أصبحت المياه الملوثة سبباً رئيسياً في تفشي مرض الكوليرا في لبنان، وعلى الرغم من ذلك يستمر فقراء في بعض المناطق في استخدامها، لأن المياه الصالحة للاستخدام ليست متوفرة لدى معظم سكان البلدات الغارقة بالفقر في شمال لبنان، والتي تحولت إلى بؤرة لتفشي الوباء.
اللبنانية مروى خالد أصبح ابنها أحد ضحايا الكوليرا، وتتوقع المرأة أن "يصاب الجميع بالكوليرا" في البلدة، على غرار ابنها البالغ 16 عاماً، الذي لا يزال يخضع للعلاج في مستشفى ميداني أقيم في بلدة ببنين، نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022.
مثل كثير من سكان هذه البلدة المكتظة، تشرب مروى (35 عاماً) وأولادها الستة من المياه غير النظيفة، نظراً إلى أن إمكاناتهم لا تتيح لهم شراء قناني المياه المعدنية، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، السبت 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
تقول مروى وهي تقف قرب سرير ابنها في المستشفى، إن "الناس يدركون ذلك ولكن ما في اليد حيلة، فلا خيار آخر لدينا".
بدأت حالات الكوليرا بالظهور في لبنان، في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2022، للمرة الأولى منذ عقود، في ظل انهيار اقتصادي انعكس سلباً على قدرة المرافق العامة على توفير الخدمات الرئيسية من مياه وكهرباء واستشفاء، مع تداعي البنى التحتية.
منظمة الصحة العالمية، حذرت من انتشار سريع لوباء الكوليرا الفتاك في لبنان، مع بلوغ الإصابات المؤكدة نحو 400، وارتفاع الوفيات الناتجة عنها إلى 18.
من جانبها، قالت رنا عجاج، وهي تهتم بابنتيها في المستشفى الميداني، إنها أصيبت مع أربعة آخرين من أفراد أسرتها الثمانية بالكوليرا، مضيفةً أنه "حتى بعد أن يُشفى المصابون منا سنشرب مجدداً من المياه نفسها، وسيتكرر ما حصل، ونمرض مرة أخرى".
في الجانب الآخر خلف ستارة فاصلة، يقبع ابن العاشرة مالك حمد، الذي فقد 15 كيلوغراماً منذ إصابته بالمرض قبل أسبوعين، ويجد صعوبة في شرب محلول معالجة الجفاف، فيما تخشى والدته أن يصاب أبناؤها العشرة الآخرون أيضاً.
شهدت بلدة ببنين التي تضم عائلاتها عدداً كبيراً من الأفراد وتعيش في حال فقر، أكثر من ربع إجمالي حالات الكوليرا في لبنان.
يحضر يومياً نحو 450 شخصاً للمراجعة إلى المستشفى الميداني في ببنين، الواقعة على بعد نحو 20 كيلومتراً من الحدود مع سوريا، وفقاً لما ذكرته مديرة المستشفى الميداني ناهد سعد الدين.
مياه ملوثة بالصرف الصحي
يبلغ عدد سكان ببنين نحو 80 ألفاً، ربعهم من اللاجئين السوريين، وفي مخيم الريحانية المخصص لهم قرب البلدة، سجلت الإصابة الأولى بعد ظهور حالات في سوريا.
قليلة هي منازل ببنين المتصلة بشبكة مياه سليمة، والتي تُعد في الأصل متداعية، ولا انتظام أصلاً في تغذيتها بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي.
يشير المهندس في مؤسسة مياه لبنان الشمالي طارق حمود إلى أن عدد المنازل المشتركة في الشبكة لا يتجاوز 500، ويضطر معظم السكان إلى شراء المياه التي تنقلها صهاريج من آبار تكون أحياناً ملوثة.
يجتاز البلدة أحد روافد نهر البارد الملوث بالكوليرا، بحسب مديرة المستشفى الميداني، ما أدى إلى تلويث الآبار وعيون الماء التي درج السكان على الشرب منها.
تقول سعد الدين إن "هذه المياه تروي كل الأراضي الزراعية، وتلوث كل الآبار وعيون المياه في ببنين".
بدوره، قال جمال السبسبي وهو يشير إلى المياه التي يميل لونها إلى الأسود وتروي "المزارع والأراضي الزراعية"، إن مياه الصرف الصحي تصب في النهر، وتنتشر فيه حفاضات الأطفال والنفايات "وكل الأشياء المقرفة"، ويسأل مستنكراً "ماذا تفعل البلدية حيال ذلك؟ إنها نائمة".
أضاف السبسبي أنه "لا غرابة في انتشار الأمراض، فهي حتماً ستتفشى في ظل واقع كهذا!".
تظهر الكوليرا عادة في مناطق سكنية تعاني شحاً في مياه الشرب أو تنعدم فيها شبكات الصرف الصحي، وغالباً ما يكون سببها تناول أطعمة أو مياه ملوثة، وتؤدي إلى الإصابة بإسهال وتقيؤ.
يمكن علاجها بسهولة، لكن قد تفتك بالمريض خلال ساعات في غياب الرعاية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
سعياً إلى مكافحة انتشار الوباء، بادر كل من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) والصليب الأحمر اللبناني إلى توزيع مادة الكلور القابلة للذوبان على السكان بغية تعقيم المياه.
تقول صابرة علي، البالغة من العمر 44 عاماً، وهي ناظرة مدرسة، توفي اثنان من أفراد عائلتها جراء الكوليرا، في أكتوبر/تشرين الأول 2022: "لم أخَف من فيروس كورونا بقدر ما أخاف اليوم من الكوليرا".
في حين ترى مديرة المستشفى الميداني ناهد سعد الدين أن "البنى التحتية تحتاج إلى تغيير، والآبار والعيون تحتاج إلى معالجة"، وتضيف: "نطالب بخطة على المدى الطويل لمعالجة الوضع، وإلا سنرى كوارث أكثر بكثير".
يُشار إلى أن اللبنانين يعانون منذ عام 2019 أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة، أدّت إلى انهيار قياسيّ بقيمة الليرة، فضلاً عن شح الوقود والأدوية وانهيار القدرة الشرائية وسوء في الخدمات.