حصلت الاستخبارات الأمريكية على معلومات تفيد بأن شخصاً من الدائرة المقربة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، صرَّح له مباشرة في الأسابيع الأخيرة بخلافه معه بشأن طريقة تعامله مع الحرب في أوكرانيا.
يمثل هذا النقد أبرز علامة حتى الآن على الاضطراب القائم داخل القيادة الروسية بشأن إدارة الحرب التي أخطأت موسكو فيها أخطاء فادحة، ما أجبر بوتين الشهر الماضي على إصدار الأوامر بتعبئة مئات الآلاف من القوات في محاولة بائسة لتدارك الأمور، والانقلاب على مسار الخسائر الغالب على سير المعركة في المدة الماضية، بحسب صحيفة The Washington Post الأمريكية.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن أشخاص مطلعين على الأمر، بشرط عدم الكشف عن هويتهم، أن الاستخبارات الأمريكية عدَّت هذه المعلومات مهمةً بما يكفي لتضمينها في الإحاطة الاستخباراتية اليومية للرئيس الأمريكي جو بايدن، ولإطلاع مسؤولين أمريكيين آخرين عليها.
إذ قال مصدر إن الاستياء الذي أعرب عنه شخص بالدائرة المقربة لبوتين يرجع إلى ما وصفه مطلعون بسوء إدارة روسيا للمجهود الحربي [تعبئة الموارد المساندة للقوة العسكرية] والأخطاء التي ارتكبها مسؤولون عن تنفيذ الحملة العسكرية.
ولم يُكشف للصحيفة الأمريكية عن هوية المصدر المطلع، إلا أن اسمه واردٌ في تقارير الاستخبارات الأمريكية.
ووفقاً للصحيفة، فإن المعلومات الاستخباراتية الواردة حديثاً، إلى جانب تصريحات علنية من مسؤولين روس، تؤكد شدةَ الخلافات داخل عليةِ المسؤولين المقربين من بوتين، وتتجلى أهمية الأمر في أن هؤلاء المسؤولين لطالما أعرضوا عن إطلاع الزعيم الروسي على أي أخبار سيئة، وما بلغه بوتين الآن من عزلة فاقت عزلته في أي وقت آخر خلال 22 عاماً من الحكم.
من جانب آخر، رفض متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي التعليق على المعلومات الاستخباراتية التي أوردتها الصحيفة الأمريكية.
المقربون من بوتين قلة
يُذكر أن الأشخاص الذين يراهم بوتين مساعدين ومستشارين مقربين له أو موثوق بهم ليسوا إلا قلة تتألف بالأساس من زملاء عمله منذ أيام خدمته في الاستخبارات الروسية "كي جي بي" وخواصه الذين التقاهم أثناء عمله نائباً لرئيس بلدية سانت بطرسبرغ في التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
ورغم أن الحرب تشارف على شهرها الثامن، فإن الانتصار الروسي ما زال بعيد المنال وغير واضح المعالم، ما دعا مسؤولين استخباراتيين للقول إن الولاء المطلق الذي كان يحظى به بوتين ربما يتطرق الشك إليه، لكنهم نبهوا في الوقت نفسه إلى غياب أي بادرة على أن الزعيم الروسي عرضة للإضعاف أو الإزاحة.
حيث قال مسؤول استخباراتي غربي: "منذ بداية الحملة الروسية على أوكرانيا، ورد إلينا أن هناك مخاوف متزايدة بين الدائرة المقربة من بوتين. وتشير تقديراتنا إلى أن هذه المخاوف تشتد خاصة بسبب الخسائر الروسية في المدة الماضية والتوجيهات المضللة وأوجه القصور العسكرية التي اتسع نطاقها".
فيما قال مسؤول غربي كبير ثانٍ إن التوترات الداخلية "تتوافق مع المسار الذي اتخذته الحملة عند الروس والأجواء السائدة في الكرملين. فهناك كثيرون مقتنعون بأن الأمور لا تسير على ما يرام، أو أن العمل لا يجري على المسار الصحيح".
الخلاف حول قرار التعبئة فقط
إلى ذلك، أقرَّ ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، بوجود خلافات ومناقشات بين القادة الروس بشأن القرارات المهمة مثل قرار التعبئة العامة، حيث قال بيسكوف لصحيفة The Washington Post: "تختلف الآراء في لحظات كهذه، ويرى بعضنا أن الأولى بنا أن نتخذ تصرفاً مختلفاً، لكن هذا كله جزء من التسيير المعتاد للعمل".
وعند سؤال بيسكوف عن الخلافات داخل الدائرة المقربة من بوتين، أوضح: "يدور حجاج بشأن الاقتصاد، وسير العملية العسكرية، كما تجري مجادلات بشأن نظام التعليم. هذا جزء من سيرورة العمل العادية، وليس علامة على أي انقسام".
لكن بيسكوف أكد أن تقارير الاستخبارات الأمريكية عن إبداء شخص من الدائرة المقربة للرئيس الروسي معارضة مباشرة له "تقارير غير صحيحة على الإطلاق".
وفي معرض الحديث عن تراجع مساندة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، والزعيم الصيني، شي جين بينغ، لجهود بوتين الحربية خلال المؤتمر الذي جمعهم بالرئيس الروسي الشهر الماضي في سمرقند، قال مسؤول روسي بشأن لقاء أجراه بوتين يوم الإعلان عن التعبئة، إن الرئيس الروسي "بدا لي في موقف ضعيف. فقد أخذنا نسمع طوال هذه الأشهر أن نصف العالم إلى جانبنا. لكن لا مودي ولا شي يساندان ذلك الآن".
"هناك بعض الاحتجاج"
وفي محادثة أخرى هذا الأسبوع، قال المسؤول الروسي إنه لم يسمع بأي معارضة مباشرة لبوتين من دائرته المقربة، لكن "هناك بعض الاحتجاج" من رؤساء اللجان البرلمانية حول الطريقة التي يدير بها الرئيس والجيش الحربَ، وبشأن "سوء التدبير في تزويد الجيش بالإمدادات، ولماذا لا تسير الحملة كما ينبغي".
في غضون ذلك، قال مسؤولون أمنيون كبار في أوروبا إنه لم ترد إليهم معلومات بأن أي شخص تجرأ على تحدي بوتين بمعارضةٍ مباشرة بشأن ما يجري في أوكرانيا، وأشاروا إلى أنهم لم يطلعوا على تقارير الاستخبارات الأمريكية عن معارضة بوتين.
الانتقادات تدور خلف بوتين
ومع ذلك، قال مسؤول أمني أوروبي بارز إن "الانتقادات المتزايدة لبوتين تدور من خلف ظهره، حتى في الكرملين نفسه. فبعضهم يراه عنيداً، ومهووساً بأوكرانيا. ولا يشاركه الجميع هذا الهوس بالضرورة".
من جانب آخر، قال مديران تنفيذيان روسيان لشركات لها اتصالات مع مسؤولين سياسيين إن الانتقادات حاضرة بالفعل، وإن الأسابيع المقبلة قد تكون حاسمة في تحديد مستقبل بوتين والقرارات بشأن الحرب، "فإذا لم يوقف الجيش الروسي خسائره، ستشتعل الخلافات الداخلية. قد تكون هذه مرحلة مصيرية".
بوتين يتعرض لانتقادات حادة في الداخل
في غضون ذلك، أشار تقرير آخر لصحيفة The Washington Post إلى أن "وزير الدفاع الروسي يتعرض لانتقادات حادة في الداخل، في ظل تراجع قواته".
تقرير الصحيفة الأمريكية ذكر إن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، واجه ضغوطاً سياسية مكثفة يوم الخميس، 6 أكتوبر/تشرين الأول، بشأن مجموعة من عمليات التراجع غير المنضبطة في أوكرانيا، وقد هاجمت شخصيات قومية بارزة القيادة العسكرية علناً بسبب انتكاسات في المناطق التي زعم بوتين أنه بسط سيطرته عليها وضمها إلى روسيا.
يأتي ذلك بعد أن شنَّ الجيش الروسي عدة هجمات صاروخية يوم الخميس، 6 أكتوبر/تشرين الأول على منطقة زاباروجيا، المركز الإداري لمقاطعة زاباروجيا أوبلاست الأوكرانيا التي أعلنت روسيا ضمَّها إليها، وقالت سلطات المدينة إن الصواريخ أصابت مجمعات سكنية، ما اسفر عن مقتل 3 أشخاص.
جاءت الانتقادات المتزايدة والعنيفة للقيادة الروسية من قوميين متشددين، كان بعضهم يحمل الضغائن لشويغو منذ زمن طويل، وعلى رأسهم يفغيني بريغوزين، الثري الروسي المقرب من بوتين ومؤسس مجموعة مرتزقة فاغنر، والزعيم الشيشاني رمضان قديروف، لا سيما وأن لكل منهما قوات عسكرية تابعة تقاتل في أوكرانيا.
وزير الدفاع الروسي في خطر بسبب الإخفاقات
الصحيفة الأمريكية قالت أيضاً إن وزير الدفاع الروسي بات أكثر عرضة للخطر بعد الإخفاقات العسكرية المهينة للقوات الروسية في الأسابيع الأخيرة، وأبرزها خسارة ليمان مطلع هذا الأسبوع، وهي مركز عبور استراتيجي في دونيتسك، فضلاً عن استسلام القوات الروسية في معظم مناطق شمال شرق خاركيف الشهر الماضي.
وفي مقطع فيديو نُشر على تليغرام، قال كيريل ستريموسوف، نائب رئيس الإدارة الإقليمية الروسية لخيرسون بالوكالة، إن أداء شويغو في أوكرانيا بلغ من السوء أن أي ضابط حقيقي مكانه كان ليقتل نفسه، وكثير من الناس لو كانوا محل وزير الدفاع، وبلغت الأمور هذه الحال، لأطلقوا النار على أنفسهم، لو كانوا ضباطاً حقيقيين، "لكن كثيراً من الناس لا يفهمون معنى كلمة (ضابط)".
ويوم الخميس، تداولت قنوات التليغرام الموالية لروسيا مقطع فيديو ظهر فيه بضع مئات من الجنود الروس انضموا إلى التعبئة حديثاً، واشتكوا من احتجازهم "مثل قطعان الماشية"، وإجبارهم على شراء طعامهم وإعطائهم أسلحة قديمة صدئة. وقد انتشر الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن نشرته قناة Rybar على تليغرام، وهي مدونة عسكرية مؤيدة للكرملين تضم أكثر من 900 ألف مشترك.
وانتقد إيغور جيركين، المدون العسكري القومي المتشدد والضابط السابق في جهاز الأمن الفيدرالي، رئيس هيئة الأركان العامة الروسية، فاليري جيراسيموف، وتوقع أن وزارة الدفاع "ستحاسب قريباً على كثير من الأشياء التي فعلتها (أو التي لم تفعلها بالأحرى) قبل الحرب وأثنائها. ويعني ذلك أن شخصاً ما سيُقال، شخصاً في منصب بارز"، وكانت تلك إشارة مباشرة إلى شويغو، بحسب الصحيفة الأمريكية.