تخوض إسرائيل حملة مكثفة لإقناع دول غربية، تتقدمها الولايات المتحدة، بالتوقف قبل الأميال الأخيرة الفاصلة عن إحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وذلك في الوقت الذي قالت فيه طهران إنها تسلمت الرد الأمريكي على "النص النهائي" وبصدد مراجعته.
حيث وزعت إسرائيل جهودها على جبهات عدة، من زيارات لمسؤوليها لواشنطن، ومباحثات مع قادة دول غربية، وتصريحات للصحافة الأجنبية.
فيما قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية الأربعاء 24 أغسطس/آب 2022، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن، امتنع عن استقبال "مكالمة طارئة" من رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لبيد.
ذكرت القناة أن واشنطن ردت على طلب تل أبيب إجراء محادثة هاتفية "طارئة" بين لبيد وبايدن بأن "الرئيس الأمريكي في عطلة"، مشيرة إلى أن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعمل على ترتيب مكالمة هاتفية بين الاثنين منذ أيام.
نقلت القناة عن مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة الإسرائيلية، قولهم إن التقديرات في مكتب رئيس الحكومة هو أن المحادثة بين بايدن ولبيد ستتم في نهاية المطاف، ولم يستبعدوا أن يحصل ذلك "في المستقبل القريب".
ليس من المتوقع أن يلتقي وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، الذي يطير إلى واشنطن، الخميس، نظيره الأمريكي، لويد أوستن، بحسب ما أوردته القناة 13، مشيرة إلى أن وزير الدفاع الأمريكي يوجد حالياً "خارج واشنطن" كذلك.
وفي خضم حملته للانتخابات التشريعية المقررة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، حث رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، الدول الغربية، الأربعاء، على وقف مباحثات إحياء الاتفاق التي بدأت العام الماضي، معتبراً أن أي تفاهم سيمدّ خزائن إيران بالمال و"يقوّض" استقرار الشرق الأوسط.
أتى ذلك في أسبوع شهد زيارة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي لواشنطن التي يتوجه إليها أيضاً، صباح الخميس، وزير الدفاع بيني غانتس؛ لبحث ملفات عدة، بينها الملف النووي الإيراني، حسبما أفاد معاونوه لوكالة فرانس برس.
أتاح اتفاق عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والصين؛ وألمانيا)، رفع عقوبات دولية كانت مفروضة على طهران، مقابل خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها وعدم تطويرها سلاحاً ذرياً، وهو ما نفت مراراً السعي إلى تحقيقه.
إلا أن مفاعيله باتت في حكم الملغاة منذ أن قرر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، سحب بلاده أحادياً منه في 2018، معيداً فرض عقوبات قاسية على طهران. ولقيت الخطوة ترحيب إسرائيل، ودفعت إيران اعتباراً من العام التالي، إلى التراجع عن التزامات أساسية في الاتفاق وتسريع وتيرة برنامجها النووي، خصوصاً لجهة تخصيب اليورانيوم.
لكن جو بايدن، الذي خلف ترامب في الرئاسة الأمريكية، أبدى عزمه على إعادة بلاده إلى الاتفاق، بشرط عودة إيران لالتزاماتها. وبعد مباحثات متقطعة بدأت منذ أبريل/نيسان 2021، بلغت المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين مرحلة حاسمة: فقد طرح الاتحاد الأوروبي، منسق المباحثات، مسودة تسوية "نهائية"، علّقت عليها إيران الأسبوع الماضي، وتنتظر رد الولايات المتحدة بشأن ذلك.
تنازلات حاسمة
ولمح مسؤول أمريكي، الثلاثاء، إلى أن طهران قدمت "تنازلات بشأن قضايا حاسمة" في الآونة الأخيرة، ما قد يمهّد الطريق أمام تفاهم، رغم تأكيده تبقي نقاط تباين.
ووفق المتداول، وضع الطرفان جانباً حالياً طلب شطب اسم الحرس الثوري من القائمة الأمريكية للمنظمات "الإرهابية" الأجنبية، بينما يتم الحديث عن مرونة متبادلة في الملف المفتوح من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن مواقع غير معلنة يشتبه بأنها شهدت أنشطة نووية، رغم عدم اتضاح الصورة نهائياً بعد بشأن هذه المسألة.
وأثار التقدم مخاوف إسرائيل ودفعها الى الضغط لمنع إحياء اتفاق كانت من أشد منتقديه.
قال لبيد للصحفيين: "على الطاولة الآن صفقة سيئة، ستمنح إيران 100 مليار دولار سنوياً". وأضاف أن هذه الأموال ستستخدمها فصائل مسلحة مثل حركة حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي "لتقويض الاستقرار في الشرق الأوسط ونشر الرعب في جميع أنحاء العالم"، ولم يشرح رئيس الوزراء الإسرائيلي ما يستند إليه لطرح هذا الرقم.
أضاف أن الاتفاق "في نظرنا، لا يفي بالمعايير التي حددها بايدن نفسه: منع إيران من أن تصبح دولة نووية".
وأبدى مسؤول إسرائيلي كبيرٌ انتقادات، لأن مشروع التفاهم الذي لم يتم كشف مضمونه بشكل رسمي، لا يلحظ التخلص بالكامل من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية المتطورة لتخصيب اليورانيوم، ما سيسمح لطهران بـ"إعادة تشغيلها" متى رأت الفرصة سانحة لذلك.
ورغم عدم اعترافها رسمياً بذلك، يؤكد خبراء أن إسرائيل هي الوحيدة في المنطقة التي تمتلك ترسانة من الرؤوس النووية. كما اتهمتها طهران خلال الأعوام الماضية، بالوقوف خلف عمليات اغتيال لعلمائها وتخريب منشآتها النووية.
على الرغم من تبدّل موقف إيران، ما زالت إسرائيل تعارض بشدةٍ الصفقة التي ستفضي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
وأضاف لبيد، الذي تحدث إلى قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا في الأيام الأخيرة: "أخبرتهم بأن هذه المفاوضات وصلت إلى النقطة التي يجب أن يتوقفوا فيها ويقولوا: (كفى)…. نحن ضد هذا الاتفاق لأنه سيئ".
من جهته، حضّ رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، الثلاثاء، بايدن على "الامتناع، حتى في اللحظة الأخيرة، عن توقيع اتفاق مع إيران".
وطرحت الصحافة الإسرائيلية، الأربعاء، أسئلة بشأن ما إذا كانت الحكومة مقتنعة فعلياً بقدرتها على إقناع الغربيين بترك طاولة المفاوضات، أو أنها بدأت تتحضّر للتعامل مع فكرة إحياء الاتفاق المعروف رسمياً باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة".
بالتوازي مع المباحثات بين إيران والغربيين، تنخرط إسرائيل بدورها في مفاوضات غير مباشرة مع لبنان بوساطة أمريكية، تتعلق بترسيم الحدود البحرية بين البلدين بشكل يتيح استخراج الغاز والنفط من شرق المتوسط.
فيما شدد مسؤول إسرائيلي، الأربعاء، على عدم وجود تناقض بين رفض الاتفاق مع إيران، والتفاوض في الوقت عينه مع لبنان حيث يعد حزب الله المدعوم من طهران، أبرز قوة سياسية وعسكرية وعدواً لدوداً للدولة العبرية.
ورأى المسؤول أن اتفاقاً بين البلدين سيتيح للبنان الاستفادة من الموارد المالية التي يحتاج إليها بشدة في ظل أزمته الاقتصادية الراهنة، من دون أن يؤدي ذلك إلى تعزيز موقع حزب الله، الذي يلوّح منذ أسابيع بالتصعيد عسكرياً ما لم تحصل بيروت على حقوقها في مسألة الترسيم الحدودي البحري.
أضاف: "لا أرى سبباً لمواجهة مع حزب الله حول هذه المسألة".