تتجنّد إسرائيل، حكومة ومعارضة، ضد الاتفاق الدولي المتبلور مع إيران، ولكنّ فرصها في إحداث التغيير "ضئيلة للغاية".
فقد غادر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، مساء الأربعاء 24 أغسطس/آب 2022، إلى واشنطن، بعد ساعات من عقد رئيس الوزراء يائير لابيد مؤتمراً صحفياً انتقد فيه الاتفاق، مستبقاً بذلك زعيم المعارضة ورئيس حزب "الليكود" اليميني بنيامين نتنياهو، الذي فعل الأمر ذاته.
أما في الجمعة 26 أغسطس/آب 2022، فقد اجتمع غانتس مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في الولايات المتحدة. وقال بيان أمريكي إن المسؤولَين ناقشا "التزام الولايات المتحدة بضمان عدم حيازة طهران سلاحاً نووياً، والحاجة إلى مواجهة تهديدات إيران ووكلائها".
إسرائيل ترفض نووي إيران
من جانبه، قال غانتس، الجمعة، في تغريدة عبر تويتر، عقب زيارته مقر القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) في ولاية فلوريدا الأمريكية، إن تل أبيب ستتأكد من عدم امتلاك إيران قدرات نووية "أبداً".
في سياق ذي صلة، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد، في لقاء مع الصحفيين: "أوضحنا للجميع، إذا تم التوقيع على الاتفاق، فإسرائيل لن تكون ملزمة به، سنتحرك من أجل منع إيران من التحوّل إلى دولة نووية".
أما زعيم المعارضة نتنياهو فكتب على تويتر: "أنا أتعهد، مع أو بدون اتفاق سأفعل كل شيء لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية". وبالإضافة إلى معارضتهم الاتفاق مع إيران، فإن ما يجمع "لابيد وغانتس ونتنياهو" هو أنهم جميعاً مرشحون لرئاسة الحكومة القادمة إثر الانتخابات المقررة، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ويحاول السياسيون الثلاثة تسجيل معارضة علنية، للاتفاق الدولي المتبلور.
مفاوضات إيرانية أمريكية
منذ شهور يتفاوض دبلوماسيون من إيران والولايات المتحدة و5 دول أخرى، في العاصمة النمساوية فيينا، بشأن صفقة إعادة القيود على برنامج طهران النووي، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي أعاد فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد انسحاب بلاده من الاتفاق في مايو/أيار 2018.
في وقت سابق من شهر أغسطس/آب 2022، قدم الاتحاد الأوروبي اقتراح تسوية "نهائياً"، داعياً طهران وواشنطن اللتين تتفاوضان بشكل غير مباشر للرد عليه، أملاً في تتويج مباحثات بدأت قبل عام ونصف العام.
كانت وزارة الخارجية الإيرانية، قد أعلنت الأربعاء تسلم الرد الأمريكي على مقترحاتها لحل القضايا العالقة في المفاوضات النووية، وقالت إن طهران بدأت "دراسة تفصيلية لملاحظات واشنطن".
في حين قال رئيس المخابرات الإسرائيلية (الخارجية) "الموساد" ديفيد بارنياع، الجمعة، إن توقيع الاتفاق الدولي مع إيران بشأن برنامجها النووي "ينذر بكارثة استراتيجية".
جاء هذا في إحاطات عقدها بارنياع لرئيس الوزراء يائير لابيد، حيث قال إن الاتفاق يأتي بعد أن نجح الإيرانيون في "تطوير أجهزة طرد مركزي متطورة"، كما أن الاتفاق سيضخ لإيران "مليارات الدولارات التي سيتم تحويلها لتمويل الجماعات كحزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الإسلامي"، بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت.
توقيع اتفاق مع إيران
يرى المحلل يوناثان ليز أن الشعور يتنامى بين المسؤولين الإسرائيليين بأن إدارة بايدن ستفعل كل ما في وسعها لإنهاء المفاوضات وتوقيع اتفاق نووي مع إيران. وكتب ليز يقول في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "من المُحتمل أن تكون فرص تغيير هذا الزخم في المحادثات النووية بعيدة، لكنّ رئيس الوزراء يائير لابيد ووزير الدفاع بيني غانتس وزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو قد حشدوا حملة من الضغط العام على الولايات المتحدة والدول الأوروبية".
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو عارض الاتفاق الأصلي علنياً في عام 2015، بما في ذلك في خطاب بالكونغرس الأمريكي، ما أدى إلى نشوب أزمة بين نتنياهو والرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما.
إلا أن الحكومة الإسرائيلية تبدو عازمة الآن على عدم الدخول في مواجهة علنية مع الإدارة الأمريكية حول الاتفاق، وقال مسؤولون سياسيون إسرائيليون، لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الخميس إن "لابيد مُصمم على عدم إجراء مواجهات علنية مع بايدن، مثل تلك التي قادها نتنياهو ضد باراك أوباما، قبل التوقيع على الاتفاق النووي الأصلي لعام 2015".
تهديد علاقات إسرائيل مع أمريكا
من جانبها نَقلت صحيفة هآرتس عن مصادر إسرائيلية، لم تسمها قولها: "بسبب هذا خطاب نتنياهو في الكونغرس (عام 2015) أخرجوا إسرائيل من غرف الاجتماعات، رأينا أن ذلك لم يساعد، لا يمكننا تهديد علاقاتنا مع الولايات المتحدة".
فيما تُركز الحملة الإسرائيلية الحالية على ما تعتبره إسرائيل "نقاطاً سلبية في الاتفاق". وتساءل رئيس الوزراء الإسرائيلي لابيد في حديثه للصحفيين، الأربعاء: "كيف يمكن التوقيع على اتفاق مع الإيرانيين يمنحهم مئة مليار دولار سنوياً، كجائزة على قيامهم بخرق جميع التزاماتهم".
إلا أن يوناثان ليز في مقاله بـ"هآرتس"، قال: "لم تنجح إسرائيل أبداً في التأثير على صياغة الصفقة، التي تتم صياغتها بين إيران والقوى العالمية". وأضاف: "كان تأثيرها الرئيسي على البنود خارج الاتفاقية نفسها، وتشمل هذه الالتزامات التزام الولايات المتحدة بعدم إزالة الحرس الثوري من قائمتها للمنظمات الإرهابية المصنفة، وسلسلة من التعهدات الأخرى التي قد تحافظ عليها الولايات المتحدة أو لا تحافظ عليها، مثل عدم إغلاق التحقيق الذي تجريه وكالة الطاقة الذرية الدولية في إيران".
رفع العقوبات عن إيران
تابع ليز: "تضغط إسرائيل على إدارة بايدن للوقوف بحزم في قضايا أخرى أيضاً: عدم رفع العقوبات عن إيران التي ليست جزءاً من الاتفاقية الأصلية، وعدم منحها ضمانات اقتصادية، في حال قررت الولايات المتحدة في النهاية الانسحاب من الاتفاقية للمرة الثانية".
أشار إلى أن القادة السياسيين الإسرائيليين "يدركون جيداً أن واشنطن غير مهتمة بتنفيذ الطلب الرئيسي الذي قدموه في السنوات الأخيرة، وهو تهديد عسكري كبير ومخيف لطهران".
في حين يبدي الإسرائيليون آراء متفاوتة حيال ما على إسرائيل القيام به حال توقيع الاتفاق بين القوى الدولية وإيران.
حيث كتب تامير هايمان، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، في مقال بصحيفة "إسرائيل اليوم"، الخميس، يقول: "إذا تم التوصل إلى اتفاق يجب على إسرائيل أن تستعد لسيناريو يتحرك فيه برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني بكامل طاقته إلى الأمام بحلول عام 2030".
أضاف: "هذا يعني أنه يجب على إسرائيل إعطاء الأولوية لقدراتها التشغيلية حتى تكون لديها القدرة على وقف برنامج إيران النووي، دون التسبب في اندلاع مواجهة على حدودها الشمالية، والأهم من ذلك، يجب أن تعزز الدعم الدولي لضربة محتملة، في المقام الأول عن طريق مغازلة الولايات المتحدة".
كذلك فقد قال هايمان: "نعم، ستجني إيران أرباحاً غير متوقعة من الفوائد الاقتصادية للصفقة بمجرد تنفيذها، لكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن العقوبات الحالية لم تكن قادرة على إبقاء التعزيز العسكري الإيراني تحت السيطرة، قد تستخدم إيران الصفقة لتعزيز وجودها الإقليمي، لكن إسرائيل أثبتت أنها خصم جدير في مواجهة مثل هذا التهديد، في المخطط الكبير للأشياء، ستكون الصفقة أدنى من اتفاقية 2015، لكنها لن تكون كارثة لإسرائيل".
تخريب المفاوضات
من ناحيته، كتب المحلل في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية رون بن إيشاي: "إسرائيل تحاول التأثير على الأمريكيين من أجل تخريب المفاوضات، أو على الأقل لإجراء تغييرات في اللحظة الأخيرة في الصفقة، في إسرائيل، يجادل البعض بأن بايدن، مثل (مرشد الثورة علي) خامنئي، عنيد، لذلك قد ينتزع اتفاقاً أفضل من الإيرانيين، أو يقرر تعليق المفاوضات حتى تلغي طهران بعض مطالبها الإشكالية".
رون بن إيشاي أضاف: "كما يولي البنتاغون اهتماماً وثيقاً للحجج الإسرائيلية عندما أثارها وزير الدفاع بيني غانتس في محادثات مع نظيره الأمريكي، لكن من غير المرجح أن يؤثر ذلك على واشنطن".
كما أكمل بن إيشاي: "لهذا السبب يجب على إسرائيل والولايات المتحدة أن تُشاركا في صياغة استراتيجية جديدة ضد إيران من شأنها أن تجدد تعهدات بالالتزام بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية".
في سياق ذي صلة قال كذلك: "يجب أن تحتوي هذه الاستراتيجية على أربعة عناصر أساسية على الأقل، الأول: مراقبة استخباراتية صارمة لمنع إيران من تطوير جهاز متفجر نووي سراً وتحويله إلى رأس حربي أو قنبلة، مع التأكد من عدم تخصيب إيران لليورانيوم إلى مستوى أعلى من 60%، ثانياً: الخطوات والأساليب والإجراءات المضادة التي يمكن تنفيذها إذا استعادت إيران برنامج تطوير أسلحتها النووية أو قامت بتخصيب اليورانيوم خلافًا لما تسمح به الاتفاقية؛ ثالثا: اتفاق إسرائيلي-أمريكي يحدد الشروط التي ستُعتبر إيران قد انتهكت بموجبها الصفقة التي تم إحياؤها".
أما العنصر الرابع، بحسب بن إيشاي فهو "تفاهمات حول مبادئ العمل التي ستتخذها إسرائيل والولايات المتحدة معاً أو بشكل منفصل، إذا حصلت إيران بالفعل على قنبلة نووية".
أسابيع طويلة
من جانبها نقلت وكالة بلومبيرغ (Bloomberg) عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن مساعي واشنطن وطهران لحل الخلافات بشأن الاتفاق النووي قد تستمر أسابيع، في حين أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس من واشنطن رفض تل أبيب مسوّدة الاتفاق الحالية.
كما نقلت بلومبيرغ عن المسؤولين الأمريكيين أن العقبات أمام التوصل إلى اتفاق نووي لا تزال قائمة. وأوضح هؤلاء المسؤولون أن التجاذبات مستمرة بشأن تحقيق المراقبين الدوليين في الأنشطة النووية السابقة لإيران.
فيما توقعت نفس المصادر حدوث اختراق وشيك مع استجابة واشنطن وطهران لاقتراح الاتحاد الأوروبي النهائي، الذي من شأنه تخفيف العقوبات عن الاقتصاد الإيراني مقابل تقليص طهران برنامجها النووي المتقدم.
كان مسؤولون أمريكيون أكدوا أن طهران تنازلت عن بعض شروطها، وبينها شطب الحرس الثوري من لائحة الإرهاب الأمريكية.
بيد أن إيران لا تزال متمسكة بمطالب بينها أن تغلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف مواقع غير معلنة يشتبه بأنها شهدت أنشطة نووية كشرط للتوصل لاتفاق.
إحياء الاتفاق النووي
من جانبه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، إن الكرة في ملعب إيران لإحياء الاتفاق النووي مع القوى العالمية، وإن العرض المطروح على الطاولة، حتى لو لم يحل جميع الخلافات، أفضل من عدم وجود عرض على الإطلاق.
في حين قالت وزارة الخارجية الإيرانية إن إيران تسلمت رد واشنطن على النص "النهائي" الذي قدمه الاتحاد الأوروبي لإنقاذ اتفاق طهران النووي لعام 2015 مع القوى الكبرى، ولم تقدم أي دلالة قاطعة عن مدى اقترابه من تضييق الفجوات المتبقية.
يذكر أنه وبعد 16 شهراً من المحادثات الأمريكية الإيرانية المتقطعة وغير المباشرة التي تضمنت قيام مسؤولي الاتحاد الأوروبي بجولات مكوكية بين الجانبين، قال منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في الثامن من أغسطس/آب 2022، إن الاتحاد قدم "نصاً نهائياً".