توقف الحوار بين السعودية وإيران بعد جولته الخامسة، وقبل وقت قليل من بدء الجولة السادسة من المفاوضات المباشرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، والتي كان من المفترض عقدها في الأشهر القليلة الماضية.
الاحتجاجات الإيرانية وتوتر الأجواء بين طهران والرياض
لكن ما هو سبب التوقف المفاجئ للحوار الإيراني السعودي بعد أن أحرز تقدماً كبيراً، بحسب السياسيين والمسؤولين العراقيين والإيرانيين؟
يقول مصدر إيراني مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، والذي كان يشرف على سير المحادثات الإيرانية السعودية، لـ"عربي بوست": "في البداية تواصلنا مع السعوديين من أجل إنهاء دعمهم للاحتجاجات في إيران، وخاصةً القنوات التي يتم تمويلها من السعودية، لكنهم رفضوا".
وبحسب المصدر ذاته فإن طهران أجرت اتصالاً عبر وساطة خليجية لم يفصح عنها المصدر بالسعودية، متهمةً الرياض بتأجيج الاحتجاجات الحالية في إيران، كما أن إيران اتهمت المملكة العربية السعودية بتمويل قنوات ومواقع صحفية إيرانية معارضة في الخارج، وبأنهم يؤججون الصراع الداخلي.
جدير بالذكر أن الاحتجاجات الإيرانية التي بدأت في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بعد وفاة الشابة الإيرانية الكردية "مهسا أميني"، والبالغة من العمر 22 عاماً، بعد اعتقالها من قِبل "دورية الإرشاد" أو شرطة الأخلاق في إيران، بسبب حجابها الكاشف لشعرها، مازالت مستمرة حتى يومنا هذا في مختلف المدن الإيرانية.
يقول المصدر الإيراني المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لـ"عربي بوست": "هذه القنوات التي تمولها السعودية، وحتى إعلام السعودية الرسمي، يحاولان زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية، وهذا الشيء ليس بجديد، لكننا كنا نتوقع بعد الحوار السعودي الإيراني أن تتبع الرياض نهجاً هادئاً ومختلفاً".
وفي السياق نفسه، يقول مسؤول أمني إيراني رفيع المستوى ومطّلع على سير المحادثات بين طهران والرياض، لـ"عربي بوست": "أبلغنا السعوديين بأنه يجب وقف دعمهم للمظاهرات، واستغلالهم للاحتجاجات في المناطق السنية في إيران، فجاء الرد السعودي بالنفي، لكننا علمنا من خلال معلومات استخباراتية وجود أموال سعودية تُدفع لمثيري الشغب في إيران لزعزعة أمن البلاد".
الرياض تعلن رغبتها في وقف الحوار مع طهران
وبحسب المصادر الإيرانية المطلعة على هذا الملف، فإنه بعد حوالي ثلاثة أيام من رسالة طهران للرياض، والتي اتَّهمت فيها المملكة العربية السعودية بتأجيج الاحتجاجات داخل البلاد، جاءت رسالة مقتضبة من الجانب السعودي، عبر دبلوماسي عربي، تطلُب توقف الحوار السعودي الإيراني، الذي بدأ في ربيع عام 2021.
يقول دبلوماسي إيراني رفيع المستوى، وكان من ضمن الحاضرين لإحدى جولات المحادثات بين طهران والرياض، في العاصمة العراقية بغداد، لـ"عربي بوست": "يبدو أن السعوديين انزعجوا من الرسالة الإيرانية، وفي الوقت نفسه يبدو أنهم أرادوا الانتظار لمعرفة نتائج الأحداث الأخيرة في إيران".
ويضيف الدبلوماسي الإيراني قائلاً لـ"عربي بوست": "نعلم أن السعوديين يدعمون الاحتجاجات التي تمر بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المسؤولون الأمنيون في إيران يعتقدون أن سبب رغبة الرياض في وقف الحوار هو أملهم في أن تسفر الاحتجاجات الحالية عن تغيير في النظام الإيراني، لذلك أثارت الرسالة السعودية الأخيرة غضب المسؤولين الإيرانيين".
وخاضت كل من طهران والرياض جولات للتفاوض حول استعادة العلاقات بين البلدين، تحت رعاية عراقية، وبالتحديد بواسطة رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، منذ أبريل/نيسان عام 2021، عقدت خمس جولات من الحوار الإيراني السعودي، في مطار بغداد الدولي.
مصر والأردن أيضاً يعلقان الحوار مع إيران
كان من ضمن الآثار الإيجابية للحوار الإيراني السعودي، بدء مفاوضات إيرانية مع كل من مصر والأردن، والتي تمت على هامش المحادثات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية.
يقول مسؤول إيراني رفيع المستوى، ومطلع على هذا الملف، لـ"عربي بوست": "بجانب الحوار بين طهران والرياض كانت هناك مفاوضات مهمة مع مصر، ومفاوضات أخرى أقل أهمية مع الجانب الأردني".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "المفاوضات مع الجانب المصري كانت جيدة، وكنا قد قطعنا شوطاً فيها، بالتزامن مع جولات الحوار مع السعودية، لكن يبدو أن مصر ستُعلّق المحادثات مع طهران وتحذو حذو السعودية".
وبحسب مصادر عراقية مطلعة على هذه المسألة، فإن الأردن كان قد بدأ حواراً مع إيران، لحل العديد من المسائل المتعلقة بالربط الكهربائي بين العراق والأردن والخليج، بالإضافة إلى الاستثمارات الأردنية المرتقبة في العراق.
يقول مصدر عراقي مقرب من رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، لـ"عربي بوست": "حوار الإيرانيين مع مصر والأردن كان مهماً للغاية بالنسبة للإيرانيين، الذين يريدون ضمان عدم دخول البلدين في تحالف مع الإمارات وإسرائيل ضدهم".
في السياق نفسه، يقول مصدر إيراني مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي، لـ"عربي بوست": "مصر دولة مهمة للعالم الإسلامي، والعلاقات بيننا تسير بشكل جيد إلى حد ما، وكان مستقبلها سيكون أفضل بعد الاجتماع الأمني بين مسؤولين إيرانيين ومصريين في دولة عُمان".
وبحسب المصدر ذاته، فإنه في منتصف العام الجاري، وأثناء زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لسلطنة عمان تم عقد اجتماع على الهامش بين مسؤوليين أمنيين مصريين وإيرانيين.
يقول مسؤول أمني إيراني كان من ضمن الحاضرين لهذا الاجتماع لـ"عربي بوست": "نسّق الكاظمي لهذا الاجتماع مع المسؤولين المصريين، وكان اجتماعاً إيجابياً للغاية، تمت مناقشة العديد من القضايا المتعلقة بالبلدين، على سبيل المثال أخبرنا المسؤولون المصريون أن القاهرة لا تنوي الدخول في تحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ضد إيران"، في إشارة إلى قمة النقب بين الولايات المتحدة وأربع دول عربية، بالإضافة إلى إسرائيل.
ويضيف المسؤول الأمني الإيراني قائلاً لـ"عربي بوست": "ناقشنا مع الجانب المصري أيضاً الأحداث الأخيرة في غزة، ولمسنا تفاهماً كبيراً من الجانب المصري، وتطرّقنا أيضاً إلى زيادة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين لتطبيع العلاقات أكثر".
جدير بالذكر أن إيران ومصر لديهما مكاتب لرعاية الرعايا في كلا البلدين، وقد انخفض التمثيل الدبلوماسي للبلدين بعد الثورة الإيرانية عام 1979، واستضافة الرئيس المصري الأسبق، محمد أنور السادات، للملك الإيراني المخلوع، وهو ما اعتبرته الحكومة الثورية الإيرانية في ذلك الوقت إهانة لثورة الإيرانيين.
بالنسبة إلى تطبيع العلاقات بين إيران ومصر، يقول المسؤول الأمني الإيراني، لـ"عربي بوست": "رحّبت مصر بالأمر، لكن في الوقت نفسه طلبت أن تكون المسألة تدريجية، مع الأخذ في الاعتبار الأحداث الإقليمية وتطورها".
مغادرة الكاظمي ستزيد من صعوبة استئناف الحوار الإيراني السعودي
لا يخفى عن الكثيرين الجهود الهائلة التي بذلها رئيس الوزراء السابق والمنتهية ولايته، مصطفى الكاظمي، لإقامة الحوار الإيراني السعودي بوساطة عراقية. في هذا الصدد يقول مصدر مقرب من مصطفى الكاظمي لـ"عربي بوست": "في كثير من الأوقات كان الحوار بين إيران والسعودية على وشك الفشل، لكن تدخل الكاظمي كثيراً لحل الخلافات، وقد أبلغ القادة الإيرانيون الكاظمي شكرَهم على تعاونه".
لكن الآن برحيل مصطفى الكاظمي عن الحكومة العراقية، يبدو أن الأمور بين طهران والرياض قد تزداد صعوبة. يقول مسؤول عراقي بارز ومطلع على الحوار السعودي الإيراني، لـ"عربي بوست": "السيد السوداني محسوب على الإطار التنسيقي، المدعوم من إيران، وينظر الإطار إلى السعودية بنظرة ريبة وشك دائماً، لذلك فهو لا يمتلك أدوات الكاظمي اللازمة للتوسط بين طهران والرياض".
تولّى محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة العراقية، في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وانتهى من تشكيل حكومته الشهر الماضي.
ويضيف المصدر السابق قائلاً لـ"عربي بوست": "أعتقد أنه من الصعب على السوداني أن يدير الوساطة بين الرياض وطهران، أو حتى بين طهران ومصر والأردن، كان الكاظمي يتمتع بعلاقات طيبة للغاية مع كل من السعودية وإيران، حتى قبل أن يتولى منصب رئاسة الحكومة".
في السياق نفسه، يرى المسؤول العراقي أنه حتى لو كان من الصعب استكمال رئيس الوزراء العراقي الحالي، محمد شياع السوداني، للطريق الذي بدأه سلفه في التوسط بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، فإن هذا لا يعني استحالة المسألة.
يقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست": "تجمدت المحادثات بين إيران والسعودية، وهذا أثّر على الحوار الإيراني مع مصر والأردن، خاصةً بعد ترددهما في استكمال الحوار مع الإيرانيين، بعد رغبة السعودية في التوقف، بالتزامن مع رحيل الكاظمي وتولِّي السوداني مكانه، لكن هذا لا يعني استحالة استكمال الحوارات العربية مع إيران، خاصة بعد النتائج الإيجابية الهائلة التي توصل لها الجانبان الإيراني والسعودي، في الجولات الخمس السابقة".
ويضيف المسؤول العراقي المطلع على سير الحوار الإيراني السعودي قائلاً لـ"عربي بوست": "التوقف المؤقت للحوار لا يعني إنهاءه تماماً، أعتقد أن السوداني سيحاول استكمال مسيرة الكاظمي، لكن بعدما تستقر أموره أكثر، وتهدأ الأوضاع في الداخل الإيراني".