تُحيي دولة الاحتلال والإمارات مرور عامين على توقيع اتفاق "أبراهام" للسلام، الذي دشن لمرحلة جديدة من العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، سعت إسرائيل عبره إلى التغلغل في قلب المنطقة العربية، عبر اتفاقات سياسية وصفقات تجارية نمت وتطورت بشكل لافت خلال هذه الفترة.
ولعل أبرز ما ميز علاقات التطبيع بين إسرائيل والإمارات هو تدشين خط الطيران المباشر بين المطارات الإسرائيلية والإماراتية، التي سمحت بوصول السياح من وإلى إسرائيل بشكل مباشر، دون الحاجة إلى طيران وسيط، وهو ما شكَّل علامة فارقة ميزت هذه العلاقات مقارنة بالدول العربية الأخرى.
وقد باتت الإمارات بفضل هذه العلاقة، في صدارة الدول المفضلة للسياح الإسرائيليين، فخلال العام الأول لتوقيع اتفاق السلام سافر نحو ربع مليون إسرائيلي للإمارات من أجل السياحة، ما جعلها في المرتبة الثامنة للوجهات السياحية الخارجية المفضلة للإسرائيليين.
تشير الأرقام الصادرة عن سلطة المطارات في إسرائيل إلى أنه منذ مطلع العام وحتى نهاية شهر أغسطس/آب 2022، تضاعفت أرقام السياح الإسرائيليين للإمارات ليصل إلى ما يزيد عن نصف مليون مسافر، وهو ما يشكل قفزة كبيرة مقارنة بالعام الأول لتوقيع الاتفاق.
الإماراتيون لا يفضلون زيارة إسرائيل!
بالرغم من ذلك، إلا أن أرقام السياحة الوافدة من الإمارات لإسرائيل لا تزال متواضعة جداً، إذ لم يتجاوز عدد السياح الإماراتيين خلال نفس الفترة 3600 سائح فقط، رغم أن الهدف الذي حددته وزارة السياحة الإسرائيلية هو الوصول لـ100 ألف سائح إماراتي سنوياً.
سلَّطت صحيفة The Marker الإسرائيلية الضوء على هذه الأرقام، إذ أشار السفير الإسرائيلي في الإمارات، أمير حايك، إلى أن أرقام السياح الإماراتيين الوافدين لإسرائيل ليست عادلة، أعداد المغادرين هي أضعاف أعداد الوافدين، صحيح أن الإمارات تمثل وجهة سياحية مهمة على مستوى العالم ففيها السياحة الحضرية والصحراوية وسباقات الفورمولا1 وألعاب NBA ومباريات التنس والفنادق الفاخرة، إلا أن الإماراتيين يأتون بشكل أساسي لزيارة الأماكن المقدسة في القدس والبلدات العربية.
يضيف الحايك: يفضل السياح من كبار السن زيارة الأماكن المقدسة في القدس والناصرة، في حين يفضل الشباب زيارة تل أبيب؛ لذلك يتوجب علينا التفكير في كيفية جذب السياح من الإمارات، وتلبية ما يريدون مشاهدته في إسرائيل.
في تقرير لصحيفة "غلوبس" الاقتصادية أشارت نقلاً عن مسؤولين في بلدية تل أبيب قولهم، إلى أنهم لم يجدوا تفسيراً لعزوف الإماراتيين لزيارة المدينة التي يزورها سنوياً قرابة 120 ألف مسلم سنوياً؛ لأن المدينة تمثل رمزاً للسيادة الإسرائيلية، وبالتالي يجب أن تحظى بأولوية لتطوير القطاع السياحي فيها وتحديداً لدول التطبيع ومنها الإمارات.
كما أشار مسح أجرته بلدية تل أبيب كبرى المحافظات الإسرائيلية بشأن السياحة الإماراتية إلى أنه تبين أن 4.3 مليون إماراتي يذهبون في إجازة عائلية مرتين كل عام، رغم ذلك لا يفضلون أن يأتوا لتل أبيب.
طعام وبيئة وثقافة مختلفة
وفي أحدث استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بمناسبة مرور عامين على توقيع اتفاقية أبراهام، أظهر المعهد تراجع التأييد الشعبي في دول الخليج العربي بالنسبة للتطبيع مع إسرائيل بشكل لافت، وأن المزاج الشعبي في هذه الدول لا يزال ينظر لإسرائيل على أنها عدو، وأن لا فائدة من هذه الاتفاقيات.
تشير النتائج إلى أن مؤيدي التطبيع في الإمارات لا يتعدى 20% ويعارضه 76%، في حين يؤيد 25% من الشعب البحريني اتفاقية التطبيع، ويعارضه 71%، أما في السعودية التي أبدى مسؤوليها مؤخراً إشارات قوية للتقارب مع إسرائيل فلا يزال نحو 75% من الشعب السعودي معارضاً للتطبيع، في حين لم يتعدَّ مؤيده 19%.
يرجع نائب رئيس البلدية شين أرييلي أسباب العزوف إلى عوامل أخرى منها الثقافة المختلفة والبيئة والطعام، فيقول إن السائح الإماراتي لا يجد ما يفضله في إسرائيل، فنظام الطعام مختلف، هنالك أشياء محرم أكلها في الإمارات، ولكنها مباحة في تل أبيب، علينا العمل على جذب السياح الإماراتيين ومراعاة خصوصيتهم، فهم الأكثر بذخاً في النفقات السياحية؛ إذ تتجاوز مصروفات الرحلة السياحية لأسرة نووية ما يزيد على 20 ألف دولار، وهي أعلى من متوسط إنفاق السياح الأوروبيين.
أمام هذا الواقع، شرعت شركات سياحية بالتعاون مع بلدية تل أبيب، في تقديم عروض بهدف جذب السياح الإماراتيين للمدينة، منها رفع إعلانات مكتوبة باللغة العربية، جاء فيها: السياح من دولة الإمارات أنتم مدعوون لرحلة خمس نجوم في تل أبيب- يافا، رحلات خاصة بالسيارات الفاخرة، وجبات حلال شهية، وخدمات عالية المستوى.
يرى راجي التلباني، الخبير الاقتصادي من مدينة يافا المحتلة، في حديث لـ"عربي بوست" أن "الفجوة الثقافية والدينية والنظرة السياسية بين مواطني الإمارات ومواطني إسرائيل واسعة جداً، فالمواطن الإماراتي لا يرى شيئاً جديداً محبباً في تل أبيب أو في المدن الإسرائيلية الأخرى، كما أن تدفق السياح الإسرائيليين إلى الإمارات بشكل كبير خلال فترة قصيرة، رسم في ذهن الإماراتيين صورة سلبية عن طبيعة وسلوك اليهود في قلة احترام الطرف الآخر والنظر إلى العرب نظرة عنصرية، ورفع الصوت والتهديد المستمر بالإيذاء الجسدي وسرقة المنافع من غرف الفنادق وغيرها من السلوك المعتاد على اليهود".
وأضاف: "هناك تفسير آخر مرتبط بوجود حواجز دينية، ونظرة تاريخية للصراع العربي – الإسرائيلي ليس من السهل محوها خلال فترة قصيرة، يوجد قطاع لا يزال يرفض تبادل العلاقات رغم وجود ماكينة إعلامية موجهة من قِبل الدولتين لتصوير التقارب الأخير بين تل أبيب وأبوظبي على أنه منسلخ عن القضية الفلسطينية، وأن المرحلة الحالية تتطلب تعاوناً لمواجهة التحديات المشتركة".
وتابع كما أن "هنالك قصوراً في أداء السلطات السياحية في إسرائيل، لتلبية متطلبات السياح من ذوي الثقافات الشرقية، فإسرائيل اعتادت لسنوات طويلة على الوفود القادمة من أمريكا وفرنسا وبولندا ودول شرق أوروبا، وبذلك تفتقر هذه الشركات لخبرة في التعامل مع الدول ذات النمط الإسلامي، فعلى سبيل المثال – تفتقر مدينة تل أبيب لفنادق ومنتجعات مخصصة للأسر والعائلات المحافظة التي ترفض الاختلاط، كما أن بعض العائلات تحبذ أن تتمتع بشيء من الخصوصية كوجود مسابح يمنع فيها اختلاط الرجال بالنساء؛ لذلك تجد السائح الإماراتي يفضل أن يسافر إلى تركيا أو مدن شرم الشيخ والعقبة، لما لها من مراعاة وخصوصية في هذه الجوانب".