غموض وعلامات استفهام رافقت إعلان رئيس حزب الإصلاح والتنمية في مصر، محمد أنور عصمت السادات، إطلاقه مبادرة ترتبط بعودة المعارضين في الخارج إلى داخل البلاد، تحت عنوان "عودة آمنة للمصريين بالخارج".
أبرز علامات الاستفهام كانت تتعلق بما ذكره من أن هذه المبادرة "تلقى الترحيب من مؤسسات الدولة المختلفة"، في وقت تتواجد فيه لجنة الحوار الوطني التي يُفترض أنها المسؤولة عن مثل هذه المبادرات.
ووسط الحديث عن أنها مبادرة حقيقية، أو أنها مجرد اجتهاد شخصي من الرجل دون وجود دائم حقيقي في مؤسسات الدولة، سعى "عربي بوست" لمعرفة حقيقة هذه المبادرة وخلفياتها، في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات بشأنها.
لا يوجد تنسيق مع أي جهة
علم "عربي بوست" من مصادر أمنية وسياسية متطابقة أن محمد أنور عصمت السادات لم ينسّق مع أي جهة حكومية، كما أعلن في بيانه، لكن مبادرته توافقت مع رؤية مستقبلية بشأن التعامل مع ملف المعارضين بالخارج، وجاءت على هوى بعض المؤسسات والجهات الأمنية، التي طالبت بدورها أعضاء بمجلس النواب ولجنة الحوار بعدم التشكيك في مبادرة السادات، أو التطوع بنفيها، انتظاراً لما ستسفر عنه نتائجها.
إذ ترى هذه الجهات الرسمية في الدولة أن هذه المبادرة يمكن أن تكون بمثابة "جس نبض" لمدى تجاوب المعارضين في الخارج، ومدى ثقتهم في العودة مجدداً دون مضايقات أمنية.
وبحسب مصدر أمني في إحدى الجهات السيادية على صلة وثيقة بملف عودة المعارضين، فإن المبادرة التي أطلقها النائب البرلماني السابق مجرد مقترح شخصي من رئيس الحزب، لكن في الوقت ذاته فإنه يتماشى مع توجهات الدولة المصرية في الفترة الحالية.
"السلطة الحالية تفتح أذرعها لمن لديه الرغبة في العودة، ممن لم يرفعوا السلاح في وجه مؤسسات الدولة أو المواطنين"، على حد تعبير المصدر.
وأضاف أن الشروط التي تحدث عنها السادات في المبادرة تتوافق أيضاً مع توجهات أجهزة أمنية تعمل على هذا الملف، وهناك انفتاح على من يريدون أن يمارسوا "المعارضة الموضوعية" في الداخل، وليس ممن لديهم مواقف معارضة لمجرد الانتقاد، دون إيجاد حلول للأزمات والمشكلات المثارة، قائلاً: "مرحباً بأي معارض يفند الأمور ويشرحها ويقدّم حلولاً تساهم في تحسين الوضع الراهن".
وبحسب توصيف المصدر، فإن السادات يعتبر أحد الوجوه التي تنتقل بين معارضة السلطة وتأييد بعض خطواتها بين الحين والآخر، ولا يمكن التعامل معه باعتباره شخصية منقطعة الصلات بجهات حكومية توظفه حينما تحتاج إليه، إلا أنه لا يحظى بثقتها بشكل كامل، ولا تجد غضاضة في الانقلاب عليه ووضعه في خانة الخونة والمتآمرين، ما يجعل المبادرة خاضعة لتأويلات عديدة.
مبادرة تستثني مَن تورَّط في أعمال عنف
ووضع رئيس حزب الإصلاح والتنمية شروطاً للعودة في بيانه الذي أصدره السبت الماضي، أبرزها عدم مخالفة دستور البلاد، وألا تكون صادرة ضده أحكام، أو يكون متورطاً في عنف، وألا يكون منتمياً لجماعة إرهابية أو محظورة في إشارة لجماعة الإخوان، مطالباً الراغبين بالتواصل وإرسال تاريخ مغادرتهم البلاد، وكذلك صورة عن جواز سفرهم.
وأضاف أن مبادرته تستهدف أي مصري مقيم بالخارج ويود الرجوع، بشرط أن تكون عودته مرتبطة بعدم مخالفته القوانين والتشريعات الوطنية ودستور البلاد في حال عاد إلى ممارسة العمل السياسي، وأي نشاط اجتماعي أو مدني آخر.
البارز في مبادرة السادات أنه تحدث فيها علانية عن أنها "تلقى ترحيباً من مؤسسات الدولة المختلفة في ظل دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي للحوار الوطني"، وأوضح أنه جرى وضع رؤية لاحتواء شباب المصريين الموجودين بالخارج ممن حكمت الظروف بوجودهم لأسباب مختلفة، سواء كانوا باحثين أو صحفيين أو عاملين بشكل عام.
صمت حكومي يزيد الغموض
اللافت أن الجهات الحكومية لم تعلق على المبادرة وتركتها تأخذ مساراتها في النقاشات بين مؤيد ومعارض وتترقب ما ستؤول إليه. وجاءت ردود أفعال شخصيات محسوبة عليها متناقضة، بين من تحدث بإيجابية عنها، وآخرون اعتبروها محاولة من النائب السابق لعرقلة الحوار الوطني الذي كشف أحد أعضائه لـ"عربي بوست" أنه سيناقش آليات عودة المعارضين في الخارج الفترة القادمة.
وقال وكيل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، النائب أيمن أبو العلا، في مداخلة هاتفية مع برنامج "حضرة المواطن" على فضائية الحدث، "إن الكثير من المعارضين توجهوا للخارج خوفاً من أي ملاحقات أمنية، وإن إحدى التحديات التي واجهت إستراتيجية حقوق الإنسان هي كيفية إعادة هؤلاء للداخل"، واعتبر أن المبادرة تفتح الباب للمّ الشمل وجمع المفكرين والنشطاء للتعبير عن آرائهم بشفافية.
لكن مصدر مطلع بلجنة الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أربعة أشهر، أشار في تصريح خاص لـ"عربي بوست" أن السادات لم يطرح مبادرته للنقاش مع اللجنة التي تدير الحوار باعتبارها أحد مهامها. كذلك فإن الأجهزة الأمنية التي تناقش أبعاد هذا الملف في الوقت الحالي لم تتلقَّ إشارات منه تفيد بكونه يستعد لتقديمها، كما أنه ليس جهة رسمية لاستقبال رغبات الساعين للعودة، وبالتالي فإن مبادرته تبقى في إطارها الشخصي، بل أنها تشكل أحد أوجه تعثر الحوار الوطني، لأنه استبق ما سوف يتم التباحث بشأنه ويحاول رفع السقف أمام المعارضين.
المصدر ذاته أوضح أن محور الحقوق السياسية والمدنية بالحوار الوطني يضع ملف عودة المعارضين على جدول الأعمال بالفعل.
ولا يشارك محمد أنور السادات في جلسات الحوار الوطني الذي جرى استبعاده منها على خلفية تصريحات سابقة له كشف فيها عن وجود صراع أجنحة بين الأجهزة الأمنية للسيطرة عليه. كما أن علاقته بالأجهزة الأمنية توترت حينما أفصح عن وجود مختفين قسرياً لدى مقرات الأمن الوطني، وأكد أنه شاهدهم بنفسه، ومن بينهم فتاة من الإسكندرية، كانت معصوبة العينين، ولم تكن تدري أنها في القاهرة، في إشارة إلى الصحفية شيماء سامي.
صراع الأجهزة يبعد السادات عن الحوار الوطني
وتبرهن مبادرة السادات التي تبدو غامضة في تفاصيل خروجها إلى النور إلى أن هناك جهات تدعم ما تقدم به وأخرى ترى أنه يجب إبعاده عن المشهد، ما يعني أن صراع الأجهزة حاضر أيضاً في هذا الملف، لكن يبدو أن رئيس حزب الإصلاح والتنمية وظف هذا التناقض لصالحه عبر تأكيده بأن مبادرته مدعومة من مؤسسات الدولة المصرية، ولم يُفصح عن ماهية تلك المؤسسات.
وأوضح أحد أعضاء لجنة العفو الرئاسي، رفض ذكر اسمه، أن النائب السابق بالبرلمان المصري لم ينسق مع أي من أعضائها بشأن عودة معارضي الخارج، وأن الرئاسة المصرية كلفت اللجنة مؤخراً بمتابعة الملف ووضع تصوّر عام لمن تشملهم حالات العودة.
وبحسب المصدر ذاته، حالياً يلجأ من يرغبون في العودة لمصر إلى بعض الوسائل على رأسها التواصل مع الجهات الأمنية والقانونية للتعرف على مواقفهم من العودة، كما أن هناك تدخلات شخصية من جانب أشخاص على صلة وثيقة بالأجهزة الأمنية يلعبون دور الوساطة بين الراغبين في العودة والجهات الأمنية التي يتبعون لها بشكل مباشر أو غير مباشر.
عودة أربعة من المعارضين في الخارج.. هل تجلب المزيد؟
ويمكن النظر إلى عودة أربعة من المعارضين الذين عادوا إلى البلاد في فترات متفاوتة ومتباعدة في هذا الإطار، وبدأت بعودة أكثر الأشخاص المعارضين قرباً من السلطة المصرية الحالية، وهو المخرج والنائب السابق بالبرلمان خالد يوسف، والذي عاد إلى البلاد في مارس/آذار من العام الماضي مصحوباً بحملة ترويجية إعلامية قدمته باعتباره معارضاً لم يتورط في العنف، وليس مداناً بأحكام جنائية.
وعاد المعارض الليبرالي ياسر الهواري الذي اعتاد معارضة السلطة من منابر إعلامية في الخارج إلى البلاد بعد نحو ستة أشهر من عودة خالد يوسف الذي أظهر التزاماً بضمانات عدم إثارته الجدل السياسي مجدداً أو التورط في نقد السلطة بشكل عنيف، وهو الأمر الذي كرره الهواري، وزاد على ذلك بتأكيده عدم تعرضه لمضايقات خلال عودته.
ومع انطلاق أولى الجلسات الممهدة للحوار، صرح المنسق العام للحوار ونقيب الصحافيين ضياء رشوان أن بدء الحوار يشير لعودة معارضين بارزين للوطن، وكانت البداية بالأكاديمي الليبرالي البارز عمرو حمزاوي الذي أعلن عودته من أجل المشاركة في الحوار.
وأعقب ذلك عودة الناشط وائل غنيم الذي كان يعد أحد الأسباب الفاعلة لانطلاق شرارة ثورة يناير/كانون الثاني في العام 2011 من خلال مشاركته كأدمن جروب خالد سعيد الذي مات مقتولاً على يد الداخلية، ولديه خصومة شديدة مع النظام المصري الحالي، لكنه أكد أنه يعود في زيارة أسرية ما يشي حظره ممارسة السياسة.
جس نبض حكومي للمعارضين في الخارج
ولعل ما يجعل مبادرة السادات بمثابة جس نبض أو مدخل لانفتاح حكومي على معارض الخارج أن النظام المصري اختار الاعتماد على لجنة العفو الرئاسي في التعامل مع ملف المعارضين، وسد المنافذ أمام جهات أخرى كانت تعمل كوسيط بين المعارضين والسلطة وبينها حزب الإصلاح والتنمية الذي يرأسه، وكذلك الوضع للمجلس القومي لحقوق الإنسان الذي تراجعت أدواره مع تشكيل لجنة العفو الرئاسي وإدارة الحوار الوطني.
ويلفت مصدر أمنى مطلع تواصل معه "عربي بوست" إلى أن السادات لا يمثل سوى نفسه، وأن أجواء الانفتاح التي تتيحها السلطة في الوقت الحالي تستوعب خروج مبادرات عديدة من أشخاص يمارسون المعارضة في الداخل، لكن شريطة ألا يتجاوز الأمر أكثر من ذلك، وأن الانفتاح على المعارضين سيكون بشكل رسمي على نحو أكبر خلال الفترة المقبلة ومن خلال مؤسسات رسمية وليس مجرد أحزاب.
اختفاء السادات إعلامياً
وعلى غير المعتاد لم يدلِ السادات، الذي أطلق المبادرة قبل أيام، بأي تصريحات صحافية أو إعلامية منذ أن أعلن عنها، وحاول "عربي بوست" التواصل معه مرات عديدة، لكنه لم يرد على هاتفه.
فيما أشار أحد أعضاء حزبه، رفض ذكر اسمه لحساسية الموقف، إلى أن ردود الأفعال المتباينة على البيان جعلته يتخوف من الإفصاح عن مزيد من التفاصيل في الوقت الحالي والتريث لحين التأكد من أن المبادرة ستأخذ طريقها للتنفيذ من عدمه.
وتوقع المصدر أن تلتقط جهات رسمية خيط المبادرة واستكمال الإجراءات التي تضمن عودة عدد آخر من المعارضين قبل انطلاق الحوار الوطني، مؤكداً أن رئيس الحزب ما زال مبعداً عن المشاركة في الحوار الوطني، لكنه سيقدم مزيداً من المبادرات التي قد تكون قابلة للتطبيق في مجال الحقوق المدنية والسياسية خلال الفترة المقبلة.
وأطلق السادات دعوة مماثلة قبل عام تقريباً، عبر ما يسمى بـ"لجنة الحوار الدولي" وأكد في ذلك الحين على وصول "بعض الرغبات من المصريين في الخارج للحصول على ضمانات بالعودة في ظل ما تردد عن خطورة وجودهم".
وأوضح أنه وضع "رؤية لاحتواء الشباب في الخارج الذين تحكم وجودهم بالظروف لأسباب مختلفة، سواء كانوا باحثين أو صحفيين أو عاملين فيها، وتم تقديم هذه الورقة للمسؤولين".
لكن حديثه لم يلقَ آذان مصغية، وتوارت اللجنة التي ساهمت في الإفراج عن عشرات المعتقلين مع إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي، واعتبر السادات أنه بتأسيسه لتلك اللجنة أصبح "همزة وصل بين الدولة والمدافعين عن السجناء السياسيين".
وقام السادات بزيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية استمرت أسبوعاً، ضمن وفد ضم باقي أعضاء المجموعة، وعلى رأسهم رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، مشيرة خطاب، وبدت الزيارة بالأساس هادفة لإقناع دوائر أميركية بأن القاهرة جادة في الإصلاح السياسي وإثناء واشنطن عن اقتطاع جزء من المعونة الأميركية، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها.
مناوشات بين السادات ولجنة العفو
مؤخراً دخل السادات في جدال غير مباشر بينه وبين لجنة العفو الرئاسي، حينما دعا لتشكيل لجنة تضم مسؤولين من وزارة العدل والنيابة العامة والأجهزة الأمنية لدراسة حالة المفرَج عنهم، واتخاذ قرارات فورية بشأن تمكينهم من عودتهم لأماكن عملهم في المؤسسات الحكومية والجامعات وغيرها، وتسهيل رد مستحقاتهم المالية المعلقة أثناء فترة حبسهم، والسماح لهم بالسفر خارج البلاد.
وسرعان ما ردت عليه اللجنة بتأكيدها أنها "تلقت عدد من الطلبات لمواقف للمُفرج عنهم سواء بقرار من النيابة العامة أو بقرارات العفو من رئيس الجمهورية، وأنه تم بالفعل تنفيذ عدد من الإجراءات بعودة البعض لأعمالهم أو توفير فرص عمل، كما يتم التنسيق مع الجهات المعنية بالدولة لحل بعض الأمور الإجرائية المتعلقة بمنع السفر أو التحفظ على الأموال".
وأكدت لجنة العفو أنها وحدها -دون غيرها- التي تقوم بالتنسيق مع جهات الدولة في هذا الشأن، ولا صحة لما تعلنه بعض الكيانات أو الأحزاب أو الشخصيات بذات الشأن، في إشارة إلى رئيس حزب الإصلاح والتنمية.