دقت تل أبيب ناقوس الخطر بعد تصاعد عمليات انخراط عناصر من أجهزة أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية في عمليات مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وأصبحت إسرائيل متوجسة من تصاعُد عمليات المقاومة المسلحة في الضفة الغربية في الآونة الأخيرة، الأمر الذي عبَّر عنه قادة إسرائيليون أكثر من مرة في تصريحاتهم.
وكانت آخر هذه العمليات تلك التي نفذها الشهيدان أحمد وعبد الرحمن عابد، وأسفرت عن مقتل ضابط إسرائيلي على حاجز الجلمة العسكرية قرب مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.
خوف في تل أبيب
سلَّط الإعلام الإسرائيلي الضوء على العملية التي نفذها الشهيد أحمد عابد، والذي ينتمي لجهاز الاستخبارات العسكرية التابع للسلطة الفلسطينية، ولم يمضِ على تخرجه من جامعة الاستقلال العسكرية إلا شهور قليلة.
ووصف محللون إسرائيليون العملية بجزء من السيناريو المرعب الذي كانت تخشاه إسرائيل إذ اعتبر محلل قناة "12 العبرية" للشؤون الفلسطينية، أوهاد حمو مشاركة عناصر الأجهزة الأمنية بـ"تجاوز للخطوط الحمراء".
ويعزو خبراء هذه العمليات التي يقدم عليها عناصر من أجهزة أمنية تابعة للسلطة، إلى حالة ضعف تشهدها الأخيرة، وفجوة آخذة في الاتساع مع الشارع الفلسطيني.
وقال المحلل المتابع للشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، إن التوجه في الشارع الفلسطيني لتنفيذ مزيد من العمليات بدأ يجرف معه حتى عناصر الأجهزة الأمنية.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن الأمر يُؤشر على ضعف السلطة وضعف سيطرتها على عناصرها، مضيفاً أن إسرائيل تنظر إلى هذا الأمر كمؤشر على تفكك السلطة، وهو المؤشر الأخطر بالنسبة إليها.
وقال منصور إن هناك قناعة إسرائيلية راسخة بأن هذه العمليات جاءت دون أوامر، وأن سياسة السلطة لم تتغير من مسألة التنسيق الأمني، وعدم تبني الكفاح المسلح.
لكن المقلق بالنسبة لإسرائيل أن السلطة غير قادرة على القيام بدورها في فرض رؤيتها حتى على أعضاء أجهزتها رغم الاستثمار الغربي الكبير في محاولة تغيير عقيدة الأجهزة الأمنية.
عسكر في النهار ومسلحين في الليل
دفعت الحالة الجديدة وارتباط منفذي العمليات بالأجهزة الأمنية الفلسطينية، إلى تعزيز الاعتقاد لدى إسرائيل بوجود مزيد من العناصر الذين يعملون في أجهزة السلطة نهاراً، وفي الليل ينضمون لصفوف المقاومة المسلحة.
لكن بالنسبة لخبراء فلسطينيين فإن الأمر طبيعي وغير مستغرب، إذ ينحدر أفراد الأمن الفلسطيني من شتى القرى والمدن في الضفة، والتي تتعرض لاقتحامات وانتهاكات واعتداءات شبه يومية من قبل جيش الاحتلال.
كذلك دفعت حالة الانتقاد المستمر على شبكات التواصل لعدم تدخل أفراد أجهزة السلطة في الدفاع عن أبناء شعبهم إلى خلق حالة من الشعور بالحاجة لفعل شيء في أوساط هؤلاء العسكر.
المحلل السياسي، خليل شاهين قال إن "الشعب الفلسطيني بات يتقدم على سلطته في مواجهة الاحتلال، وكذلك في الوعي حول طبيعة الصراع"، مضيفاً أن "انخراط عناصر من أجهزة أمنية يفسر الفجوة بين هؤلاء الذين ينتمون لشعبهم وبين القيادة السياسية التي تراوح مكانها".
ومن جانب آخر أوضح شاهين في تصريح لـ"عربي بوست" أن العناصر الأمنية في الضفة هي بالأساس تضم أعضاء في الأجهزة الأمنية، وينحدرون من قرى ومخيمات تتعرض لوحشية الاحتلال.
كما بدا أن هذه العمليات ليست قائمة على ردات فعل فحسب، إنما من قناعة راسخة بجدوى العمل المسلح ضد الاحتلال، وهو ما يشير إلى عدم قناعة الفلسطينيين بجدوى مشروع السلطة الفلسطينية القائم على المقاومة السلمية.
السلطة الفلسطينية في مأزق
وفي أعقاب العمليات الأخيرة، أوردت الإذاعة العبرية الرسمية، أن تل أبيب حذرت أجهزة أمن السلطة من سقوط مدن أخرى في الضفة الغربية بأيدي المقاومين.
وأشارت الإذاعة إلى أنه جاء في رسالة بعثت بها إسرائيل للسلطة الفلسطينية: "استأنفوا العمل في نابلس لأنكم قريبون من فقدان السيطرة على المدينة تماماً كما حدث في جنين".
وقال المحلل السياسي خليل شاهين إن الضغط الإسرائيلي المتواصل على السلطة للعمل ضد المقاومين من شأنه أن يدفع باتجاه خيارين، إما أن تتفكك السلطة إذا ما اختارت الاستجابة لإسرائيل وبالتالي انخراط أعداد متزايدة من أبناء الأجهزة الأمنية في عمليات ضد الاحتلال رفضاً لهذا التوجه، أو رفض السلطة للضغوط، وبالتالي قد تحدث مواجهة واسعة بين المؤسسة الأمنية والاحتلال.
وبهذا فسر شاهين تحذيرات مسؤولين إسرائيليين سابقين من شن عملية واسعة في شمال الضفة، لأن ذلك قد يؤدي لتدهور الأوضاع، كون عملية كهذه تتطلب البقاء لفترات طويلة في هذه المنطقة، ومن الصعب ضبط أفراد الأمن الفلسطيني المعرضين للاستهداف.
وفي ذات السياق، يرى المتابع للشأن الإسرائيلي عصمت منصور، أن الانتقادات العلنية للسلطة من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تتضمن ضغطاً على السلطة للدخول بمواجهة مع شعبها.
وقال إنه من المتوقع أن يمارس ضغط أمريكي وإسرائيلي على السلطة للقيام بهذا الدور، مستبعداً قبوله من قبل الأخيرة لعدم وجود حوافز سياسية.