كشفت مصادر دبلوماسية لوكالة الأنباء الفرنسية، الإثنين 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، أن وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ستقوم بزيارة إلى العاصمة الرباط، منتصف ديسمبر/كانون الأول، لتحضير زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون، المقررة في يناير/كانون الثاني المقبل، وتأتي زيارة الدولة لماكرون المقررة منذ أشهر في سياق لم يسمح بتنظيمها بسهولة، وذلك لعدة أسباب ومواضيع تسمم العلاقات بين البلدين، فيما أضاف أحد المصادر أنه "لا شيء ثابت بعد، ويمكن تأجيل الزيارة بشكل ودّي".
وتسعى فرنسا لاتخاذ خطوات من شأنها تهدئة الوضع مع المغرب، والحد من الأزمة القائمة بين البلدين، بدون أن ينعكس ذلك سلباً على علاقاتها مع الجزائر، وعلى رأسها: "حرب التأشيرات"، المرتبطة بقرار باريس، الصادر في سبتمبر/أيلول 2021، والذي يقضي بخفض تأشيرات الدخول الممنوحة للمغاربة إلى النصف، بحجة إحجام المملكة عن إعادة استقبال رعاياها المقيمين في فرنسا بصورة غير قانونية، في قرار وصفته الرباط بـ"غير المبرر" والمنظمات الإنسانية غير الحكومية بـ"المهين" و"الأخرق" من قِبل الأوساط الفرنسية- المغربية.
الصحراء الغربية و"بيغاسوس"
ومن المواضيع التي تثير استياء المغرب الصحراء الغربية، إذ تُعتبر باريس مترددة بشأن هذا الملف- "القضية الوطنية" للمغرب- وعلاقاتها الجيدة الجديدة مع الجزائر، الخصم الإقليمي.
أما الجانب الفرنسي فلم يرُق له تحقيق إعلامي نَشر معلومات، مفادها أن المغرب يستخدم برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس، للتنصت على هواتف إيمانويل ماكرون ووزراء آخرين في عام 2019، الأمر الذي نفته الرباط.
مع ذلك وبعد "أزمة صامتة" دامت لأشهر، استأنف الرئيس الفرنسي والملك محمد السادس الاتصالات، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، على ضوء الزيارة المرتقبة لماكرون.
وفي السياق، قال إيمانويل دوبوي، رئيس معهد المستقبل والأمن في أوروبا "هذه الزيارة محفوفة بالمخاطر"، مضيفاً "رمزياً تهدف إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مسارها، شرط عدم ذكر مسألة الصحراء الغربية".
وفي إطار اتفاق تفاوَض بشأنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، اعترفت واشنطن في ديسمبر/كانون الأول 2020، بسيادة المغرب على المستعمرة الإسبانية السابقة، مقابل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل.
ومنذ ذلك الحين وبإصرار، تحث الرباط فرنسا، التي لَطالما دعمت المغرب في هذا النزاع، بالاعتراف أيضاً بـ"سيادة المغرب على الصحراء الغربية"، مثلما فعلت إسبانيا، إذ كتبت خديجة محسن فينان، خبيرة الشؤون السياسية المتخصصة بمنطقة المغرب "معروف أن فرنسا لا تريد أن تُملى عليها سياستها حول الصحراء الغربية". وتابعت "تنوي فرنسا إظهار أنه يمكنها إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وتجارية، لكنها تقرر وحدها سياستها بشأن الصحراء الغربية".
وبالتالي لا تتوقع أن تُسهم زيارة الرئيس ماكرون في تغيير الأمور بشأن هذا الملف الشائك. وتضيف "إيمانويل ماكرون هو أول رئيس للجمهورية الخامسة يريد إخراج العلاقات بين فرنسا ودول المغرب العربي من هذا الإرث التاريخي الثقيل".
تأشيرات الدخول إلى فرنسا
وفي هذه الآونة تصطدم الرغبة في معاملة كل من المغرب وتونس والجزائر بالطريقة نفسها بأزمة الطاقة، جراء الحرب في أوكرانيا، التي دفعت فرنسا للتقرب من الجزائر. علماً أنها تبقى شريكاً رئيسياً في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل المضطربة منذ انسحاب القوات الفرنسية من مالي.
ومن جانبه يقوم المغرب، أول شريك تجاري لفرنسا في إفريقيا، بتأمين منفذ إلى إفريقيا جنوب الصحراء، حيث يمارس بصورة ناشطة "القوة الناعمة" اقتصادياً منذ 2010، وقد تلجأ باريس، سعياً منها لتحسين العلاقات الثنائية، إلى تليين سياساتها بشأن التأشيرات التي أثارت غضب واستياء المغرب، وخصوصاً الطبقة الوسطى.
وذكر قصر الإليزيه أن تشديد شروط الحصول على تأشيرات "يمكن الرجوع عنه"، خصوصاً بعد أن أشار ماكرون مؤخراً إلى أن هذه السياسة بدأت تؤتي ثمارها.
أما الدليل الآخر على تحسن العلاقات، فبعد إجازة لعدة أشهر بات السفير الفرنسي الجديد ينتظر موافقة الرباط لتولي منصبه.
ويرى رئيس معهد المستقبل والأمن في أوروبا، إيمانويل دوبوي، أن وقوع الاختيار على كريستوف لوكورتييه، مدير عام شركة بيزنس فرانس "مؤشر بحد ذاته".
وتعد فرنسا أول شريك اقتصادي للمغرب، وهي على بعد أشواط، المستثمر الأجنبي الرئيسي في البلاد. وقال المحلل "قد يقوم الملك باستثناء، ولا يركز على ملف الصحراء الغربية خلال زيارة الدولة" المرتقبة للرئيس الفرنسي.