في الأيام القليلة الماضية عادت شائعات وفاة المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، إلى الواجهة، بعدما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً، نقلاً عن مصادرها، يقول إن خامنئي يعاني وعكة صحية شديدة، وإنه قد خضع لعملية جراحية في الأمعاء، وإنه غير قادر على الحركة، لذلك ألغى جميع اجتماعاته المهمة وظهوره العلني.
تلا ذلك انتشار العديد من الشائعات التي تفيد بوفاة الرجل البالغ من العمر 83 عاماً، لكن آية الله علي خامنئي ظهر علانيةً لحضور مناسبة أربعين الحسين (الإمام الثالث لدى المسلمين الشيعة)، بعد يوم واحد من نشر تقرير "نيويورك تايمز"، ليدحض كل تلك الشائعات.
لكن، ما حقيقة مرض آية الله خامنئي؟ وهل فعلاً يمر القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية بمشاكل صحية تمنعه من أداء واجباته؟ حاول فريق "عربي بوست" الإجابة عن هذه التساؤلات، من خلال التواصل مع عدة مصادر مطلعة داخل العاصمة الإيرانية طهران.
المرشد الأعلى يتمتع بصحة جيدة
قبل نشر تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الخاص بصحة المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، كان قد صرح أحد أعضاء مجلس خبراء القيادة بأن اجتماع المجلس مع آية الله خامنئي قد تم إلغاؤه، "لمنحه بعض الراحة".
ومجلس خبراء القيادة هو هيئة مكونة من 88 من رجال الدين، يتم انتخابهم من قبل مجلس صيانة الدستور، وهي الهيئة المكلفة باختيار القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والإشراف على عمل القائد الحالي.
وفي حديثه لـ"عربي بوست"، قال مسؤول إيراني بارز مقرب من الدائرة المحيطة بآية الله علي خامنئي، إن "القائد يتمتع بصحة جيدة، لا صحة لهذه الشائعات، وتصريح عضو مجلس خبراء القيادة غير موفق، لكنه مصحوب بنية سليمة".
يجتمع مجلس خبراء القيادة مرتين في العام، في شهري مارس/آذار وسبتمبر/أيلول. وبعد انتهاء أعضاء المجلس من اجتماعهم يفترض أن يلتقوا بالمرشد الأعلى لإيران، لإخباره بنتائج الاجتماع والاستماع إلى نصيحته، لكن هذه الاجتماعات توقفت العامين الماضيين، بسبب الإجراءات الصحية المصاحبة لفيروس كوفيد-19، لتعود الآن من جديد.
والسؤال: لماذا لم يجتمع خامنئي بأعضاء مجلس خبراء القيادة في الأيام الماضية إذا كان- بحسب المسؤول الإيراني- يتمتع بصحة جيدة؟ يجيب عن هذا التساؤل مصدر مقرب من مكتب المرشد الأعلى لإيران، فيقول "في حقيقة الأمر كان خامنئي يمر بوعكة صحية خفيفة في الأسابيع الأخيرة، ارتفعت درجة حرارة جسمه، وتكهن بعض المقربين منه أنه مصاب بفيروس كورونا، لكن بعد فحص الأطباء تبيّن أنها مجرد مشاكل صحية بسيطة تحدث لكبار السن".
ونفى المصدر ذاته خضوع خامنئي لأي عملية جراحية في الأمعاء، قائلاً لـ"عربي بوست": "كيف سيكون خضع لعملية جراحية وبعدها بأيام يكون وسط الناس في ذكرى الأربعين".
بالونة اختبار
منذ أن تم انتخاب آية الله خامنئي، خليفة لمؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، آية الله روح الله الخميني، عام 1989، انتشرت الشائعات فيما يتعلق بصحته، بعد توليه منصبه بعام واحد فقط. ففي عام 1990 انتشرت شائعة تفيد بتعرض خامنئي لنوبة اكتئاب شديدة، لكن في عام 1991، أي بعد عامين من توليه قيادة الجمهورية الإسلامية، أعلن بنفسه في لقاء تلفزيوني أنه سيدخل المستشفى لمدة يومين لإجراء عملية "الزائدة".
وأثناء إقامته في المستشفى قامت العديد من الشخصيات السياسية والدينية بزيارته، وتم نشر صور هذه الزيارات يومياً في الصحف ووسائل الإعلام المحلية.
وفي 8 سبتمبر/أيلول 2014، خضع آية الله علي خامنئي لعملية جراحية في البروستاتا، وتم الإعلان عن هذه العملية، ونشر صور له في المستشفى، بعد زيادة الشائعات عن إصابته بسرطان البروستاتا، لكن كانت هذه العملية هي المرة الأخيرة التي يتم فيها نشر أي أخبار عن صحة القائد الإيراني الأعلى.
من بعد عام 2014، ومع تقدمه في السن، زادت الشائعات حول صحته، وفي إحدى المرات علق خامنئي بنفسه على هذه الشائعات قائلاً: "أعداء النظام الإسلامي يثيرون شائعات مختلفة عن المرض والموت، من أجل إضعاف روح الأمة الإيرانية، لبضعة أيام، لكنهم لا يعرفون أنهم في إيران لا يواجهون شخصاً، بل أمة". كانت هذه الكلمات جزءاً من خطبة ألقاها خامنئي في عام 2007، بعد انتشار شائعات حول وفاته.
لكن هذه المرة الأمور تبدو مختلفة قليلاً، فخامنئي أصبح يبلغ من العمر 83 عاماً، وهي سن من الطبيعي أن يتم فيها تصديق شائعات موته، خاصة بعد تصريح عضو مجلس خبراء القيادة.
في هذا الصدد، يقول مسؤول إيراني بارز ثانٍ مقرب من القيادة العليا في طهران، لـ"عربي بوست": "الأمر كان بالونة اختبار، تصريح عضو مجلس الخبراء كان مقصوداً، نعم لم يحضر القائد الاجتماع الأخير للمجلس، لكن هناك اجتماعات أخرى لم يحضرها، ولم يتحدث أحد عنها".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "الجميع يعلم أننا على مقربة من اختيار القائد المستقبلي لإيران، وهناك بعض الجهات السيادية في إيران تريد معرفة رأي الإيرانيين في هذه المسألة عن طريق بالونات الاختبار، لكن هذا لا يعني أن خامنئي يمر بوعكة صحية حقيقية، الرجل يمارس الرياضة باستمرار، أنا شخصياً شاهدته في الأشهر الماضية وهو يتسلق الجبال في إجازته".
كما أشار المصدر ذاته إلى أنه دائماً ما كانت تخرج شائعات مرض أو وفاة خامنئي من خارج إيران، لكن تلك المرة خرجت من داخل طهران، وعن قصد.