قال مصدر دبلوماسي أوروبي لـ"عربي بوست" إن الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، اصطحب في زيارته إلى الولايات المتحدة خلية لبنان في الإدارة الفرنسية التي تضم مجموعة من المستشارين من بينهم المستشار باتريك دوريل، ورئيس المخابرات برنار ايمييه، وذلك لمناقشة الملف اللبناني الذي أُدرج على طاولة البحث بين ماكرون ونظيره الأمريكي جو بايدن للتوسط بين حزب الله والولايات المتحدة.
سيزور ماكرون لبنان عشية الاحتفالات بعيد الميلاد في 24 من الشهر الحالي، حيث سيقضي العيد مع قوات بلاده الموجودة ضمن قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل"، إضافة للقاءات مع مسؤولين لبنانيين في العاصمة بيروت للبحث في أفق حل الأزمات السياسية.
باريس بين ايران وحزب الله
يشدد المصدر على أن السفيرة الأمريكية دوروثي شيا غادرت بيروت للانضمام للاجتماعات الثنائية مع مسؤولي الملف اللبناني في الإدارة الفرنسية وتحديداً ملف الفراغ الرئاسي، ويؤكد المصدر أن مسؤولاً فرنسياً زار بيروت، والتقى قيادات في حزب الله، في إطار التنسيق المستمر بين الجانبين.
وأن باريس هي الطرف الأوروبي الوحيد الذي يجري حواراً مع الحزب، وسمع المسؤول الفرنسي من الحزب كلاماً مفاده أن الحزب جاهز لأي تسوية في رئاسة الجمهورية وفق جملة من الاتفاقات، وعدم المس بموضوع سلاح "المقاومة".
يشير المصدر إلى أن حزب الله ينتظر أن يلعب ماكرون دوراً فاعلاً في الوصول لاتفاق منتظر بين واشنطن وطهران حيال الملف اللبناني حصراً، في إطار ما وعد به مسؤولين فرنسيين حزب الله، بفصل الاستحقاق الرئاسي اللبناني عن تعقيدات الملف النووي الإيراني، ويسعى إلى التأسيس على الضوء الأخضر الإيراني الذي واكب الجهود الأمريكية لإنجاز الترسيم البحري اللبناني مع إسرائيل، بغية استكمال مساعيه الهادفة إلى إنهاء الشغور في سدة الرئاسة اللبنانية.
خيارات ماكرون للرئاسة
ويشير المصدر الدبلوماسي الأوروبي لـ"عربي بوست" إلى أنه، وعلى الرغم من وجود ملفات ملحّة في نقاشات بايدن-ماكرون، وتحديداً الحرب الدائرة في أوكرانيا والملف النووي وأزمة الطاقة العالمية ووجود تباينات جوهرية بين الطرفين حيال مقاربتها، فإنّ ماكرون سيطرح الشأن اللبناني كشأن رئيسي على طاولة البحث، وسيعمل للحصول على ضوء أخضر أمريكي للتحرك في الملف اللبناني بشكل أوسع، وذلك من منطلق إظهار ضرورة وضع ملف الرئاسة اللبنانية على سلّم الأولويات الأمريكية في هذه المرحلة الداهمة.
وتشير المعلومات إلى أن ماكرون سيطرح على الإدارة الأمريكية "ترئيس" قائد الجيش العماد جوزيف عون، عبر صفقة مع حزب الله وحلفائه باعتبار أن حزب الله أبلغ جهات عديدة تواصلت معه على رأسها باريس والقاهرة والدوحة أنه يفضل الاتفاق على رئيس يستطيع تأمين تقاطعات محلية وخارجية وتحديداً السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.
ويعتقد فريق ماكرون، وتحديداً مدير المخابرات برنار ايمييه، أن قائد الجيش يمكنه بحكم شخصه وموقعه أن يستقطب دعماً أمريكياً وسعودياً لانتخابه إذا ما وافقت الأطراف المحلية على السير به.
ثانياً: يؤكد المصدر أن الخيار الثاني لماكرون وإدارته هو "جس نبض" الإدارة الأمريكية حول إمكانية القبول بإجراء مقايضة داخلية تقوم على انتخاب حليف حزب الله والنظام السوري سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل اختيار شخصية قريبة من السعودية والدول العربية لرئاسة الحكومة.
وهنا يطرح الفرنسيون مجموعة أسماء لرئاسة الحكومة، بالنقاشات التي يجرونها مع دول فاعلة في المنطقة.
وإذا وافقت واشنطن سيسعى ماكرون لتسويق تسوية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تحت عنوان تطلقه باريس، وهو أن أي حل لبناني يجب أن يحظى بموافقة سعودية.
لقاء ماكرون – فرنجية
وانطلاقاً من هذه المعطيات يعتبر الكاتب السياسي إبراهيم بيرم أن باريس، والتي تقبض على ورقة الانفتاح الأوروبي على حزب الله صار بإمكانها أن تدير حواراً بالوكالة بين الحزب من جهة وواشنطن والرياض من جهة أخرى.
وهو حوار بالغ الأهمية؛ لكونه يتناول مرحلة ما بعد الترسيم البحري مع إسرائيل وما يواكبها من ملفات أخرى، وفي مقدمها ملف الانتخابات الرئاسية، وإعادة تأليف الحكومة، فضلاً عن مواكبة عملية الإصلاح الاقتصادي والمالي وهيكلة القطاع المصرفي، والأهم دور كبرى الشركات النفطية الفرنسية "توتال" في استخراج النفط والغاز من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة.
بالتوازي يشير المحلل السياسي اللبناني، منير الربيع، إلى أن لديه معلومات بقرب لقاء بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية وأن اللقاء من المحتمل أن يكون سريا في ظل إصرار فرنسي على إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده طالما أن لبنان لا يملك ترف الوقت، وإضاعته بانتظار حصول تسوية كبرى أو الاتفاق على مرشح بديل.
باسيل.. الانسحاب يفتح الأبواب الخارجية
في هذا الإطار ترى الكاتبة السياسية، غادة حلاوة، أن خروج جبران باسيل من السباق الرئاسي حوله من "مرشح رئاسي" إلى "ممر إلزامي لأي تسوية" في وصول الرئيس القادم، وتشير حلاوة إلى أنه برز دوره بقوة عقب التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل وخلال المفاوضات مع الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين.
وبالمقارنة مع غيره، ترى حلاوة أن باسيل يتقدّم اللاعبين على المسرح الرئاسي بعد تحوّله عقب اتفاقية ترسيم الحدود من الرجل المحاصر أمريكياً الى الرجل الأبرز بين القيادات المسيحية المارونية الذي يملك هامش التواصل الأكبر والأوسع في الداخل والخارج من فرنسا إلى قطر ومصر. بالإضافة إلى تواصله مع الأمريكيين منذ اتفاق الحدود ولو بشكل غير معلن وهو سبق أن التقى وبطلب منهم هوكشتاين مرات عدة في برلين والدوحة، وبمجرد أن أعلن أنّه غير مرشح لرئاسة الجمهورية تحول فجأة إلى المحاور الأساسي في الموضوع الرئاسي مسيحياً.
وتؤكد حلاوة نقلاً عن مقربين من باسيل بوجود تواصل أمريكي أوروبي وفرنسي على وجه التحديد مع باسيل الذي يتواصل مع قطر ومصر، وفي الداخل لم تنقطع علاقته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومع البطريرك بشارة الراعي لا يزال البحث الرئاسي بينهما يسير في الكواليس.
قمة عمان المنتظرة
يعتقد مصدر حكومي لبناني رفيع لـ"عربي بوست" أن أنظار المسؤولين اللبنانيين ستتجه إلى مؤتمر عمان الذي دفعت لإقامته فرنسا كنسخة مكررة عن مؤتمر بغداد الذي عقد في العام الماضي، ويشير المصدر أن المؤتمر الذي سيحضره الرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إضافة لمسؤولين من تركيا والولايات المتحدة وقطر ومصر.
ويشير المصدر إلى أن اللقاء سيتطرق للملف اللبناني بشكل أساسي؛ لكونه أحد الملفات العاجلة في الشرق الأوسط، وما يشكله من تقاطع كبير بين الدول المشاركة في المؤتمر، وإمكانية ما سينتج عنه في الساحة اللبنانية.