لم تكن أسماء محمد، ولية أمر طالبة بالصف الثالث في الثانوية العامة، تدرك أن ذهابها إلى مقر التظلمات بإحدى مدارس منطقة السيدة زينب (وسط القاهرة) سينتهي باستدعاء الشرطة النسائية لها، وتهديدها بتصعيد الموقف إذا لم تدوّن أن أوراق الإجابة التي اطلعت عليها تخص ابنتها وإقرارها بعدم وجود أخطاء فيها؛ ما جعلها في حالة ذهول غير مصدقة حجم التدخلات التي تحدث في امتحانات الثانوية العامة.
تقدمت أسماء بطلب تظلم إلى وزارة التربية والتعليم التي فتحت باب التظلمات على نتيجة الثانوية العامة بعد ساعات من إعلانها مطلع الشهر الماضي، وجاءت مخيبة لآمال غالبية الطلاب؛ إذ رسبت ابنتها ندى في ثلاث مواد هي: اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا، وتظلمت في تلك المواد، وهي متيقنة من استحالة رسوبها، وانتظرت لحين تحديد موعد للاطلاع يوم 25 أغسطس/آب الماضي.
تشير والدة الطالبة إلى أن ابنتها الوحيدة تعاني مشكلات صحية في القلب، وكانت تتوقع أن تحصل على مجموع لا يتجاوز 70%، لكنها فوجئت برسوبها بالرغم من أن معلميها أثنوا على مستواها قبل دخول الامتحان، وهو ما أصابها بصدمة عصبية كادت تودي بحياتها على إثرها؛ حيث حاولت الانتحار أكثر من مرة داخل المنزل.
إجابات مختلفة في صفحة الإجابات
تروى الأم لـ"عربي بوست" ما حدث معها حينما ذهبت إلى مقر التظلم، قائلة: "عند وصولنا فوجئنا بمنع دخول أجهزة الهواتف المحمولة، وقام معلمون يتبعون الكنترول بإحضار مظروف يحتوي على أوراق الإجابة في المواد الثلاث ومعها نموذج إجابة لمراجعة النتيجة، لاحظنا أن خط ابنتي بالفعل مدوَّن على الورقة الخارجية، لكنها تذكرت أن الإجابات في ورقة البابل شيت مختلفة شكلاً عما كانت تتذكره، وراودتها شكوك عديدة بأن الأوراق التي تطلع عليها ليست أوراق إجابتها".
وتابعت: "وجدنا أخطاء أيضاً في تصحيح بعض الأسئلة ودوّنا ملاحظاتنا بعد الانتهاء من الاطلاع على الأوراق الثلاث، والتي جاء فيها أن أوراق الإجابة لا تخص الطالبة، وهنا انتفض العاملون بالكنترول وطالبوا بتعديل الملاحظات والاكتفاء بالإشارة إلى الأخطاء دون التطرق إلى تبديل أوراق الإجابة، لكني رفضت بشدة، وأمام حالة الشد والجذب استدعى القائم على الكنترول الشرطة النسائية مدعياً أنني أثير الشغب".
أمام حالة الذعر التي أصابت ابنتها، اضطرت أسماء إلى تغيير أقوالها مقابل السماح لها بمغادرة مقر التظلمات، مضيفة: "أدركت أنه لا سبيل للحصول على أي درجات إضافية؛ لأن الحكومة قررت ذلك بأوامر سياسية وأمنية، وأصبح الآن تخوفي من أن تواجه ابنتي المصير ذاته العام القادم بعدما رسبت في الثلاث مواد؛ لأن عدداً من أقرانها الذين رسبوا العام الماضي رسبوا أيضاً هذا العام وسط يقين لديهم بأن هناك وضعاً ما خطأ في عملية التصحيح".
التصحيح الإلكتروني أصبح بديلاً للكنترولات
قررت وزارة التربية والتعليم المصرية تطبيق التصحيح الإلكتروني عبر الماسح الضوئي منذ امتحانات العام الماضي التي جرى فيها تطبيق نظام الأسئلة الموضوعية "البابل شيت" لأول مرة، على أن يتولى الإشراف المركز القومي للامتحانات (مركز حكومي يتبع للوزارة) الذي حلَّ بديلاً لكنترولات الثانوية العامة التي كانت تجري فيها عملية التصحيح يدوياً.
اللافت أن امتحانات العام الماضي شهدت ذات المشكلات المتعلقة بشكاوى الطلاب من تغيير أوراق إجاباتهم، ورفضت الوزارة في ذلك الحين منح الطلاب نماذج الإجابة للتأكد من صحة إجاباتهم، وكذلك رفضت الاعتراف بوجود أي أخطاء في عملية التصحيح واعتبرت أنها صحيحة بنسبة 100%. وأمام اعتراضات الطلاب وأولياء الأمور اضطرت هذا العام لإتاحة نماذج الإجابة والإعلان عن وجود بعض الأخطاء.
أعلنت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني أن 83 ألفاً و256 طالباً وطالبة تقدموا بطلبات الاطلاع (التظلم) على نتيجة الدور الأول، واستحق منهم 16 طالباً زيادة في الدرجات حتى الخميس الماضي، وأرجعت ذلك لوجود أخطاء من الطلاب في نقل الكود من على كراسة الأسئلة، دون أن تشير لوجود أخطاء من جانبها في عملية التصحيح.
تظلّم تحت تهديد الشرطة
ما حدث مع الطالبة ندى ووالدتها، تكرر أيضاً مع الطالب محمد فهمي، الذي رسب في مادتي الجيولوجيا واللغة العربية وتظلم عن نتيجته في المدينة التعليمية بالسادس من أكتوبر، والتي خصصتها الوزارة كمقر وحيد للتظلم قبل أن توزع الطلاب على أماكن متفرقة خوفاً من إثارة الفوضى جراء حالة الغضب التي انتابت الكثيرين منهم.
ويشير فهمي إلى أنه لم يكن يعرف أن الوزارة حظرت حضور المعلمين إلى جانب الطلاب أثناء الاطلاع، وأن إدارة الكنترول التي اطلعت على البطاقات الشخصية لوالده والمعلم رفضت دخوله واكتفت بدخول ولي الأمر، ما أثار الشكوك لديه قبل الاطلاع على أوراق الإجابة.
وأضاف: "حينما دخلت إلى حجرة الاطلاع جاء إلينا ثلاثة ملاحظين وسلمونا أوراق البابل شيت ونماذج الإجابة، وأثناء الاطلاع تيقنت بأن أوراق إجابة مادة الجيولوجيا ليست خاصة بي، لأنني أثناء الامتحان قمت بالكشط على ثلاث إجابات خاطئة وتعديلها بسبب خطأ في ترتيب الأسئلة من جانبي أثناء الامتحان، ولم أجد تلك العلامات موجودة. وكذلك الوضع بالنسبة لمادة اللغة العربية، والتي وجدت فيها كشوطاً لم أدونها أثناء الامتحان".
دوّن محمد فهمي في ملاحظاته النهائية أن الأوراق التي اطلع عليها لا تخصه، وبالفعل تجاوب معه أحد الملاحظين وأخبره بأنه سيتم تحويل الأوراق إلى الطب الشرعي للتأكد من صحة ذلك.
لكن بعد ذلك جاء ملاحظ آخر وطالبه بتغيير أقواله، قائلاً: "حينما اعترضت على ذلك وجدت أفراداً من الشرطة يتحدثون مع والدي لإقناعه بذلك، بحجة أنه سيكون بإمكانه تحرير محضر بالواقعة، ورفضوا خروجنا من اللجنة لحين تغيير ما قمنا بتدوينه، ثم اصطحبنا ضابط برتبة نقيب إلى قسم شرطة أول السادس من أكتوبر لتحرير محضر بالواقعة، لكننا لا نعلم مصيره حتى الآن".
مظاهرات المدينة التعليمية تكشف المستور
شهدت المدينة التعليمية بالسادس من أكتوبر قبل أيام احتجاجات حاشدة من جانب الطلاب، بسبب سوء التنظيم وعدم تمكينهم من الاطلاع على أوراقهم حسب المواعيد التي حددتها الوزارة لهم. وتعرض رئيس المركز القومي للامتحانات، رمضان محمد رمضان، للاعتداء من جانب أولياء الأمور وحاولت قوات الشرطة إبعاد المتظاهرين الغاضبين عنه.
وبحسب أحد الحقوقيين الناشطين في مجال التعليم، الذي فضّل عدم التصريح باسمه خشية الملاحقة الأمنية، فإن الروايات العديدة من الطلاب تتفق على تبديل أوراق الامتحانات، سواء ممن ذهبوا إلى لجان التظلمات ووجدوا أن الإجابات الموجودة فيه تختلف عما دوّنوه من قبل، أو شكاوى أخرى من وجود بياناتهم على أوراق مظللة الإجابة فيها عن طريق الطباعة، وليس الكتابة الورقية، وهو ما اعتبره "أحدث صيحات التزوير" هذا العام، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن عدداً قليلاً فقط من الطلاب اشتكوا وجود أخطاء في عملية التصحيح تيقنوا من أن أوراق الإجابات خاصة بهم.
ولفت إلى أن طلاباً كثراً اشتكوا من إجبارهم على كتابة تعهدات بأن الأوراق التي يطلعون عليها خاصة بهم قبل رؤيتها من الأساس، وأن الملاحظين قاموا بتلك الممارسات مع أولياء الأمور من البسطاء، ولم تكن لديهم الجرأة لفعل ذلك مع أبناء الضباط أو المستشارين المتظلمين.
محاضر وقضايا لحصول الطلاب على حقوقهم
الناشط الحقوقي أكد لـ"عربي بوست" وجود مئات المحاضر التي حررها الطلاب وأولياء أمورهم بعد إرغامهم على عدم ذكر تبديل أوراق الإجابة، أو أن الأوراق التي اطلعوا عليها لا تتبع لهم، وذلك كإثبات حالة مما تعرضوا له، لافتاً إلى أن النيابة العامة في بعض المناطق بدأت في استدعاء أولياء الأمور للاستماع لأقوالهم تمهيداً لتحويلها إلى الطب الشرعي.
وأشار إلى أن الطعن على نتيجة الامتحان أمام مجلس الدولة يجعله يشكل لجنة تربوية متخصصة من أساتذة الجامعات بعيداً عن وزارة التربية والتعليم وإلزامها بتقديم أصول كراسات الإجابة لإعادة التصحيح ورقياً، وهناك مئات الطعون التي تقدم بها أولياء الأمور في محافظات مختلفة، لكن الأزمة في كون تلك القضايا تأخذ أوقاتاً طويلة قد تمتد لعام أو عامين لحين الفصل فيها.
وشهد الرأي العام في مصر جدلاً حول حالة الطالب عبد المسيح فرج بمحافظة المنيا والذي حصل على مجموع 3% في حين أنه كان من الطلاب المتفوقين بالمحافظة خلال السنوات الماضية، وتقدم بشكوى رسمية إلى مكتب وزير التربية والتعليم الدكتور رضا حجازي بانتظار الفصل فيها خلال الأيام المقبلة.
واقعة مريم ملاك عالقة في الأذهان
وتتعدد مشكلات تبديل أوراق الطلاب في امتحانات الثانوية العامة دون أن تعترف وزارة التربية والتعليم بها، وتعد الحالة الأشهر للطالبة مريم ملاك والمعروفة باسم "طالبة الصفر" وحصلت على صفر في المئة، وكانت حديث الرأي العام في العام 2015.
لم تترك مريم في ذلك الحين باباً دون أن تطرقه للحصول على حقها قبل أن تُجبر على إعادة السنة الدراسية وتتفوق فيها بنسبة 94% لتلتحق بكلية الصيدلة حينها ومن ثم تتفوق في دراستها الجامعية.
ويؤكد مصدر بوزارة التعليم، رفض ذكر اسمه، أن الحكومة المصرية تحاول تخطي مشكلات الثانوية العامة دون أن تؤدي لمزيد من الأزمات على المستوى الداخلي، لأن المظاهرات الوحيدة التي تندلع بين الحين والآخر تكون بسبب منظومة تقويم الثانوية العامة الحالية، وبالتالي فإنها تتدخل سياسياً وأمنياً لمنع حدوث أي انفلات تكون له تأثيراته السلبية على الطعن في النتيجة بشكل عام وهو ما يضع الدولة في مأزق قانوني ومجتمعي خطير.
ويعتبر المصدر ذاته أن اعتراف الوزارة بوجود أخطاء في عمليات التصحيح هذا العام، حتى وإن ألصقت الخطأ بالطلاب، ينسف الفكرة السابقة التي روّجت لها خلال العامين الحالي والماضي بأن الماسح الضوئي لا يكذب ومن المستحيل وقوعه في أي أخطاء.
تصحيح الأخطاء بعد فوات الأوان
وقام وزير التربية والتعليم الحالي رضا حجازي بسحب عملية تصحيح امتحانات الدور الثاني من المركز القومي للامتحانات وإعادتها إلى الكنترولات – التي تتبع (الإدارة العامة للامتحانات) وهي المختصة بتصحيح أوراق إجابات الشهادات العامة على مدار السنوات الماضية والاستعانة بأجهزة تصحيح مدارس المتفوقين بدلاً من ماسح المركز القومي لتفادي الوقوع في أي أخطاء.
وتساءل المصدر بوزارة التعليم قائلاً: "لمصلحة من تتم عملية تبديل الأوراق وهي تعد أخطاء متعمدة من بعض الموظفين الذين يتلاعبون بأوراق الإجابات لمصالح خاصة بهم أم أنها أخطاء غير مقصودة"، مشدداً على ضرورة تدخل الوزارة وتقديم المخطئين إلى المحاكمة العاجلة.
ودافع الوزير السابق طارق شوقي قبل رحيله بأيام الشهر الماضي عن منظومة تصحيح امتحانات الثانوية العامة، مشيراً إلى أنها تتم بشكل إلكتروني بنسبة 100%، وأنها غير قابلة للخطأ، وذكر أن تظلمات الطلاب على نتائج الثانوية العامة العام الدراسي الماضي 2020-2021 لم تشهد حصول أي طالب على درجة واحدة، واعتبر أنه لا فائدة من الأساس في عملية التظلمات وطالب الطلاب بتوفير مجهودهم.
وحاولت وزارة التربية والتعليم تصعيب المهمة على الفئات الفقيرة وذلك بعد أن ضاعفت رسوم التظلم في المادة الواحدة من 100 جنيه إلى 300 جنيه، وفي بداية الأمر حددت مقر واحد للتظلم على مستوى الجمهورية لعرقلة مساعي طلاب الأقاليم، قبل أن تضطر لزيادة أعداد مقار التظلمات في المحافظات المختلفة وعلى مستوى العاصمة القاهرة جراء الاحتجاجات التي شهدتها المدينة التعليمية.
وتواجه منظومة تقويم الثانوية العامة تدخلات واسعة من أطراف نافذة في مصر تسعى لضمان حصول طلاب يتبعون إليها على درجات مرتفعة مع تطبيق المنظومة الجديدة التي قلصت بشكل كبير من المجاميع المرتفعة.
تبرئة أبناء الأكابر
الملفت أن الوزير الحالي رضا حجازي قرر حفظ التحقيق الذي فتحته الوزارة في ما رُصد من منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن حصول طلاب في مدارس تتبع محافظات الصعيد على مجاميع مرتفعة في الثانوية العامة، وارتباط هؤلاء الطلاب بأسماء عائلات معروفة، على خلفية انتشار ظاهرة "الغش الجماعي" في لجان بعض المدارس الخاصة بمحافظة سوهاج على وجه التحديد.
وعلم "عربي بوست" من مصدر مطلع في الوزارة، أن الوزير أكد خلال لقائه بمحرري وزارة التربية والتعليم الأسبوع الماضي، على عدم وجود أي حالات للغش الجماعي على مستوى الجمهورية في امتحانات الثانوية العامة، وأن الوزارة راجعت أرقام جلوس الطلاب المتداولة أسماؤهم، وتبين أنهم ليسوا مقيدين في مدرسة واحدة، واعتبر أن الهدف من ذلك التشكيك في عملية تصحيح امتحانات الثانوية!