يأخذ ملف عودة المعارضين المصريين بالخارج زخماً ملحوظاً بعد إعلان عضو مجلس حقوق الإنسان (حكومي) ورئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، مبادرته التي فتحت الباب أمام تلقي رغبات من يريدون العودة إلى الداخل.
هذا الزخم يتعلق بمسارات بدأت تسير في الدولة من أجل إتمام عودة بعض المعارضين بالفعل، تبدأ بلجنة العفو الرئاسي ثم تليها مقترحات من الحوار الوطني، الذي سيستكمل الطريق مع بقية المعارضين.
"عربي بوست" استطاع الوصول لخطة لجنة العفو الرئاسي بخصوص المعارضين، بالإضافة إلى المقترحات التي سيبحثها الحوار الوطني لاحقاً، والتي تضم بينها عودة بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
العفو الرئاسي.. الإعلان قريب
وبحسب مصادر مطلعة عديدة تواصلت معها "عربي بوست"، فإن لجنة العفو الرئاسي التي أعاد تشكيلها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أبريل/نيسان الماضي، تعمل على هذا الملف بالفعل، وتستعد للإعلان عن عودة شخصيات معارضة معروفة.
وكشف عضو بارز في لجنة العفو الرئاسي، على صلة بملف عودة المعارضين، أن جهات رسمية عديدة تعمل في الوقت الحالي على الملف كبادرة قبل انطلاقة جلسات الحوار الوطني المزمع عقدها في الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول، مع السماح بعودة آخرين أثناء انعقاده.
وقال في تصريحه لـ"عربي بوست"، إن الفترة الحالية تشهد تواصلاً بين وسطاء وعدد من المعارضين للاتفاق حول الخطوط العريضة لآليات عودتهم وطبيعة ممارسة العمل العام.
وأفصح عن أن هناك لجنة جرى تشكيلها من وزارتي الخارجية والداخلية إلى جانب النائب العام، لدراسة الحالة التي ستتقدم بها لجنة العفو الرئاسي خلال الأيام المقبلة، والتي تتضمن طلباً من المهندس ممدوح حمزة (أحد معارضي النظام الحالي) للعودة إلى جانب العشرات الآخرين ممن لديهم نشاط سياسي معارض أو أشخاص عاديين يخشون العودة لأسباب مختلفة.
وأوضح المصدر ذاته أن القائمة التي ستتقدم بها لجنة العفو إلى الجهات المعنية من المتوقع أن تسمح بعودة المعارضين بالتزامن مع انطلاق الحوار الوطني.
وأضاف أن تقديم القائمة جاء بعد استيفاء مجموعة من الشروط على رأسها إقرارهم بشرعية الدستور الحالي، والالتزام بما جاء فيه من بنود، وعدم تورطهم في جرائم عنف أو حصولهم على أحكام قضائية في قضايا لها علاقة بالإرهاب أو حتى قضايا جنائية.
الحوار الوطني.. جماعة الإخوان المسلمين
لكن المصدر ذاته عاد وأكد أن الحوار الوطني من المتوقع أن يناقش فتح باب عودة المحسوبين على جماعة الإخوان والتيار الإسلامي بوجه عام، وهو ما أكده أيضاً عضو بالحوار الوطني لـ"عربي بوست".
وأوضح أن السماح بعودتهم سيكون بشكل شخصي مع دراسة كل حالة على حدة، وليس على مستوى جماعي، شريطة إقرارهم بالوضعية السياسية الراهنة بالبلاد، واعترافهم بشرعية النظام المصري والدستور القائم.
وذهب عضو لجنة العفو الرئاسي إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن الحوار الوطني سيدرس مقترحات بعودة المعارضين ممن صدرت ضدهم أحكام "غير منطقية"، أو ممن يواجهون اتهامات مبالغ فيها أو يشوبها أخطاء واضحة، على حد قوله.
كما أشار إلى أن الحوار الوطني سيدرس أوضاع الآلاف من الحالات لكن بشكل فردي، والتواصل معهم عبر مجموعات عمل مشكلة من جهات أمنية وأحزاب محسوبة على الحكومة، وكذلك شخصيات لديها علاقات بأشخاص في الخارج.
محاولة ترسيخ بيئة الانفتاح السياسي
لا تنفصل التوجهات التي كشف عنها المصدر عن حالة عامة يحاول النظام الحالي ترسيخها في عقول المواطنين في الداخل والخارج بأنه في طريقه للسماح بهامش من الحرية، ويعمل على مراجعة الملفات السياسية بعد سنوات من غلق المجال العام بشكل كامل، والتخفيف من حدة القبضة الأمنية التي اعتاد عليها منذ وصوله إلى السلطة.
وبحسب سياسي بارز وعضو في لجنة الحوار الوطني، فإنه لن يكون لدى النظام الحالي غضاضة في السماح بعودة المئات من المعارضين ما التزموا الصمت أو لم يشكلوا تهديداً مباشراً عليه.
وأضاف لـ"عربي بوست" أن الحالات السابقة التي عادت والتزمت بذلك بمثابة ترمومتر تقيس عليه السلطة إمكانية نجاحها في عودة آخرين، وهو ما يظهر من خلال صمت المخرج والنائب السابق بالبرلمان خالد يوسف، وتراجع الأكاديمي الليبرالي عمرو حمزاوي عن آرائه تجاه النظام الحالي، وكذلك اختفاء وائل غنيم الذي لم يظهر منذ إعلانه عودته.
ويشير مصدر أمني مطلع على صلة بسلطة اتخاذ القرار في مصر، إلى أن محور الحقوق السياسية والمدنية بالحوار الوطني يضع ملف عودة المعارضين على جدول الأعمال، وهناك تفاصيل عديدة ستتوقف على مدى ما سيتم التوصل إليه في النقاشات التي سوف تستمر على مدار الأشهر المقبلة، بينها ملف عودة أعضاء جماعة الإخوان ممن لم يتورطوا في أعمال عنف، على حد قوله.
خطوات أمنية عديدة قبل العودة
وأعاد التأكيد على ما ذكره عضو لجنة العفو الرئاسي بشأن مناقشتها عدداً من الحالات في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن رئاسة الجمهورية كلفت جهات أمنية مؤخراً بمتابعة الملف ووضع تصور عام لمن تشملهم حالات العودة، على أن تكون عودتهم من خلال تلك اللجنة التي تعد مؤسسة رسمية، وهو ما يحرص عليه النظام الذي يبعث رسائل عديدة بأن خطواته نحو فتح المجال العام معلنة وتأتي غالباً من رئيس الدولة أو أجهزة حكومية أو كيانات تشكلت بإشراف الرئيس المصري.
ويقول المصدر ذاته إن هناك خطوات عديدة تمر بها مسألة عودة المعارضين تبدأ بدراسة الحالات التي تقدم مبادرات للعودة، كل على حدة، وفي البداية التعرف على ما إذا كان الشخص يمثل خطراً على السلطة الحالية من عدمه، والتعرف على التقرير الأمني الخاص به بجهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً)، والضمانات التي يقدمها لعدم إثارة الجدل السياسي أو الخروج عن الإطار العام للعمل السياسي الذي تسمح به الدولة.
وفي كلا الحالات فإن الدولة لا توجه الدعوة لعودة أحد، وهناك مجموعة من الأساليب التي يمكن أن يلجأ إليها من يرغبون في العودة، على رأسها التواصل مع الجهات الأمنية والقانونية للتعرف على مواقفهم من العودة، إلى جانب تدخلات شخصية من جانب أشخاص على صلة وثيقة بالأجهزة الأمنية يلعبون دور الوساطة بين الراغبين في العودة والجهات الأمنية التي يتبعون لها بشكل مباشر أو غير مباشر، بحسب ما أكد المصدر ذاته.
ويمكن النظر إلى المبادرة التي أطلقها السادات في 17 سبتمبر/أيلول الجاري في هذا الإطار، كونها تعد إحدى أدوات الوساطة الجديدة التي قد تستنجد بها الحكومة المصرية التي تكابر في تقديم مبادرات مباشرة للعودة، وتشي بأن المعارضين هم من لديهم رغبة في العودة، وذلك كون المبادرة معنية باستقبال طلبات من لديهم رغبة في العودة، ومن ثم طرحها على مجلس أمناء الحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسي لدراستها، وهو ما أشار إليه مصدر مطلع يشارك كعضو في إحدى لجان الحوار الوطني.
مبادرة السادات إحدى أساليب التواصل مع معارضي الخارج
وشدد على أن المحور السياسي بالحوار الوطني سوف يتسلم رغبات الساعين للعودة مع بدء الجلسات، على أن يتضمن ذلك التعرف على رؤية حزب الإصلاح والتنمية في كيفية عودتهم ودمجهم بالمجتمع باعتبارها إحدى المقترحات التي ستتم مناقشتها، وأن الحزب أبلغ جهات رسمية بوصول رغبات من العشرات الراغبين في العودة حتى الآن.
ويلفت إلى أن الحوار سيناقش الضمانات التي سيقدمها العائدون لضمان عدم تورطهم في أنشطة تشكل خطراً على الأمن القومي (دون أن يوضح ماهية تلك الأنشطة)، وفي المقابل فإنه سيحصل على ضمانات موازية من النظام المصري بعدم التعرض لهم، ولن تكون هناك عودة لأي معارض ما لم تكن هناك أجواء سياسية تشي بإمكانية عودتهم دون مضايقات.
المصدر الأمني المطلع أكد بدوره أن الدستور المصري الذي يطالب النظام المصري معارضيه باحترامه ينص على حرية التنقل والسفر والهجرة، وإذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية فإنه من المتوقع أن يعود المئات خلال فترة وجيزة، وأن الحوار ولجنة العفو الرئاسي ستكون مهمتها تحديد آليات العودة وطمأنة المعارضين بأنه لن يتم التعرض لهم.
واتفق كذلك على أن عودة عناصر تنظيم الإخوان ستكون حاضرة ضمن النقاشات المقررة لكن بدراسة الحالات الفردية، وأن الفيصل في إمكانية فتح المجال أمامهم من عدمه يتمثل في كيفية تعامل السلطة مع العائدين من التيارات الأخرى، وإذا كان هناك تجاوب منها أو من جانب الأجهزة المعنية بدراسة الملف فإن ذلك يفتح الباب أمام توسيع مبادرات العودة لتكون أكثر شمولاً.
شباب الخارج لا يعوّل على المبادرات المصرية
ولا يعول كثير من المعارضين في الخارجي على جدوى ما تذهب إليه الحكومة التي تظهر كطرف منفتح على عودتهم؛ لأن كثيراً منهم يواجهون تعنت السفارات المصرية بالخارج بسبب عملية تجديد جوازات سفرهم، يفاجأون برفض هذا الطلب دون إبداء أسباب، قبل أن يعرف البعض منهم بأن أسماءهم ضمن قوائم يحظر الأمن التعامل معهم، كنوع من الضغط عليهم لإجبارهم على العودة إلى البلاد.
وأشار أحد المعارضين بالخارج، رفض ذكر اسمه، إلى أن غالبية المعارضين اضطروا لرفع دعاوى قضائية لمحاولة الحصول على حكم قضائي واجب النفاذ يلزم الخارجية المصرية عبر السفارات والقنصليات التابعة لها في العواصم العالمية، بتجديد جواز السفر الخاصة بهم، غير أن كثيراً من الحالات يجري رفضها من جانب محكمة القضاء الإداري.
ويؤكد أن بعض المعارضين المقيمين في دول مختلفة تعرضوا لمحاولات تضييق متعددة على مدار السنوات الماضية لإجبارهم على الصمت، وبعض الحالات جرى التنكيل بذويهم بالداخل، وبالتالي فإن عودتهم تبدو مستحيلة حتى وإن حاول النظام إثبات عكس ذلك، والأمر بحاجة أولاً لإعادة بناء جدران الثقة قبل التفكير في العودة حتى لا يتعرض أحد لما تعرض له الكاتب الصحافي المعارض جمال الجمل.
واعتقلت أجهزة الأمن الجمل فور وصوله إلى مطار القاهرة في شهر فبراير/شباط 2021، قادماً من العاصمة التركية إسطنبول، وفي ذلك الحين بررت وزارة الداخلية القبض عليه باعتباره ضمن الأسماء المدرجة على قوائم ترقب الوصول بتهمة الضلوع في مساندة جماعة الإخوان والترويج لأفكارها والتحريض على ارتكاب أعمال عنف، والظهور على منصات معادية لتأليب الرأي العام في مصر، قبل أن يتم الإفراج عنه في يوليو/تموز من العام الماضي.
ومازالت واقعة إعادة اعتقال الناشط السياسي شريف الروبي أحد مؤسسي حركة 6 أبريل، الشهر الجاري، بعد 3 أشهر من الإفراج عنه ضمن قوائم العفو الرئاسي عالقة في أذهان معارضي الخارج؛ لأن القبض عليه جاء بسبب رأيه الذي عبر عنه وتطرق فيه إلى ما يعانيه سجناء الرأي السابقون بعد أن باتوا محرومين من العودة للحياة الطبيعية بالحصول على فرص للعمل أو التمتع بحرية الحركة والانتقال التي يكفلها الدستور المصري والمواثيق الدولية.
الإفراج عن السجناء بالتنقيط قد يتكرر مع معارضي الخارج
ولدى كثير من المعارضين قناعة بأن الوتيرة البطيئة التي تسير بها الحكومة المصرية للإفراج عن معتقلي الرأي ستتكرر معهم، وفي النهاية قد يكون الحد الأقصى هو عودة المئات ممن ليس لديهم نشاط سياسي.
إلى جانب أن المناخ العام لا يبشر بأن هناك أجواء انفتاح سياسي، وأن التباطؤ في انطلاق الحوار الوطني، الذي قد يكون قابلاً للتأجيل مرة أخرى، وكذلك توالي القبض على المعارضين، يؤشر على أن النظام المصري يقوم بإجراءات وقتية، من المحتمل أن يتراجع عنها عقب انتهاء قمة المناخ المقررة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ومنذ بدء الحوار الوطني، أطلق سراح 243 سجين "رأي" على الأقل بجهود من لجنة العفو الرئاسي، أبرزهم يحيى حسين ومحمد محيي الدين ومجدي قرقر (محسوب على الإسلاميين) والصحفي عبد الناصر سلامة، والسفير السابق يحيى نجم، والناشط العمالي هيثم محمدين.
وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير نشرته مؤخراً، إن "أزمة حقوق الإنسان تعمقت" في مصر بعد عام على إطلاق الحكومة "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، وقبل بضعة أسابيع على استضافة قمة المناخ.
وأكدت في تقرير بعنوان "معزولة عن الواقع.. الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تخفي أزمة حقوق الإنسان"، أن "السلطات المصرية لجأت لهذه الإستراتيجية كأداة دعائية للتغطية على القمع المتزايد لأي شكل من المعارضة قبل انعقاد "كوب 27" في نوفمبر/تشرين الثاني، في منتجع شرم الشيخ بجنوب سيناء على البحر الأحمر.
ودعت أنياس كالامار السكرتيرة العامة لمنظمة العفو الدولية المجتمع الدولي إلى "الضغط على السلطات المصرية بشكل معلن وغير معلن، لاتخاذ خطوات ذات مغزى لإنهاء دائرة الانتهاكات وانعدام المحاسبة، بدءاً من إطلاق سراح آلاف من المعارضين والمنتقدين (للنظام) المحتجزين تعسفياً بالسجون المصرية، وتخفيف قبضتها على المجتمع المدني، والسماح بالتظاهرات السلمية".
وأضافت منظمة العفو الدولية: "خلال الشهور الأخيرة، في خطوة إيجابية لكنها محدودة للغاية، تم الإفراج عن عشرات من سجناء الضمير وآخرين محتجزين لأسباب سياسية، غير أن السلطات ما زالت تحتجز أعداداً كبيرة من المعارضين، فيما منع المفرج عنهم من السفر".