خلّفت الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران في الأسابيع الأخيرة، ظاهرة جديدة استهدفت رجال الدين ولابسي العمائم، إلا أنها أثارت كثيراً من الجدل وأثارت الانقسام بين مؤيد ومعارض، بحسب ما قال موقع Middle East Eye البريطاني، السبت 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وانتشرت الاحتجاجات بشكل غير مسبوق في أنحاء من إيران، بعد انطلاقها قبل قرابة شهرين، إثر مقتل الفتاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً في احتجاز لشرطة الأخلاق.
بعض المتظاهرين الغاضبين بدأوا موجة من الجري على رجال الدين والإطاحة بعمائمهم، إلا أن كثيراً من المشاركين في الاحتجاجات قد واجهوا هذا الاتجاه ووصفوه بـ"غير أخلاقي"، بحسب ما نقل الموقع البريطاني.
بحسب الموقع، فإن "إطاحة العمامة" تجذب قدراً متزايداً من الاهتمام في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، في حين هدأت بعض الاحتجاجات في الشوارع التي شوهدت خلال الأسابيع الأخيرة إلى حد ما.
فيديوهات توثق الهجمات
ظهرت مقاطع فيديو مختلفة تظهر العديد من الشابات والفتيان يجرون نحو رجال دين يسيرون في الشارع ويخطفون عمائمهم ويرمونها بعيداً. وشوهد بعض المهاجمين وهم يضربون رجال الدين بعنف.
قبل بدء ظاهرة "إطاحة العمامة"، كان رجال الدين يتعرضون للانتقاد والشتائم في سلسلة من الأغاني التي أنشدها المتظاهرون في الاحتجاجات. كان شعار "الدبابات، النار، الرصاص، الملالي يجب أن ينتهوا" أحد الشعارات الأكثر استخداماً في المدن في جميع أنحاء إيران.
في جمهورية إيران الإسلامية، يشغل رجال الدين مناصب مؤثرة ومهمة في جميع أنحاء المؤسسة والسلطات، بما في ذلك القيادة العليا.
فيما أفادت وسائل إعلام إيرانية أن شخصين حتى الآن اعتُقِلا بسبب إطاحتهما بعمامات رجال دين. وقال محمد تقي نقد علي، وهو عضو برلماني: "إن الإطاحة بالعمائم عن رؤوس رجال الدين هي مؤامرة الشياطين".
كما بدأت وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الجمهوري حملة تحث المسؤولين على ضمان سلامة رجال الدين وقمع المتظاهرين الذين "يهينونهم".
يعتقد ديلارام، الذي يمتلك متجراً على الإنترنت وشارك كثيراً في الاحتجاجات، أن "إطاحة العمامة" هي "رد فعل طبيعي"، وتكتيك ذكي يذيق رجال الدين بعضاً مما يفعلونه.
مع ذلك، قالت باراستو، وهي طالبة محتجة في طهران: "لسوء الحظ، فإن نتيجة الإطاحة بالعمامة هي تحويل الاحتجاجات إلى شيء رخيص. إنه لأمر مؤسف، لأن لدينا مطالب مشروعة ومهمة: حياة كريمة لجميع الإيرانيين".
أضافت: "رجال الدين الذين يتعرضون للاعتداء في الشوارع أبرياء، فهم رجال دين عاديون لا يشغلون أي منصب حكومي، فلو كانوا داخل المؤسسة لما تمشوا في الأزقة والشوارع بدون حراس. حتى إنهم قد يكونون ناقدين للجمهورية الإسلامية".
وقال محلل سياسي مقيم في طهران، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إنه يمكن أن يفهم من أين جاءت حركة "إطاحة العمامة".
قال المحلل: "لا أستطيع أن ألوم الناس على غضبهم؛ لأنهم يعيشون تحت الضغط منذ عقود، وقد وجدوا الآن فرصة للتنفيس عن غضبهم".
إحصائية جديدة
وقُتل 326 شخصاً على الأقلّ في حملة قمع التظاهرات التي تشهدها إيران منذ سبتمبر/أيلول 2022، حسبما أكّدت منظمة حقوق الإنسان في إيران غير الحكومية التي يقع مقرّها في أوسلو.
تشهد إيران منذ 16 سبتمبر/أيلول احتجاجات إثر وفاة مهسا أميني (22 عاماً) بعد أيام من توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لعدم التزامها القواعد الصارمة للباس.
وقضى العشرات، بينهم عناصر من قوات الأمن، على هامش الاحتجاجات التي تخللها رفع شعارات مناهضة للسلطات، واعتبر مسؤولون جزءاً كبيراً منها "أعمال شغب". كما وجّه القضاء تهماً مختلفة لأكثر من ألفي موقوف.
تبنّت السلطات الإيرانية مجموعة من الأساليب في محاولة لقمع الاحتجاجات التي استحالت لأكبر تحدٍّ للقيادة الدينية منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وقالت منظمة حقوق الإنسان في إيران في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني: "قُتل 326 شخصاً على الأقلّ، بينهم 43 طفلاً و25 امرأة، على أيدي قوات الأمن خلال تظاهرات في مختلف أنحاء البلاد".
ولفتت إلى أنها لم تأخذ بالاعتبار "عدداً كبيراً من الوفيات المبلّغ عنها" إذ لا تزال تتحقق من صحتها.
تشمل الحصيلة الصادرة عن هذه المنظمة القتلى في محافظة سيستان بلوشستان (جنوب شرق) المتاخمة لباكستان والذين لا يقلّ عددهم عن 123 قتيلاً، وفقاً لأرقامها.
تؤكد المنظمة أن أكثر من 90 شخصاً لقوا حتفهم خلال تظاهرة في زاهدان في 30 سبتمبر/أيلول الذي أطلق عليه ناشطون "الجمعة الدامي".
ودعا مدير المنظمة محمود أميري مقدّم المجتمع الدولي إلى العمل من أجل إنهاء القمع في ايران.
وقال "إن "إنشاء آلية تحقيق ومساءلة دولية من قبل الأمم المتحدة سيسهل عملية محاسبة الجناة في المستقبل ويزيد تكلفة القمع المستمر على الجمهورية الإسلامية".