كشفت صحيفة The Guardian البريطانية في تقرير نشرته الإثنين 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أن فرق العُمّال في مصر تضع اللمسات الأخيرة على كافة استعدادات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27)، الذي تستضيفه مدينة شرم الشيخ المصرية الواقعة بالقرب من الطرف الجنوبي لشبه جزيرة سيناء في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
حيث تنتشر حافلات حديثة جديدة جاهزة لنقل ضيوف المؤتمر عبر الطرق السريعة الموسعة المتقاطعة مع المناظر الطبيعية الصحراوية وتحيط بها ممرات مشاة جديدة لامعة مزينة، إضافة إلى تشغيل عدد من محطات الطاقة الشمسية.
مصر تنشر تقنيات مراقبة جديدة في مؤتمر المناخ
تضمنت الاستعدادات أيضاً تقنيات مراقبة جديدة مُشدّدة جعلت اللواء خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، يتباهى مؤخراً في قناة تلفزيونية محلية بأنَّ أي زائر سيدخل براً سيتعرَّض لإجراءات تفتيش واسعة النطاق عند بوابة المدينة. وأضاف أنَّ هناك 500 سيارة أجرة بيضاء مخصصة لنقل الضيوف الحاضرين خلال فترة المؤتمر، وستكون مُزوَّدة بكاميرات داخلية متصلة جميعها بـ"مرصد أمني" محلي للمراقبة.
كذلك سوف تسمح سلطات المدينة بتجمع المحتجين الراغبين في التظاهر أثناء مؤتمر المناخ، لكن في المنطقة المبنية المُخصّصة لهذا الغرض بالقرب من طريق سريع في الصحراء وبعيداً عن مركز المؤتمرات أو أي أماكن أخرى نابضة بالحياة.
كبائن خاصة للمتظاهرين
حيث تُظهر صور المنطقة المخصصة للتظاهر صفاً من الكبائن المطلية باللون الأبيض بين سلسلة من أشجار النخيل وساحة انتظار للسيارات. لم يتضح ما إذا كان سيُسمح للمتظاهرين بالانتشار في أرجاء المساحات الشاسعة المفتوحة أو سيضطرون إلى التجمع بجوار تلك الكبائن لإيجاد ملاذ من حرارة شمس الصحراء.
قال فودة، في لقائه مع القناة التلفزيونية المصرية، إنَّ منطقة التظاهر "متحضرة ونظيفة للغاية تضم مقاهي ومطاعم"، مضيفاً أنَّ السلطات المصرية شيدت منطقة مُخصّصة للتظاهر استجابةً لسلسلة من الدعوات من دبلوماسيين غربيين أعربوا عن قلقهم من حظر الاحتجاجات أثناء مؤتمر المناخ.
من جانبه، سخر حسين باعومي، الباحث لدى منظمة العفو الدولية، من رؤية الحكومة المصرية لمنطقة التظاهر، واصفاً إياها بـ"المسرحية". قال باعومي: "هم لا يريدون السماح بالحق في الاحتجاج أو حرية التجمع، لكنهم يريدون أن يبدو كأنهم كذلك". وأضاف: "إنَّها تبيّن رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي للاحتجاج: أن تذهب للتسجيل وتحتج لمدة ساعة في مكانٍ بعيد، حيث لا يمكن لأحد رؤيتك، ثم يراقبك بالكاميرات حتى تستطيع السلطات معرفة ما إذا كنت تقول شيئاً لا يعجبهم".
بالنسبة للعديد من المراقبين، كان اختيار الحكومة المصرية عقد مؤتمر المناخ في مدينة ساحلية بعيدة عن العاصمة الصاخبة البالغ عدد سكانها 22 مليون نسمة أمراً متعمّداً. لطالما استخدمت القيادة المصرية مدينة شرم الشيخ ملاذاً للهروب من مواطنيها وإبعاد كبار الشخصيات والمسؤولين الزائرين عن المدن الرئيسية في البلاد عند حضورهم أحداثاً رسمية.
حيث قال باومي: "تعتبر شرم الشيخ ملاذاً سياحياً فاخراً تستطيع الحكومة فيه استبعاد غالبية المصريين واستثمار كميات هائلة من موارد الدولة لضمان إبقاء كل شيء تحت المراقبة والسيطرة. إنَّها تخبرنا كيف تنظر القيادة ومؤسسة الرئاسة المصرية إلى مجتمعها المثالي، مجتمع مسوَّر بدون جماهير".
بناء جدار ضخم حول شرم الشيخ
مع ذلك، ثمة تناقض واضح بين معاملة مَن يكون موضع ترحيب في مجتمع شرم الشيخ المسوَّر المميز بالفنادق الفاخرة والمنتجعات الساحرة ومعاملة أشخاص يعيشون في أماكن أخرى بشبه جزيرة سيناء. كان اللواء خالد فودة قد أشرف على بناء جدار ضخم حول مدينة شرم الشيخ لتزيينها وتأمينها. في الوقت نفسه، تتعرض منذ فترة طويلة، المجتمعات البدوية والمحلية -التي تعيش في شمال شبه جزيرة سيناء- للإهمال وممارسات عنف ترتكبها الدولة، من ضمنها الهدم الجماعي للمنازل.
في السياق ذاته، ينظر مراقبون إلى قرار استضافة مؤتمر المناخ في مدينة شرم الشيخ باعتباره وسيلة السلطات المصرية للتحكم في اختيار المواطنين المسموح لهم بالتواصل مع الحاضرين في المؤتمر. قال بومي من منظمة العفو الدولية: "هم يريدون منع الوفود الرسمية وكبار المسؤولين من لقاء المصريين؛ حتى يتسنى لهم إخفاء ما يحدث داخل البلاد من جرائم".
في حين وصف أحد المشاركين، والذي حضر إحاطة إعلامية مع مسؤولين مصريين في مؤتمر بون لقمة الأمم المتحدة للمناخ هذا العام، كيف تحدثوا عن مؤتمر المناخ في شرم الشيخ. قال: "لقد سوّقوه لنا كعطلة جميلة في منتجعات الإقامة الشاملة ذات فئة الخمس نجوم".
أضاف: "لقد أطلعونا على صور منتجعات ولمَّحوا إلى أنَّنا سنكون قادرين على الاستمتاع بالعديد من الأنشطة الترفيهية على نحو يجعلك تعتقد أنَّك ذاهب لقضاء عطلة الأحلام".
في المقابل أشار مراقبون إلى أنَّ التسويق السياحي لمدينة شرم الشيخ قبل انطلاق مؤتمر المناخ يوضح كيف تنظر القيادة المصرية الآن إلى محادثات المناخ الحيوية، يبدو أنَّ الأمر لا يتعلق بمناقشة ما هو موجود على جدول الأعمال أو متابعة تحقيق النتائج، بل يتعلق فقط بجلب المال وممارسة "الغسل الأخضر" و"التقاط الصور الجميلة طوال فترة انعقاد المؤتمر".