء قرار إغلاق دوريات شرطة الأخلاق في إيران؟
كشف صحفي إيراني مقيم بالعاصمة الإيرانية طهران ومقرب من الحكومة لـ"عربي بوست" أن "دوريات الإرشاد تم إغلاقها من طرف السلطة القضائية بأمر وطلب من إبراهيم رئيسي، رئيس البلاد ورئيس الحكومة".
من جهته، كشف مصدر إيراني رفيع المستوى مقرب من إبراهيم رئيسي لـ"عربي بوست" أن "قرار رئيسي جاء بعد تشاور مع السلطة القضائية وبعد اجتماعات مكثفة بين علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني".
وبحسب المصدر ذاته، الذي اشترط عدم ذكر اسمه نظراً لحساسية الموضوع، فإن رئيسي حاول مراراً وتكراراً إقناع آية الله خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، بوقف دوريات الإرشاد لكنه كان يرفض.
وكان تقرير سابق قد كشف أن هناك حواراً لعلي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، مع عدد من الإصلاحيين والعائلات السياسية الكبيرة من أجل التوصل إلى حلول لمعالجة الاضطرابات الحالية في إيران.
مقابل ذلك، علم "عربي بوست" من مصادر مقربة من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أن هذا الأخير رفض ما توصل إليه شمخاني في اجتماعه مع الإصلاحيين، وهو الاستماع إلى مطالب المتظاهرين لحل الأزمة.
ما موقف خامنئي؟
في الأسابيع الماضية، حاول الكثير من المسؤولين الإيرانيين حتى المحسوبين على التيار الأصولي والداعمين للمرشد الاعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أن يقنعوه بتقديم بعض التنازلات في هيئة إصلاحات، من أجل إنهاء الاحتجاجات في البلاد.
يقول مسؤول إيراني مقرب من إبراهيم رئيسي لـ"عربي بوست": "لم يوافق خامنئي في البداية على وقف عمل دوريات الإرشاد، بل أبلغ كبار المسؤولين في الدولة أن أي مؤسسة تتقاعس عن دورها في فرض الحجاب الإلزامي يجب أن تعاقب".
لكن على ما يبدو، فإن إبراهيم رئيسي قد اتخذ قرار وقف عمل دوريات الإرشاد دون موافقة المرشد الأعلى، أو بمعنى آخر دون الحصول على موافقة مباشرة وواضحة من خامنئي.
من جهته، يقول الصحفي الإيراني المقرب من الحكومة لـ"عربي بوست" إن "خامنئي لم يوافق في البداية على وقف دوريات الإرشاد، لكنه وافق على تجميد عملها لبعض الوقت".
على عكس ذلك، يؤكد برلماني مقرب من السلطة القضائية في إيران لـ"عربي بوست" أنه تم وقف عمل دوريات الإرشاد في البلاد تماماً وبصفة نهائية ولا داعي لإساءة الفهم".
نفس المعلومة أكدتها صحفية إيرانية مقربة من دوائر صنع القرار في إيران لـ"عربي بوست"، قائلة: "دوريات الإرشاد في إيران قد انتهت مهمتها بشكل نهائي، قد انتهت الآن".
وبالرغم من كون خطوة مثل وقف عمل دوريات الإرشاد، التي كانت المفجر الأساسي للاحتجاجات من الممكن أن تكون جيدة وتنازلاً غير مسبوق من قِبَل الحكومة لمطالب المتظاهرين، لكن يخشى البعض أن تتراجع الحكومة عنها.
ماذا لو كنت خديعة؟!
نظر بعض الإيرانيين إلى تصريحات النائب العام الإيراني، بوقف عمل دوريات الإرشاد بشيء من الشك والريبة، فخلال أكثر من 30 عاماً، فترة حكم آية الله خامنئي لإيران، لم يستجب لمطالب المتظاهرين في مختلف الاحتجاجات.
وقد صرح في مناسبات سابقة بأن أي تنازل للمتظاهرين يعتبر ضعفاً، ولا يمكن للحكومة أن تظهر في مظهر الضعيف، لكي لا يستغل الأعداء هذا الأمر لتنفيذ مخططاتهم داخل إيران.
يقول السياسي الإصلاحي الإيراني حسن عبادي لـ"عربي بوست" إن "هناك تكهنات لدى الشعب الإيراني بأن دوريات الإرشاد لم تتوقف بشكل نهائي، ولكن تم تجميد عملها مؤقتاً من أجل تهدئة الشارع ومن ثم يتم استئناف عملها".
وأضاف المتحدث: "لم يتعود الناس على تقديم أي تنازلات أو إصلاحات من قِبَل الحكومة لصالح المحتجين، كما أن غموض تصريحات النائب العام والمعرفة المسبقة للخامنئي في إدارة الاحتجاجات، دفعت الناس إلى التشكيك".
وأشار المتحدث إلى أنه غير متفائل، والسبب عدم تفسير الحكومة تصريحات النائب العام، بالإضافة إلى وجود تاريخ يوثق عدم الثقة بين الشعب والحكومة، الأمر الذي يشعل إمكانية وجود خدعة ممكنة.
الجميع يريد إصلاحات.. ولكن
في خضم الحديث عن غموض تصريحات النائب العام الإيراني، بخصوص مسألة وقف أو تجميد عمل دوريات الإرشاد، يدور الحديث أيضاً عن الحاجة الماسة إلى إجراء إصلاحات داخل إيران، من أجل احتواء غضب الجماهير.
وعلم "عربي بوست"، من مصادر في طهران، أن هناك عدداً كبيراً من المسؤولين الإيرانيين المحافظين، وعلى رأسهم رئيس البرلمان الحالي، والقائد السابق في الحرس الثوري الإيراني، محمد باقر قاليباف، يريدون إجراء إصلاحات.
من جهته، كشف برلماني مقرب من قاليباف لـ"عربي بوست" أن "رئيس البرلمان ذهب للقاء خامنئي في وقت سابق، وناقش معه ضرورة إجراء إصلاحات، بل وذهب إلى المطالبة بتعديل بعض بنود الدستور".
لكن وبحسب المصدر ذاته، فإن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أشار إلى ضرورة عودة الأمن والاستقرار إلى الشارع الإيراني أولاً قبل الحديث عن أي إصلاحات.
يقول المتحدث: "آية الله خامنئي يريد الاطمئنان على عودة الأمن والهدوء إلى الشارع الإيراني، ويرى أن هذا الأمر هو الأولوية الآن، وبعد ذلك تتم مناقشة أي شيء آخر".
ماذا عن قانون الحجاب الإلزامي؟
أشار النائب العام الإيراني، في تصريحاته الأخيرة في مدينة قُم، إلى أن "البرلمان والمجلس الأعلى للثورة الثقافية يدرسان موضوع قانون الحجاب، وسيتم إعلان نتائجها خلال الـ15 يوماً القادمة، ويجب اتخاذ هذه القرارات بناء على التخطيط".
وذهبت بعض التقارير المنشورة بعد تصريحات النائب العام، إلى أنه من الممكن أن يتم إلغاء قانون الحجاب الإلزامي في إيران، لكن المسؤول الإيراني المقرب من إبراهيم رئيسي، ينفي لـ"عربي بوست" بشكل تام هذه التكهنات.
وقال المتحدث إن "هذا أمر مستحيل، الحجاب الإلزامي جزء من تقاليد الجمهورية الإسلامية في إيران، ولا يستطيع أي مسؤول مهما كانت قيمته أن يتخذ قراراً بإلغاء الحجاب الإلزامي".
وأضاف المصدر أن "خامنئي وفي اجتماعه ببعض المسؤولين خلال الأيام الأخيرة طالب بمحاسبة أي مسؤول أو مؤسسة أو جهة حكومية، وحتى المدارس والجامعات، إذا لم يقُم المسؤولون بهذه الجهات بتطبيق قانون الحجاب الإلزامي".
وأشار المتحدث إلى أن آية الله خامنئي تحدث بنبرة حادة بخصوص وزارة التربية والتعليم بعد انتشار صور على مواقع التواصل الاجتماعي لطالبات إيرانيات بدون حجاب.
لكنَّ المتظاهرين في الشوارع يرون أن خطوة وقف عمل دوريات الإرشاد عمل غير كافٍ، وهدفهم هو إلغاء قانون الحجاب الإلزامي، وإجراء إصلاحات دستورية لنظام الجمهورية الإسلامية.
السياسي الإصلاحي حسن عبادي قال إن "رفع المحتجين سقف مطالبهم من فترة، والحكومة تتحرك بشكل متأخر للغاية، لكن لا يمكن إنكار أن تجميد دوريات الإرشاد إن كان حقيقياً فهو خطوة إيجابية، ومن الممكن التفاوض مستقبلاً على الحجاب الإلزامي".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”