مع انطلاق أعمال المؤتمر الدولي للمانحين "AHLC" في نيويورك، الخميس، 22 من سبتمبر/أيلول 2022، استعرض رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الواقع المالي للسلطة الفلسطينية دون التطرق إلى خطة السلطة الفلسطينية، التي باتت مهددة بخطر الانهيار؛ جراء تفاقم الأزمة المالية بعد اقتراب الدين العام من 60% من الناتج المحلي.
وقال اشتية إن حكومته شرعت بتنفيذ العديد من برامج الإصلاح الإداري والمالي للتقليل من آثار الأزمة المالية الراهنة، مطالباً بتحرك دولي عاجل وسريع لإعادة استئناف المساعدات المالية لموازنة السلطة لتفادي أي انهيار محتمل للسلطة.
تفاصيل خطة السلطة الفلسطينية
وفي محاولة لامتصاص غضب الشارع الفلسطيني، استعرض وزير المالية، شكري بشارة، خلال مؤتمر صحفي أمام وسائل إعلام محلية وأجنبية، الحالة الراهنة للمالية، مبيناً أن الإيرادات المتوفرة تكفي فقط لسداد جزء من فاتورة رواتب الموظفين البالغة مليار شيكل شهريا (300 مليون دولار).
وأنهت السلطة خطة طوارئ لتعظيم الإيرادات وتقليل النفقات، وتحويل جزء من الإيرادات المالية المتوفرة لسداد عبء الدين وفوائد القروض لجهات محلية ودولية خشية من دعاوى قضائية قد ترفعها هذه الجهات أمام محاكم، ما قد يضطر السلطة لبيع جزء من أصولها المالية، وهي مرحلة تعني إفلاس السلطة وانهيارها.
علم "عربي بوست" من مصادر في وزارة المالية برام الله، أن "السلطة ستبدأ بتنفيذ خطة مالية تهدف لإحالة أكثر من 30 ألف موظف في الوظيفة العمومية للتقاعد المبكر بشكل إجباري خلال الربع الأخير من العام الجاري، والربع الأول من العام 2023، بهدف الوصول إلى فاتورة رواتب تقترب من 50% من حجم الإيرادات الشهرية".
وأضاف المصدر "تم الاتفاق بين الأطراف المعنية بهذا الإجراء وهي وزارة المالية وهيئة التقاعد ونقابة العاملين في الوظيفة العمومية على شروط التقاعد، إذ سيحال كل من تجاوز 45 عاماً، وأمضى 20 عاماً في الوظيفة العمومية، وسيكون موظفو السلطة في قطاع غزة الأكثر تضرراً من هذه القرارات.
يتضمن قرار التقاعد إنهاء الملف المالي للموظف في الوظيفة العمومية وتحويله لهيئة التقاعد على أن يتقاضى 50-70% من راتبه الأساسي دون أي إضافات أو علاوات أخرى".
ويبلغ عدد موظفي السلطة حالياً 139 ألفاً، سيتقلص عددهم ما بين 105-110 ألف، وبالتالي ستنخفض فاتورة الرواتب لهؤلاء الموظفين من الموازنة بنحو 130-140 مليون شيكل، وتبلغ الفاتورة الإجمالية لرواتب الموظفين 600 مليون شيكل.
يضاف لها أشباه الرواتب، وهي دفعات شهرية تُصرف لعائلات أسر الشهداء والأسرى والجرحى؛ لتصل قيمة الرواتب الإجمالية إلى 970 مليون شيكل.
زيادة الأعباء الضريبية
وأضاف المصدر "من بين الخطوات تعديل قانون ضريبة الدخل ليصبح نافذاً على العمال الفلسطينيين في الداخل، مما سيساهم في توفير 150-200 مليون شيكل شهرياً.
لذلك دخلت السلطة في معركة شرسة مع العمال لا تزال قائمة حتى اللحظة لإجبارهم على القبول بالصيغة المقترحة مع الجانب الإسرائيلي لتحويل الأجور عبر البنوك، لإنشاء قاعدة بيانات، تستطيع وزارة المالية اقتطاع ضريبة الدخل وتحصيل فواتير المياه والكهرباء والبلديات عبر الخصم المباشر من البنوك".
يأتي ذلك في وقت أنهت فيه السلطة تعديل قانون ضريبة القيمة المضافة المعمول به منذ العام 1994، وسيتضمن التعديل الجديد إضافة أعباء ضريبية على الشركات الناشئة.
وسط توقعات أن يوفر التعديل الجديد للقانون دخلاً إضافياً على خزينة السلطة يتراوح ما بين 1.5- 1.8 مليار شيكل، وتعتبر ضريبة القيمة المضافة العمود الفقري لتحصيل الإيرادات العامة المعروفة باسم ضريبة المقاصة التي تبلغ 17% على الواردات السلعية، و150% من واردات الوقود والمحروقات.
السلطة في مواجهة الشارع.. غضب عارم يهدد بفقدان السيطرة
دخلت السلطة الفلسطينية في مواجهة هي الأعنف مع العمال الفلسطينيين في الداخل، بعد أن اتفقت مع الجانب الإسرائيلي على تحويل أجور العمال عبر البنوك، بهدف اقتطاع جزء من رواتبهم لصالح ضريبة الدخل، وهو ما رفضه العمال الذين دخلوا في إضراب عن العمل، ورفضوا الذهاب لأماكن عملهم لمدة يومين على التوالي، فيما لا تزال الأزمة تراوح مكانها، وسط توقعات أن يدخل العمال في إضراب مفتوح عن العمل ما لم تتراجع السلطة عن قرارها.
وتعتبر شريحة العمال في الداخل ذات تأثير اقتصادي كبير، حيث يقدر عددهم بنحو ربع مليون عامل، تقدر فاتورة أجورهم الشهرية بنحو 1.5 مليار شيكل، كما يتراوح الأجر اليومي لهؤلاء العمال 150-300 دولار، وفي حال طبقت السلطة قوانين ضريبة الدخل على هذه الشريحة ستقتطع السلطة ما بين 300-400 دولار شهرياً.
بموازاة ذلك فإن إجراءات التقاعد القسري التي تنوي السلطة تطبيقها على موظفي الخدمة، ستكون نتائجها كارثية، فالموظفون لم يعودوا قادرين على تحمل اقتطاع إضافي من رواتبهم، إذ تشير أرقام سلطة النقد أن 92% من الموظفين مرهونين أمام البنوك بقروض استهلاكية اضطروا لها جراء غلاء المعيشة، واستمرار أزمة تقليصات الرواتب منذ العام 2017، وبالتالي قد يتسبب قرار السلطة بأزمات ونكبات اجتماعية وأسرية.
كارثة على المستوى الاقتصادي..
رامي أبو كرش نقيب موظفي الخدمة العسكرية في غزة قال لـ"عربي بوست" "نحن أمام كارثة على المستوى الاقتصادي والمعيشي والأسري في حال طبقت السلطة قرارات التقاعد القسري، السلطة تحاول أن تتجاوز الأزمة الراهنة عبر حلول مجحفة وظالمة لفئات كبيرة من الموظفين، فلا يُعقل أن تقلص السلطة رواتب الموظفين بنسبة 50% دون أن تراعي الحالة الراهنة من تضخم وغلاء معيشة".
من جانبه، يرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي، خليل النمروطي، أن "السلطة مقبلة على مواجهة الشارع ستكون مشابهة لاضطرابات العام 2017 حينما بدأت موجة الاستقطاعات من رواتب الموظفين، ففي حال طبقت السلطة قوانين ضريبة الدخل على عمال الداخل وإجراءات التقاعد القسري على الموظفين، يعني أن السلطة ستكون في مواجهة مباشرة مع ثلث القوى العاملة في كامل الأراضي الفلسطينية، وهذا وضع أشبه بالانتحار بالنسبة للسلطة".
وأضاف في حديث لـ"عربي بوست" "قد تمثل هذه الاحتجاجات نهاية حكومة محمد اشتية، ففي حال عم الإضراب وانتشرت الفوضى واندلعت المظاهرات سيجبر رئيس السلطة محمود عباس على إجراء تعديل وزاري شامل قد يطال رئيس الحكومة، كون السلطة تعاني من الأساس من أزمة ثقة مع الشارع، وبالتالي قد تكون هذه نهاية حقبة تتطلب التدخل العاجل، وقد يكون هذا التدخل بناء على طلب إسرائيلي أو أردني، خشية تأثير هذه الاحتجاجات على الحالة الأمنية".
وتشير بيانات الموازنة للنصف الأول من العام 2022، أن حجم الدين العام والمتأخرات المالية على السلطة الفلسطينية وصلت لمستوى قياسي تخطى 33 مليار شيكل (9.7 مليار دولار) ويتجاوز هذا الدين مستوى 60% من حجم الناتج المحلي الفلسطيني، ويبلغ ضعفي الموازنة العامة. (سعر صرف الدولار مقابل الشيكل 3.4).